موسى المعاني يكتب لـ(اليوم الثامن):
إيران.. مسيرة الشعب نحو الديمقراطية والتحرر
كثيراً من أبناء الأمة العربية الذين نحاكيهم من خلال ما نكتبه لا يعرفون شيئا عن حقائق ما يجري في إيران أو حتى عنها كدولة ومجتمع وكوارث سياسية.. وفي هذا المقال نتحدث معا كحوار بين كاتب وقارئ.. لذا دعوني أحدثكم عن قضية إيران.. إيران تلك الأرض التي يناضل شعبها من أجل الحرية والكرامة منذ قرون.. حيث لابد أن يكون الشعب صانعا للتاريخ يختار قادته ونظمه بإرادته الحرة، أما الأنظمة التي تسلقت السلطة بالقمع والانقلابات فقد كشف التاريخ زيفها وهشاشتها.. إنها تنهار أمام إرادة الشعوب كما ينهار السراب أمام الحقيقة، ولا تتحقق الديمقراطية الحقيقية إلا عندما تكون إرادة الشعب هي المحرك الأساسي للحكم واستمراريته.
في إيران يعاني الشعب من وطأة نظام ديني ديكتاتوري، والحرب الخارجية التي دارت لاثني عشر يومًا بين إسرائيل وهذا النظام كشفت مرة أخرى عن حقيقة مفادها أن الشعب الإيراني لا يريد الحرب، ولا يقبل التساهل مع نظام الملالي.. إنه يسعى لاختيار مصيره بنفسه بعيدًا عن القمع والاستبداد.
هذا الطموح يتجسد في رؤية المقاومة الإيرانية التي أعلنت منذ أكثر من عقدين، تحديدًا منذ عام 2004م دعمها لـ"الحل الثالث".. هذا الحل هو ثمرة نضال طويل ضد دكتاتوريتين.. الدكتاتورية المخلوعة كانت نظام الشاه الذي أطيح به عام 1979، والدكتاتورية القائمة وهي نظام الملالي الحالي، والتي يسعى الشعب الإيراني الذي قدم عشرات الآلاف من الشهداء في انتفاضاته إلى إسقاط نظام الملالي ولم يستسلم بل واصل نضاله بقوة مؤمنًا بأن التغيير الحقيقي يأتي من داخله.
لا ينخدع الشعب الإيراني بالوعود الزائفة أو بما تطرحه وتنادي به التيارات المتعطشة للسلطة.. إنه يستطيع فرز قواه الوطنية الحقيقية من خلال وعيه وإرثه النضالي الطويل؟ ويرى ممثله الوطني الحقيقي في المقاومة التي قاومت الدكتاتورية من بين صفوفه.. ولا عودة إلى دكتاتورية الشاه، والمطلب الشعبي هو حكومة ديمقراطية، علمانية، وجمهورية تخدم الشعب، ويعكس منهاج السيدة مريم رجوي المبين في برنامج المواد العشر هذه الرؤية التي تتضمن "إلغاء عقوبة الإعدام إلى فصل الدين عن السلطة، ومن حرية التعبير إلى المساواة بين الجنسين، وصولاً إلى إيران خالية من السلاح النووي."
الحرب الخارجية ليست حلاً لقضية إيران، كما أن التساهل مع النظام ليس حلاً.. وكلاهما يعقّد المشكلة ويبتعد عن إرادة الشعب، والتساهل مع الدكتاتورية لا يكبحها بل يغذيها، ويثبت التاريخ أن التنازلات الدولية قد عززت طموحات النظام النووية ودعمه للإرهاب وقمعه الداخلي.. أما التدخل العسكري الخارجي فتجارب العراق وأفغانستان وسوريا ولبنان واليمن وغيرها من الأماكن التي يتدخل فيها فتظهر أنه يجلب الدمار وعدم الاستقرار، وقد يستغل النظام الحرب للتحريض وتعبئة المشاعر القومية وقمع المنتفضين.
الحل الثالث: هو السبيل دعم الشعب ومقاومته المنظمة، وفي هذا السياق أكدت السيدة رجوي أن المقاومة لا تحتاج إلى مال أو سلاح بل إلى حياد دولي وتأييد لحق الشعب في المقاومة.. هذا المطلب يتماشى مع مبدأ تقرير المصير، ويدعو العالم لإعادة تقييم سياساته.. أما التساهل أو السكوت فيعني التواطؤ مع القمع بينما يمكن لتقديم الدعم من خلال الضغط الدبلوماسي، والعقوبات على مؤسسات القمع، والاعتراف بوحدات الانتفاضة ووسائل أخرى مماثلة أن يسرّع من عملية التغيير.
في عالم تهدده الأسلحة النووية والتطرف يُقدم الحل الثالث رسالة واضحة بأن "الديمقراطية" هي الرد على التطرف، وأن هذا الحل المرتكز على إرادة الشعب الإيراني لا يحرر إيران فحسب بل يعزز استقرار المنطقة والعالم.. وإن دعم هذا الحل ليس واجبًا أخلاقيًا فقط بل ضرورة استراتيجية للسلام العالمي.
في الختام.. إن نضال الشعب الإيراني منذ ثورة المشروطة إلى انتفاضة 1979 وصولاً إلى احتجاجات اليوم يعكس حلمه بالحرية والديمقراطية.. ومنهاج السيدة رجوي يمثل هذا الحلم، ويؤكد أن الشعب وحده يقرر مصيره، ولا يريد الشعب الإيراني حربًا ولا تساهلاً بل حلاً شعبيًا يقود إلى إيران حرة، ديمقراطية، غير نووية ومستقلة.
موسى المعاني- وزير أردني سابق