فاضل المناصفة يكتب:

خارطة طريق لإنقاذ إيران

الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي ورئيس الوزراء السابق مير حسين موسوي وجها دعوة لإجراء تغييرات سياسية ضمن خارطة طريق تخرج البلاد من النفق المظلم، استجابة للمطالب الشعبية التي اندلعت بعد وفاة مهسا أميني، والتي شهدت البلاد خلالها أعنف موجة عنف مارسها نظام إيران ضد شعب أعزل، سقط خلالها المئات من القتلى واعتقل فيها الآلاف حتى من المقربين من النظام.

ورأى خاتمي أن على النظام مراعاة كل الميول والاتجاهات والقوميات والمذاهب والطبقات والفئات الاجتماعية، وإلغاء الإقامة الجبرية المفروضة على المعارضين، وإطلاق سراح السجناء السياسيين وإعلان عفو عام، وإصلاح العملية القضائية والإجراءات الخاصة بها، وإصلاح آلية تشكيل مجلس خبراء القيادة، وإصلاح مجلس صيانة الدستور وتغيير السياسة الخارجية.

خاتمي، الذي يدعو اليوم إلى إصلاحات في النظام، كان قد تنبأ بحدوث ثورة أو انقلاب في حال استمر الوضع على ما هو عليه في البلاد. حيث اعتبر أن الوضع القائم على الاستفراد بالحكم وممارسة الطبقية بين فئات الشعب واستعلاء أجهزة الأمن على القضاء من الأمور التي تدفع الناس للانتفاضة على الحكم الذي لم يلبّ الطموحات الأساسية للثورة التي أسقطت حكم الشاه.

يُعرف خاتمي بأنه الرئيس الأقرب إلى الغرب منذ سقوط نظام الشاه على الرغم من خلفيته الدينية، وهو أيضا قائد البروسترويكا الإيرانية، فخلال فترة حكمه، التي دامت ولايتين رئاسيتين، شهدت إيران إصلاحات اقتصادية ملموسة عادت بالنفع على المواطن الإيراني، وشجع التأييد الشعبي خاتمي على إجراء المزيد من الإصلاحات السياسية والاجتماعية، ومنح المزيد من الحريات للصحافة المستقلة، كما تحولت الدبلوماسية الإيرانية من دبلوماسية عدائية توظف الخطاب الديني لتغذية عقول الناس بأفكار معادية لأميركا ودول الجوار، إلى دبلوماسية متزنة تحاول أن تخرج إيران من القفص الذي وضعها فيه حكم الملالي.

وعرفت فترة رئاسة خاتمي تحررا نسبيا لوسائل الإعلام وحرية التعبير أزعجت قيادات الدولة العميقة التي أرادت منه أن يكون مجرد “كومبارس” يتقمص دور الباحث عن مصالحة مع الغرب والطامح إلى علاقات جديدة مع دول الجوار، دون أن يعبث بالثوابت الأساسية التي قام عليها نظام الملالي، وهو ما جعل خطواته الإصلاحية تصطدم بمقاومة قيادات الحرس الثوري والتي شكلت ضده ضغطا متواصلا، وصل إلى حد تنفيذ حملة اغتيالات استهدفت سياسيين ومثقفين مقرّبين من تياره. ونفذت قيادات الحرس الثوري محاولة انقلاب ناعم على الرئيس خاتمي في عمليتين سميتا بـ“محرم عام 2000” و“عاشوراء 2001”، شملت الخطة الأولى تحرك جهاز السلطة القضائية التابع لمرشد الثورة لإغلاق 40 صحيفة ومجلة إصلاحية، وزج في السجن بوزيرين سابقين ومجموعة من نشطاء حركة الحرية التي تدعم التيار الإصلاحي للرئيس خاتمي. أما الخطوة الثانية فكانت استكمالا للأولى، تم فيها اعتقال المزيد من رموز الإصلاح وأغلقت آخر الجرائد التابعة للتيار الإصلاحي، لتضع الرئيس في حالة عزلة بعدما فقد جميع الركائز التي تدعمه.

الحديث يطول عن فترة حكم خاتمي وعن المكائد والدسائس التي تعرض لها خلال فترة رئاسته، لكن هذه السيرة المقتضبة تؤكد وبشكل قاطع أن الدعوة إلى إصلاحات من طرف رجل عانى الويلات من أجل تنفيذ برنامجه أمرٌ فيه الكثير من التناقض، فكيف لرجل يعرف أساس النظام الحاكم في إيران أن يقدم مشروعا إصلاحيا ينادي بإسقاط الدولة البوليسية القمعية. إن أساس الحكم في إيران هو السمع والطاعة والعصا لمن عصى، فكيف لخاتمي أن يتقدم بخارطة طريق أشبه بحبل المشنقة للنظام الإيراني؟

لا يمكن لنظام شمولي أن يتقبل فكرة الإصلاح من الداخل إلا إذا كانت حيلة الإصلاح آخر الأوراق التي يمكن لعبها لكسب الوقت ولاستعادة القوة وتفادي الانهيار. فكرة الإصلاح التي تقدم بها خاتمي هي دعاية انتخابية أكثر منها دعاية لإنقاذ النظام وهو العالمُ كيف يدار النظام، خاصة وأنه كان يوما ما أحد أبناء النظام عندما تقلد مناصب عسكرية وحزبية ووصل إلى حقيبة وزارية ثم إلى رئاسة واجهة النظام على الرغم من نواياه الطيبة.

خاتمي يدرك أن النظام البوليسي في إيران غير قابل للإصلاح، وأن القوة والبطش والتخويف والترهيب هي ما يحول دون سقوطه، وأن النظام وصل إلى مرحلة فقدان الشرعية الشعبية الكاملة بعد مقتل مهسا أميني، وأن الجيل الجديد لا يفكر كما يفكر أصحاب العمائم، ولا يرى العالم بمنظور الإعلام الإيراني وفتاوى المرشد، ولا يهتم لما تقوله المرجعيات الدينية عن الصراع مع إسرائيل وشرّ أميركا وأعداء الغرب، ولا يرى فائدة من التضحية والاستمرار في الحصار الخانق من أجل برنامج نووي لا يمكنه أن يجعل اقتصاد إيران في مرتبة اقتصاد فرنسا أو إيطاليا أو ألمانيا، ولا يمكنه أن يخضع دول الخليج ويضمّها إلى إيران.

خارطة الطريق الوحيدة هي بيد الشعب الذي يختار الطبقة السياسية التي من شأنها أن تقود إلى الإصلاح ودولة القانون، وبما أن الشعب قد قرر الطلاق مع حكم الملالي، فالأجدر بخاتمي أن يخاطب الشعب، وأن يطالب نظام الولي الفقيه بتسليم السلطة المغتصبة إلى يد من انتفضوا ضد نظام الشاه لكي تقوم جمهورية العدالة والكرامة والإنسانية بدل جمهورية الرعب وتكميم الأفواه.