د. عيد النعيمات يكتب لـ(اليوم الثامن):
نضال الشعب الإيراني؛ الطريق إلى الحرية
منذ 20 يونيو 1981، انطلقت ثورة الشعب الإيراني ضد نظام الملالي الذي يمثل قمة الطغيان الديني. هذا الكفاح المستمر يعكس رغبة الشعب في التحرر من القيود المفروضة عليه، ويتطلع إلى الإطاحة بنظام قمعي يفرض سلطته عبر القوة. تلعب المقاومة، المتمثلة في المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية ومنظمة مجاهدي خلق، دوراً محورياً في هذه المعركة. تهدف هذه القوى إلى بناء جمهورية ديمقراطية تقوم على مبادئ فصل الدين عن الدولة، والمساواة بين الجنسين، واحترام حقوق الأقليات، وإلغاء عقوبة الإعدام.
في عام 2002 حققت المقاومة إنجازاً كبيراً بكشف البرنامج النووي السري للنظام الذي كان يهدف إلى إنتاج قنبلة نووية بعيداً عن أنظار المجتمع الدولي؛ هذا الكشف لم يسلط الضوء فقط على خطر النظام بل أظهر أيضاً مدى خطورة سياسة المهادنة التي اتبعتها بعض الدول مما زاد من جرأة النظام على انتهاك حقوق الشعب، كذلك أجبر هذا الكشف النظام العالمي الذي كان يعلم بحقيقة هذا البرنامج أجبره على التحرك في الإطار الدولي لمواجهة هذا البرنامج بشكل لم يتعدى كونه استعراضي شأنه شأن أغلب مواجهات النظام العالمي لنظام الملالي..
من جانبها ترفض المقاومة الإيرانية مبدأ السلاح النووي من منطلق إدراكها أن هذا النظام صنيعة النظام العالمي، وقد جيء به كبديل عن الشاه وطغيانه للاستمرار في ابتزاز المنطقة سواء من خلال البرنامج النووي أو البرنامج الصاروخي أو الفتن الطائفية وغيرها، وكان من المقرر أن يجتاح هذا النظام العالم العربي منذ بداية الثمانينيات لولا صمود العراق في حرب الـ 8 سنوات التي انتهت لصالح العرب، والعراق من دفع فاتورتها كاملة ولا يزال يدفع، كما وترفض المقاومة الإيرانية امتلاك نظام الملالي للسلاح النووي من عدة منطلقات في مقدمتها ما سيلحق بالمنطقة من خراب ودمار نتيجة سعي النظام لفرض هيمنته على الشعب الإيراني والمنطقة بمنطق القوة، وكذلك الكلفة الهائلة للبرنامج النووي التي تسببت في هلاك الشعب الإيراني وتراجع مستوى معيشته في الوقت الذي تعاظمت فيه ثروات الكثيرين من رموز النظام والموالين له بسبب الفساد وفواتير العمل بالبرنامج النووي.
لم يستشر النظام الإيراني الشمولي شعبه عندما قرر البدء في مشروعه النووي، وقد نرفض كعرب البرنامج النووي الإيراني العسكري كرفضنا لأي برنامج نووي عسكري عدائي للعرب والمسلمين في المنطقة والعالم، ونتساءل.. لم يتعايش النظام الإيراني مع جيرانه العرب بسلام قبل أن يمتلك أسلحة نووية.. فهل سيتحول إلى نظام مسالم بعد حصوله على السلاح النووي الذي لن يتوجه ولن يشكل أي خطورة إلا إلى على العرب ودول الجوار، ويدرك النظام العالمي الذي تغاضى عن برنامجه وعن قضايا كثيرة تتعلق به بدافع المضي قدما في سياسة الضغط على العرب وتكبيلهم واستنزاف مقدراتهم، وقد تكون أي قدرات نووية رصيد إثراء للشعوب في الأنظمة الديمقراطية إلا أنها في الدول العنصرية لن تكون سوى تركيعا لشعوبها وتهديد لمن حولها.. وهذا ما يدفع المقاومة الإيرانية بقيادة السيدة مريم إلى تبني مشروع سياسي ينص على قيام جمهورية ديمقراطية " غير نووية" تقوم على مبدأ السلم العالمي بعيدا عن لغة الحروب والدمار.
في هذا السياق؛ وأثناء حديثها أمام البرلمان الأوروبي أكدت السيدة مريم رجوي بعد وقف إطلاق النار في حرب الـ 12 يوما أن الحل يكمن في "الخيار الثالث": وهو تغيير النظام بقوة الشعب والمقاومة دون الحاجة للمساومات أو التدخلات العسكرية، وتدعو هذه الرؤية إلى دعم المقاومة المشروعة التي تسعى لإنهاء عقود من القمع، ومن جانبها فقد أثبتت المقاومة على مدار الأربعة عقود الماضية استحالة إصلاح النظام القائم على الإعدامات والقمع، وقد أُعدم على يد هذا النظام في عام 2024 أكثر من 1350 سجيناً الأمر الذي يعكس دموية النظام تجاه معارضيه خصوصاً من أعضاء مجاهدي خلق حيث أمعن بالقتل في مجازر الثمانينيات وخاصة في جريمة الإبادة الجماعية صيف سنة 1988.. تلك الإبادة التي ستظل جروحاً غائرةً في سجل التاريخ الإيراني المعاصر.
لعدم شرعية النظام وعدم شرعية كافة مشاريعه السياسية وغير السياسية، وبسبب سياسة القمع التي ينتهجها النظام شهدت إيران منذ عام 2017 انتفاضات متتالية كشفت زيف النظام وافتضاح أوراقه السياسية.. ففي عامي 2017-2018 هتف المحتجون "إصلاحي - أصولي.. انتهت القصة"، رافضين السياسات العنصرية القمعية القائمة، وفي نوفمبر 2019 قُتل 1500 شخص في قمع دموي لكن الشباب استطاعوا تدمير أكثر من 900 مركز قمعي، وفي انتفاضة 2022 التي قادتها النساء كانت الانتفاضة تعبيراً عن رفض أربعة عقود من الظلم والاستبداد.
يقدم المجلس الوطني للمقاومة رؤية لإيران ديمقراطية قائمة على العدالة، وخطة السيدة رجوي المتضمنة برنامج المواد العشر تدعو إلى فصل الدين عن الدولة وإلغاء عقوبة الإعدام، وقد نالت دعماً واسعاً من المجتمع الدولي.. وسيُشكل بعد سقوط النظام مجلس تأسيسي خلال ستة أشهر من خلال انتخابات حرة.
يواصل الشعب الإيراني بشعاره "لا للشاه ولا للملا" كفاحه من أجل إقامة جمهورية ديمقراطية تسهم في تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة.
د. عيد النعيمات – نائب برلماني أردني سابق