أحمد عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):
تأثير الحرب ( الاسرائيلية – الايرانية ) على الملف اليمني وقضية الجنوب
في الاسبوع الثاني من الحرب الاسرائيلية – الايرانية تولد لدى الجميع تقريبا انطباعا عاما بأن النظام في ايران كان على وشك السقوط , وان مسألة حدوث ذلك هي مسألة وقت فقط , وتعزز هذا الانطباع عندما نشر الرئيس الامريكي على منصة اكس جملة قصيرة قال فيها : " الاستسلام الكامل " .. ! لكن شيئا من ذلك لم يحدث !! فلم يسقط نظام الجمهورية الاسلامية .. ولم يستسلم .. ولم يوقع على اي اتفاقية خلاف اتفاق وقف اطلاق النار الذي رعاه الرئيس ترامب شخصيا قبل ان يجف حبر منشوره الذي دعى فيه ايران الى الاستسلام الكامل !!
ربما ان سيناريو الحرب بما انتهى اليه , لم يكن ضمن حسابات اي جهة كانت, سواء كانت هذه الجهة دولة اقليمية أو دولية او مركز دراسات بحثي أو حتى دولتي الحرب في ايران أواسرائيل, فقد انتهت الحرب على عكس جميع التوقعات.. نعم , لقد احدثت الحرب دمارا هائلا في الجانب الايراني اكثر من الاسرائيلي , لكنها في النهاية لم تنتج تلك الفروقات الإستراتيجية الضخمة التي يمكن ان تبنى عليها سياسات جديدة تجاه مختلف الملفات العالقة في المنطقة , ومن ضمنها بطبيعة الحال الملف اليمني ، والغريب في الأمر ان احداثا أخرى كانت اقل حجما في كثافة النيران المشتعلة, لكنها أفرزت تنتائجا وتأثيرات أكبر بكثير من حرب تل ابيت و طهران ، ومنها على سبيل المثال انهيار نظام الأسد في سوريا ، وكذلك اضمحلال قوة حزب الله إلى تلك الدرجة غير المتوقعة حتى من قبل أكبر المناوئين للحزب بشكل عام نتيجة للضربات الإسرائيلية المتتالية.
على أية حال .. ليس من شأن هذا المقال تحليل حسابات الربح والخسارة لطرفي الحرب , فقد قيل فيهما الكثير .. لكن ما يهمني هو ماذا انتجت هذه الحرب من نتائج مؤثرة على مسار الملف اليمني وبالتالي على مستقبل قضية الجنوب ؟!
في هذا السياق يمكن القول ان المحصلة النهائية للحرب الاسرائيلية – الايرانية على الملف اليمني لم يكن لها أي تأثير أو أهمية تذكر , فهي محصلة تقترب الى حد كبير من الصفر مع الأسف الشديد , وكأن الحرب لم تكن ..! ومن أجل ايضاح وجهة نظري هذه , دعونا نعود الى تلك الأيام في الحرب التي كانت فيها التحليلات تشير الى أن نظام طهران كان على وشك الانهيار أو في أحسن الأحوال كان قريبا من القبول بتوقيع اتفاقية مذلة تتعلق بثلاثة ملفات هامة وهي الملف النووي , بما في ذلك الموافقة على درجة صفر تخصيب لليورانيوم او القبول بنسبة نخصيب تتراوح مابين 5 % الى 3.76 % كما نص عليه الاتفاق مع ادارة اوباما 2015 , شريطة أن يتم ذلك خارج البلاد بتوافق دولي - اقليمي على منطقة محددة لذلك, والملف الثاني يتعلق بالصواريخ الباليستية والمسيرات من حيث تحديد مداها وقدراتها التدميرية ! واما الملف الثالث فهوان تمتنع ايران نهائيا عن تمويل ايا من " أذرعها في المنطقة " وعلى رأسها بطبيعة الحال الحوثيين الى جانب الحشد الشعبي في العراق وحزب الله في لبنان .
لو حدث شيئا مماذكر اعلاه , وأدى الى اجبار ايران الى توقيع اتفاقية تتضمن التخلي التام عن أذرعها في المنطقة والامتناع الكلي عن التدخل في شئون بعض الدول العربية لقلنا أن نتيجة الحرب كانت ذات بعدا استراتيجيا كبيرا يمكن البناء عليه لخدمة استقرار المنطقة بشكل عام والانتقال الى مرحلة من التوافق والسلام بما في ذلك الملف اليمني وقضية الجنوب بطبيعة الحال.. لكن شيئا من هذا لم يحدث ! وانتهت الحرب دون التوصل حتى الى اتفاق يتعلق بموعد محدد لمفاوضات أخرى ذات أجندة جديدة , مايعني أن عناصر المعادلة السياسية اليمنية لم يتغير فيه شيء على الاطلاق ! ويعني ايضا أن ايران سوف تستمر في توطيد علاقاتها التخادمية مع " أذرعها " في العراق واليمن ولبنان , ويعني أن هذه الأذرع يمكنها ان تتعافى مع الوقت بنفس الدرجة التي سوف يتعافى فيها النظام في طهران , الذي سيقوم بترميم ما تهدم في بنيته جراء الحرب , والعودة الى بناء قدراته النووية وصواريخه البالستيه والعمل على تطويرها , مستفيدا من جملة الأخطاء التي ارتكبها النظام نفسه او تلك التي ارتكبت من قبل حلفائها او أذرعه في المنطقة.
وزاء ذلك , فان وضع الملف اليمني سيبقى كما هو , فلا هو الذي يملك مقومات وعناصر الحل السلمي الذي يمكن ان ترضي مختلف اطراف الصراع , ولا هو الذي طرأ عليه تغيرا جوهريا جراء الحرب , واذا أخذنا بعين الاعتبار ان أطراف الصراع في اليمن تملك تقريبا قدرات عسكرية متعادلة الى حد ما , وان اختلفت من حيث نوعيتها, فان كل ذلك ينبئ ان الحالة البائسة غير المسبوقة التي يعيشها المواطن في الجنوب والشمال على حد سواء مرشحة لأن تبقى على حالها فترة طويلة أخرى ! ما يعرض البلاد الى التشظي والانقسامات والكوارث الانسانية.
رغم كل هذا السؤ الذي من المرجح ان تفرضه حسابات الأمر الواقع الجديدة على المشهد في اليمن والجنوب بشكل خاص , الا ان هناك " نوافذ أمل " قد تفتح فتحدث تغيرات كبيرة مؤثرة , ومن ذلك على سبيل المثال أن يقوم النظام في طهران بعملية " مراجعة شاملة " لجميع حساباته السياسية في المنطقة وخاصة تدخلاته في شئون جيرانه العرب وما انتجته من دمار وخاسائر فادحة للنظام بدرجة رئيسية , وما ترتبت عليها من تدهور في العلاقات العربية – الايرانية بشكل عام ومع دول الخليج العربي بشكل خاص .
قد تحدث عملية التقييم والمراجعة, اذا تعامل النظام في طهران مع جردة الحسابات الكبيرة الخاسرة التي تكبدها على مختلف الاصعدة بواقعية كبيرة منطلقا من مصلحة الدولة الايرانية وشعبها في المقام الأول , ومواجها السؤال الكبير الذي يمكن ان يطرحه أي ايراني على نفسه والذي يقول : ماذا استفادت ايران من كل تدخلاتها في اليمن والعراق ولبنان وسوريا وغيرها من الدول العربية ؟ وماهي المكاسب التي جنتها جراء ذلك , وماهو حجم الخسائر الهائلة التي تكبدتها نتيجة لعلاقاتها المتأزمة مع دول الخليج العربي ؟ ان فعلت ايران ذلك, ورفعت يدها عن أذرعها في المنطقة مدركة أن ذلك شأنا عربيا خالصا لا يجوز لها ان تتدخل فيه, حينها يمكن ان نشهد انفراجه كبيرة في مختلف الملفات العالقة.
اما اذا كابرت ايران – وهو السيناريو الأرجح – فلا يمكن للملف اليمني ان يحدث فيه اي تغيير كبير , خاصة اذا ما عاد الغرب الى انتهاج نفس سياساته السابقة في اللعب على تناقضات المنطقة مسخرا اياها لخدمة مصالحه كما يعتقد ويظن , فهنا ستدخل المنطقة برمتها فصلا جديدا لمشاهد مكررة ترتخي فيها العلاقات مع طهران حينا وتتوتر حينا آخر.. وكأنك يابو زيد ما غزيت !!
يبدو لي من كل ما سبق , أن الجنوب وقضيته وشعبه الذي ظل لأكثر من عقد من الزمان حبيس حسابات سياسية اقليمية – دولية فشلت مع نهاية الحرب الايرانية – الاسرائيلية , انه اذا لم يتحول الى " فاعل سياسي " مؤثر , فانه سيبقى حبيس أو رهن حسابات سياسية أخرى من الممكن جدا ان يكون هو ضحيتها الاولى , و أرى شخصيا ان الجنوب يملك الكثير من نقاط القوة التي يمكنه أن يستخدمها لرفض سياسة الأمر الواقع التي تفرض عليه والتي تهلك شعبه , وتنستنزف قضيته وتبهتها , الى حد أنه قد يأتي عليها زمن لا يستطيع حتى ابناؤها أن يتعرفوا عليها كقضية وطنية !