حنين فضل تكتب لـ(اليوم الثامن):

من همدان إلى خاش.. نساء البلوش وشباب الأطراف في مواجهة قمع الدولة

في مشهد متكرر يعكس توتر العلاقة بين السلطة الإيرانية والمجتمعات الطرفية، شهدت مدينة همدان في شمال غرب إيران، وبلدة كونيتش بمحافظة بلوشستان جنوب شرق البلاد، احتجاجات غاضبة خلال الأسبوع الأول من يوليو الجاري، انتهت بسقوط قتلى وجرحى واعتقالات، وطرحت من جديد أسئلة جوهرية حول طبيعة السلطة، وهوية الضحية، ومآلات السخط الشعبي في إيران ما بعد انتفاضة 2022.

ففي يوم الخميس 3 يوليو، خرج مئات من أهالي همدان في مراسم تشييع شابين قُتلا برصاص قوات "الباسيج" التابعة للحرس الثوري، أثناء احتجاجات وقعت قبل يومين في منطقة "تاريك دره". الهتافات التي أطلقها المشيعون كانت واضحة: "الموت للظالم"، و"عدونا هنا، لا تقولوا أمريكا". هذه الشعارات تعكس تحوّلاً في وعي الشارع الهامشي الإيراني، حيث لم تعد سرديات "الخطر الخارجي" تقنع جمهورًا يشيّع أبناءه.

في اليوم ذاته، وفي الجهة المقابلة من الخريطة الإيرانية، وتحديدًا في بلدة "كونيتش" الواقعة ضمن مدينة خاش البلوشية، واجهت النساء البلوشيات المحتجات حملة أمنية وصفت بالوحشية. أفادت مصادر محلية أن الهجوم أسفر عن مقتل امرأة على الأقل، وإصابة عشر أخريات، بعضهن في حالة حرجة. الصور المتداولة أظهرت عناصر أمن يطلقون الرصاص الحي على نساء غير مسلحات، بعضهن تصدين للهجوم بالحجارة، في مشهد يعكس الفجوة الأخلاقية والقانونية في تعامل الدولة مع الاحتجاجات.

ما جرى في خاش وهمدان ليس استثناءً، بل ينتمي إلى سلسلة طويلة من حالات القمع الممنهج ضد احتجاجات تنطلق من الهامش الجغرافي والإثني لإيران، وهي احتجاجات غالبًا ما تكون ثمنها دماء المدنيين، وتُقابل بصمت رسمي أو بتبريرات أمنية جاهزة، تخلط بين "حفظ النظام" و"قمع المواطنين".

اللافت في هذه الجولة من القمع هو الحضور البارز للنساء، خاصة في محافظة سيستان وبلوشستان، التي تُعد من أكثر المناطق تهميشًا وفقًا لتقارير الأمم المتحدة. خرجت النساء إلى الشوارع، قطعن الطرق، وأشعلن الإطارات لمنع دخول القوات مجددًا. لم تكن هذه المرة الأولى، ففي احتجاجات سابقة عامي 2019 و2022، قادت نساء بلوشيات مظاهرات طالبت برفع التمييز العرقي والمناطقي، وتحسين الأوضاع المعيشية، ووقف الإعدامات الجماعية.

تعامل السلطات مع هذه الاحتجاجات كشف عن نهج لا يميّز بين رجل وامرأة، شاب أو مسن، مدني أو مسلح. الرصاص هو اللغة الوحيدة التي يُجيدها النظام حين يتعلق الأمر بأي صوت معارض، خاصة إذا صدر من أطراف البلاد التي ينظر إليها المركز بعين الشك والعداء.

إلى جانب الميدان، جاءت التصريحات السياسية؛ فقد علقت مريم رجوي، الرئيسة المنتخبة للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، على الحدث قائلة إن "قتل الشباب في همدان، والهجوم على النساء في خاش، لن يؤديا إلا إلى تعميق كراهية الشعب للنظام، وزيادة عزيمته على تغييره". قد تكون هذه التصريحات متوقعة ضمن سياق المعارضة، لكنها تسلط الضوء على مدى التصعيد بين النظام والشارع، وعلى حجم الغضب المتراكم.

منذ احتجاجات "مهسا أميني" في 2022، تعيش إيران على وقع توتر داخلي متصاعد، لا تهدأ جذوته إلا لتشتعل مجددًا. وبرغم القمع، يبدو أن نمط الاحتجاج تغيّر؛ لم يعد حكرًا على المدن الكبرى ولا محصورًا في الطبقات الوسطى. بل باتت الأطراف ـ من الكرد إلى البلوش، ومن همدان إلى الأهواز ـ مركز الفعل الجديد، حاملة خطابًا مركبًا يجمع بين الحقوق الاجتماعية والمطالب السياسية، ويعبر عن شعور عام بالإقصاء والاحتقار من قبل النظام.

في المحصلة، ما حدث في همدان وخاش خلال أيام قليلة، لا يمكن فصله عن السياق الأوسع لحالة الغليان السياسي والاجتماعي التي تعيشها إيران. صارت الاحتجاجات أكثر جرأة، وأكثر وضوحًا في عناوينها. لم تعد شعارات مثل "الإصلاح" أو "العدالة" كافية، بل بات الخطاب يلامس جوهر السلطة ومشروعيتها. وبينما تتسع رقعة السخط، لا يبدو أن النظام الإيراني يمتلك من أدوات الرد سوى الرصاص.

وربما هذا ما يجعل من كل جنازة، شرارة جديدة.