موسى المعاني يكتب لـ(اليوم الثامن):
الخبز في مرمى الأزمة؛ ارتفاع الأسعار واحتجاجات الشعب بين الحاجة والمعاناة
ينادون بدعم المستضعفين في الأرض ويستضعفون من يُفترض بأنه شعبهم ويصل بهم الحال إلى المساس بقوتهم وركيزة طعامهم الخبز.. الخبز الذي من المتوقع أن يكون أحد أهم ركائز تصاعد السخط الشعبي في إيران، وما اطلعنا عليه من تقارير حساسة من خلال المقاومة الإيرانية حول الأوضاع المعيشية في إيران وحول عنصر من أبسط وأدنى العناصر الغذائية وهي الخبز يوحي بأن عجز النظام الإيراني قد وصل ذروته مصارعاً من أجل أخر مراحل وجوده.. وأن انهياره بات وشيكاً على يد الشعب الإيراني وقواه الثائرة..
ووفقاً للتقرير.. أن العديد من محافظات إيران في الآونة الأخيرة من هذا العام 2025 قد شهدت موجة جديدة من الارتفاعات الكبيرة في أسعار مادة الخبز وهي السلعة الأساسية في غذاء ملايين الإيرانيين مما أثار احتجاجات شعبية واسعة ومخاوف متزايدة بشأن تأثير هذه السياسات على القدرة الشرائية للفئات الضعيفة والمتوسطة.
ووفقاً للتقرير أيضاً.. فقد بدأت المرحلة الراهنة برفع الأسعار في محافظات مثل قم، خراسان الرضوية، همدان، وجيلان، حيث صعدت أسعار الخبز التقليدي "السانگك" إلى 5200 تومان بزيادة تصل إلى 52% في بعض المناطق مثل مشهد التي سجلت ارتفاعًا مماثلًا في الأسعار، وتختلف الأسعار باختلاف نوع الخبز.. فمثلًا ارتفع سعر خبز البربري إلى 3500 تومان، والتافتون إلى 1900 تومان، واللواش إلى 920 تومان. وفي العاصمة طهران ومع أن الجهات الرسمية لم تعلن بشكل رسمي عن الأسعار الجديدة إلا أن جهات المخابز رفعت أسعارها بشكل غير رسمي مما يدل على وجود حالة من العجز والفوضى وخلطٍ وعدم وضوح في السياسات والرقابة وكل ذلك ناجمٌ عن حجم التفكك والهُزال داخل النظام الإيراني الحاكم، وتعزو السلطات سبب هذه الزيادات إلى ارتفاع التكاليف التشغيلية التي تشمل زيادة أجور العمال، تكاليف التأمين، مصاريف الطاقة مثل الكهرباء والماء، إضافة إلى الغلاء في أسعار المواد الأولية كالطحين والخميرة، وتكاليف النقل التي شهدت بدورها تصاعدًا ملحوظًا، وكل ذلك يقع على عاتق السلطات الحاكمة وليس على عاتق المواطن الذي تحمله هذه السلطات نتيجة فشلها وفسادها.. كما أرجع مسؤولون محليون التأجيل السابق لتطبيق الزيادات إلى ظروف الحرب التي شهدتها البلاد، لكنها عادت للظهور رغم تعقيد الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وهكذا باتت الحروب وسيلة للتحايل على المواطن وتبرير الفساد والأخطاء وسوء الإدارة.
مؤكد أن هذا الارتفاع الحاد سيؤدي إلى ضغوط اقتصادية شديدة على ملايين الأسر خصوصًا أصحاب الدخل المحدود الذين يعتبر الخبز جزءًا أساسيًا من قوتهم اليومي، وقد أثار ذلك موجة من الاحتجاجات التي شارك فيها الخبازون والعمال والمواطنون المستاؤون في عدة مدن إيرانية، وقد رفع المحتجون شعارات تعبّر عن استيائهم من زيادة الأسعار بدون تحسين في أوضاعهم المعيشية يقابل ذلك، وبدون وجود سياسات دعم حقيقية مؤكدين أن القرار جاء على حساب الفئات الأكثر هشاشة.
يضيف التقرير الصادر عن خبراء أنه من الناحية السياسية والاقتصادية قد تم تمرير صلاحية تحديد سعر الخبز إلى المحافظات الأمر الذي أدى إلى اختلاف الأسعار من منطقة إلى أخرى وهو ما زاد من تعقيد المشهد وجعل مراقبة السوق أكثر صعوبة.. وبالرغم من التشديد على تطبيق الأسعار الرسمية عند الإعلان عنها فإن التأخر في الإعلان الرسمي، وقد ساهم عدم تطبيق الرقابة في تنامي السوق السوداء والبيع الحر بالأسعار المرتفعة، وهذا نتيجة تقاعس النظام المعتاد عن أداء واجباته تجاه الشعب الذي أمضى أربعة عقودٍ ونصف من المعاناة في ظل حكم نظام الملالي، ولم يقتصر تأثير الأزمة على ارتفاع الأسعار فقط بل امتد إلى غير ذلك من سياسات النظام غير المسؤولة ما أدى إلى تصاعد التوترات الاجتماعية والغضب الشعبي حيث اعتبر الكثيرون أن زيادة سعر الخبز كارثة جديدة تزيد من المعاناة المعيشية اليومية وتفاقم حدة الفقر والبطالة خصوصًا في ظل استمرار انهيار القدرة الشرائية وتراجع الدعم الحكومي المباشر، ولم تعد المطالب الأساسية للمحتجين تقتصر على تأمين سعر مخفض للخبز وتوفير دعم حكومي فاعل للطبقات العاجزة عن مجاراة التكاليف مع ضمان شفافية في سياسات الأسعار بل وصلت إلى المطالبة بإسقاط النظام والمشاركة الفعالة للمجتمع المدني في صنع القرارات.
الأزمة الحالية تمثل اختبارًا حقيقيًا لشجاعة النظام في مواجهة تحديات الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، حيث أن استمرار ارتفاع أسعار الخبز دون حلول شاملة قد يؤدي إلى اتساع دائرة الاحتجاجات وتصاعد الضغوط على الحكومة.. الأفق لا يتطلب إصلاحات جذرية في منظومة الدعم والتوزيع، وتحسين بيئة العمل للخبازين، وضبط الأسواق بشكل يوازن بين مصلحة المنتج والمستهلك فحسب بل يتطلب حلولا جذرية فقد فات الأوان على الإصلاح بعد ما يقرب على عشرات العقود العجاف.. والحل الجذري لن يكون إلا بإسقاط وتغيير النظام.
خلاصة القول.. فإن أزمة ارتفاع أسعار الخبز في إيران تجسد جزءًا من أزمات أوسع في اقتصاد النظام، وتؤكد أهمية الحكم الرشيد والشفافية والمشاركة الشعبية لإيجاد حلول مستدامة تضمن حق الناس في الحصول على قوتهم الأساسي بأثمان عادلة ومستقرة.. وهذا ما لن يتوفر في ظل نظام ولاية الفقيه.. وتلك صورة من صور المعاناة في إيران معاناة شديدة على شعبها وأشد على من يقطنها خاصة في ظل وجود هكذا أنظمة عنصرية استبدادية.. فهل ستكون أزمة الخبز نهاية النظام وفرصة الشعب الإيراني لإنقاذ نفسه؟
موسى المعاني – وزير أردني سابق