إعادة تصدير النفط والاتفاق الإيراني السعودي..

جنوب اليمن في ظل المصالحة السعودية - الإيرانية.. موانئ النفط والأزمات المعيشية كأدوات للتوازن السياسي

تعطيل الموانئ النفطية لم يعد مجرد نتيجة للهجمات الحوثية، بل أصبح أداة ضغط إقليمي في ظل تفاهمات غير معلنة، خصوصًا بعد تقارب الرياض وطهران، والسعودية تستخدم ملف الدعم الاقتصادي كورقة نفوذ، بينما تسعى إيران عبر الحوثيين إلى فرض واقع سياسي جديد

جنوب اليمن بعد اتفاق بكين - أرشيف

د. سميح الأهدل
أكاديمي في كلية التربية طور الباحة بجامعة لحج، باحث غير مقيم في مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات

 
الملخص 

تناقش هذه الورقة تداخل المصالح السعودية والحوثية في جنوب اليمن، وتأثيره على تصدير النفط وتدهور الأوضاع المعيشية. توضح أن تعطيل الموانئ النفطية لم يعد مجرد نتيجة للهجمات الحوثية، بل أصبح أداة ضغط إقليمي في ظل تفاهمات غير معلنة، خصوصًا بعد تقارب الرياض وطهران.

 يشير التحليل إلى أن السعودية تستخدم ملف الدعم الاقتصادي كورقة نفوذ، بينما تسعى إيران عبر الحوثيين إلى فرض واقع سياسي جديد. تعاني المناطق الجنوبية من أزمات متفاقمة في الخدمات والعملة والرواتب، بفعل هذا التداخل المعقد، ما يحوّل موارد الدولة إلى أدوات تفاوض لا تخدم المواطن. توصي الورقة بتوحيد الجبهة الجنوبية، تأمين المنشآت النفطية، والتفاوض على شراكة عادلة لضمان الاستقرار الاقتصادي والسياسي.

المقدمة 
يمر جنوب اليمن -الذي يطالب منذ ثلاثة عقود باستعادة الدولة السابقة- بأزمات متصاعدة تشمل الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وسط ديناميكيات إقليمية معقدة وتداخل مصالح قوى فاعلة، أبرزها المملكة العربية السعودية وجماعة الحوثيين. يُعد الجنوب، بثرواته النفطية وموقعه الاستراتيجي، ساحة لصراعات غير مباشرة تهدف إلى تعزيز النفوذ الإقليمي، مما يفاقم حالة عدم الاستقرار. هذه الصراعات تحولت الموارد السيادية، خاصة النفط والغاز، إلى أدوات ضغط سياسي بدلاً من رافعة لتحسين الأوضاع المعيشية، حيث تتكرر عمليات تعطيل تصدير النفط عبر هجمات بالطائرات المسيرة والصواريخ، مصحوبة باتهامات متبادلة بصناعة أزمات مفتعلة، تؤدي إلى تدهور الخدمات الأساسية، انهيار العملة، وتفاقم معاناة السكان.  
تسعى هذه الورقة إلى تحليل العلاقة بين تداخل المصالح السعودية-الحوثية وصناعة الأزمات في الجنوب، مع التركيز على تأثير ذلك على تصدير النفط والأوضاع المعيشية، واستشراف التداعيات المستقبلية في حال استمرار هذا النهج دون تدخلات فعالة.



أولاً: الأوضاع في جنوب اليمن

 

يعيش جنوب اليمن مرحلة حرجة تتسم بتداخل الصراعات السياسية، الاقتصادية، والاجتماعية، في ظل تنافس إقليمي معقد وتدهور غير مسبوق في الأوضاع المعيشية. رغم تحرير الجنوب من سيطرة الحوثيين، فإنه يواجه تحديات عميقة تشمل انهيار الخدمات الأساسية، تأخر الرواتب، تدهور العملة، وتوقف شبه كامل لتصدير النفط، الذي يُعد العمود الفقري للاقتصاد الوطني.  
تبرز في هذا السياق ظاهرة "صناعة الأزمات" كاستراتيجية متعمدة تتبناها أطراف إقليمية ومحلية لتحقيق أهداف سياسية وتفاوضية. تتجلى هذه الاستراتيجية في تعطيل موانئ تصدير النفط (مثل الضبة، النشيمة، ورضوم)، إثارة النزاعات المحلية، التلاعب بسوق العملة، وإضعاف مؤسسات الدولة، مما يؤدي إلى استنزاف مستمر للجنوب وإفقار سكانه.  
في قلب هذه الأزمات، يبرز النفط كعامل مركزي. فتعطيل تصديره ليس نتيجة عشوائية، بل جزء من استراتيجية ضغط معقدة تتقاطع فيها مصالح السعودية والحوثيين، إلى جانب أدوار أخرى لدول مثل الإمارات وإيران.  
من جهة، تستخدم جماعة الحوثيين هجمات الطائرات المسيرة والصواريخ لتعطيل موانئ التصدير منذ أواخر 2022، معلنة أنها تمنع "نهب ثروات الشعب"، لكنها في الواقع تسعى لإضعاف الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا وتعزيز موقفها التفاوضي مع السعودية، مما يكشف عن تقاطع ضمني مع مصالح إقليمية أخرى تهدف إلى إبقاء الجنوب تحت السيطرة.  
من جهة أخرى، تتبنى السعودية نهجًا مزدوجًا: تقدم دعمًا اقتصاديًا محدودًا للحكومة اليمنية، بينما تساهم في تقييد حركتها عبر السيطرة على المنافذ والموارد. هذا النهج يعكس رغبة السعودية في منع ظهور كيان جنوبي مستقل اقتصاديًا، مما يحافظ على نفوذها عبر ربط الدعم المالي بالولاء السياسي.  
وفي الخلفية، تدير إيران الحوثيين كأداة استراتيجية للحفاظ على سلطة الحوثيين والحصول على نصيبهم من موارد النفط بما يزيد عن 80 % من موارد حضرموت وحدها، مما يجعل الجنوب مسرحًا لتضارب المصالح الإقليمية، يتحمل المواطن العادي تكلفتها.  
يظل الجنوب، بثرواته النفطية وموقعه الاستراتيجي، رهينة هذه الصراعات، حيث تتحول الأزمات إلى أداة لإعادة تشكيل موازين القوى الإقليمية، بعيدًا عن مصلحة السكان.


ثانياً: النفط كركيزة اقتصادية في جنوب اليمن

 
يُشكل النفط الركيزة الأساسية للاقتصاد اليمني، حيث يمثل المصدر الرئيسي للدخل القومي والعملة الصعبة منذ اكتشافه في الثمانينيات. مع استمرار الصراع منذ عام 2015، أصبح إنتاج وتصدير النفط محصورًا في المناطق المحررة من سيطرة الحوثيين، مما جعل هذه المناطق تعتمد بشكل كبير على عائداته لتغطية النفقات الإدارية والاقتصادية.

لمحة عن قطاع النفط في اليمن
يمتلك اليمن احتياطيات نفطية تقدر بحوالي ثلاثة مليارات برميل، تتركز في محافظات حضرموت، وخاصة حقل المسيلة الأكثر إنتاجية، وشبوة بحقول العقلة وعياذ، ومأرب بحقل صافر. لكن الإنتاج تراجع بشكل حاد بعد الحرب، من 400 ألف برميل يوميًا في 2010 إلى أقل من 50 ألف برميل في بعض السنوات، نتيجة توقف التصدير، تدهور البنية التحتية، وتردي الأوضاع الأمنية.

أهمية النفط للاقتصاد اليمني 
يعتمد الاقتصاد في المناطق المحررة على تصدير النفط لتوفير العملة الصعبة اللازمة لاستيراد السلع الأساسية مثل الغذاء والدواء والوقود. كما تشكل عائدات النفط أكثر من 70% من موازنة هذه المناطق، حيث تُستخدم لدفع الرواتب وتغطية النفقات التشغيلية والخدمية. بالإضافة إلى ذلك، يحفز القطاع النفطي قطاعات النقل والصيانة والخدمات، ويوفر فرص عمل مباشرة وغير مباشرة، خاصة في شبوة وحضرموت. ورغم التحديات، ساهمت هذه العائدات في تحقيق استقرار اقتصادي نسبي في المناطق المحررة مقارنة بالمناطق الخاضعة للحوثيين، مع دعم محدود للخدمات العامة.

التحديات التي تواجه قطاع النفط 
يواجه القطاع النفطي تحديات كبيرة، أبرزها الهجمات الحوثية بالطائرات المسيرة والصواريخ على موانئ التصدير، مثل ميناء الضبة في حضرموت، مما يعطل عمليات التصدير. كما يعاني القطاع من الفساد وسوء الإدارة، حيث يحد غياب الشفافية من استفادة السكان من العائدات. وتتفاقم التحديات بسبب التنافس بين السلطة المركزية والمجالس المحلية والمجلس الانتقالي الجنوبي حول توزيع العائدات، إلى جانب تدهور البنية التحتية وتوقف بعض الحقول والمصافي عن العمل.

آفاق تطوير القطاع النفطي
يتطلب تطوير القطاع النفطي تعزيز الأمن في المنشآت والموانئ لضمان استمرارية التصدير، إلى جانب إصلاح البنية التحتية وتحديث المصافي لزيادة الكفاءة. كما يجب إدارة العائدات بشفافية لتوجيهها نحو التنمية المحلية، مع تشجيع الاستثمارات الأجنبية في الحقول المتوقفة أو غير المستغلة لتعزيز الإنتاج.

ثالثاً: تحول الدور السعودي وتداعياته على الجنوب


شكل التدخل العسكري السعودي في اليمن عام 2015 نقطة تحول في الصراع، حيث قادت المملكة التحالف العربي لدعم الحكومة الشرعية ضد الحوثيين المدعومين من إيران. لكن الحرب، التي طال أمدها دون حسم، تسببت في كارثة إنسانية وتكاليف اقتصادية وسياسية باهظة. منذ عام 2022، بدأت السعودية التحول من قائد عسكري إلى وسيط سياسي، من خلال تفاهمات إقليمية، أبرزها الاتفاق مع إيران برعاية الصين في مارس 2023، والمفاوضات المباشرة مع الحوثيين بوساطة عمانية.

دوافع التحول في الدور السعودي

أدت الكلفة الباهظة للحرب، التي استنزفت مليارات الدولارات من الموازنة السعودية، إلى جانب التهديدات الأمنية المستمرة على حدودها الجنوبية بالطائرات المسيرة والصواريخ الحوثية، إلى إعادة تقييم الاستراتيجية السعودية. كما ساهمت الانتقادات الغربية بشأن الانتهاكات الإنسانية وتراجع الدعم الأمريكي مع تغير الإدارات في واشنطن في دفع المملكة نحو التهدئة. وفي سياق توجه رؤية 2030 نحو بيئة إقليمية مستقرة لجذب الاستثمارات، اعتمدت السعودية سياسة "صفر أعداء" لتحسين العلاقات مع الجيران. أخيرًا، أظهر فشل الحسم العسكري، مع استمرار نفوذ الحوثيين في الشمال وتصدعات داخل التحالف مع الإمارات، ضرورة تغيير النهج.

التفاهمات الإقليمية
أعادت السعودية العلاقات الدبلوماسية مع إيران في 2023 بعد قطيعة منذ 2016، مما فتح قنواتًا لتفاهمات أمنية غير مباشرة حول اليمن. كما شهدت الفترة حوارًا مباشرًا مع الحوثيين، تضمن تبادل زيارات بين مسؤولين وتقديم حوافز اقتصادية لضمان تهدئة حدودية ووقف الهجمات. وساهمت الوساطة العمانية في تسهيل الحوار بين الرياض وصنعاء، وتشجيع الحوثيين على الانخراط في العملية السياسية.

التداعيات السياسية  
أدى التحول السعودي إلى تعزيز شرعية الحوثيين، حيث أصبحوا يُعاملون كطرف تفاوضي بدلاً من ميليشيا انقلابية، محققين مكاسب سياسية دون تنازلات في ملف السلاح أو إعادة بناء الدولة. في المقابل، عانت الحكومة الشرعية من التهميش بعد تراجع الدعم العسكري، مما أدى إلى شلل مؤسساتها في المناطق المحررة. كما تصاعدت الانقسامات بين المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة الشرعية، مع تنافس على تمثيل الجنوب في المفاوضات المستقبلية.

التداعيات الاقتصادية والإنسانية 
تسبب استمرار تعطيل تصدير النفط في شلل مالي في المناطق المحررة، مما أدى إلى تأخر الرواتب وتفاقم الأزمة المعيشية. كما تراجعت الودائع المالية السعودية، مما زاد من عجز تمويل الخدمات الأساسية. ويعاني الجنوب من تهميش سياسي واقتصادي، حيث يغيب تمثيله الحقيقي في المفاوضات، وتستمر حالة التجميد المؤسسي في عدن والمكلا.

 

رابعا: الأهمية الاستراتيجية لموانئ حضرموت وشبوة ودور النفط في الاقتصاد اليمني


تمتلك موانئ حضرموت وشبوة، المطلة على بحر العرب، أهمية استراتيجية كبرى في السياق اليمني والإقليمي، نظرًا لموقعها الجغرافي القريب من خطوط الملاحة الدولية، وقدرتها على ربط اليمن بالأسواق العالمية. تُعد هذه الموانئ، خاصة ميناء الضبة في حضرموت وميناء قنا في شبوة، شرايين اقتصادية حيوية لتصدير النفط الخام، الذي يشكل العمود الفقري للاقتصاد اليمني منذ الثمانينيات. يتركز إنتاج النفط في حقول المسيلة بحضرموت، والعقلة وجنة هنت بشبوة، وصافر بمأرب، باحتياطيات تقدر بحوالي ثلاثة مليارات برميل. لكن الصراع المستمر منذ 2015 أدى إلى تراجع الإنتاج من 400 ألف برميل يوميًا في 2010 إلى أقل من 50 ألف برميل في بعض السنوات، نتيجة الهجمات الحوثية على موانئ التصدير، تدهور البنية التحتية، وسوء الإدارة.

تساهم هذه الموانئ في توفير العملة الصعبة اللازمة لاستيراد السلع الأساسية، وتمثل عائدات النفط حوالي 70% من موازنة المناطق المحررة، حيث تُستخدم لتمويل الرواتب والخدمات العامة، وتحفيز قطاعات النقل والصيانة، خاصة في حضرموت وشبوة. ورغم استقرارها النسبي مقارنة بموانئ البحر الأحمر مثل الحديدة، تواجه هذه الموانئ تحديات كبيرة، أبرزها استهداف الحوثيين لها بالطائرات المسيرة والصواريخ خلال 2022-2023 لتعطيل التصدير وإضعاف الحكومة الشرعية. كما يعيق الفساد وغياب الشفافية استفادة السكان من العائدات، إلى جانب التنافس بين السلطة المركزية والمجلس الانتقالي الجنوبي على السيطرة.

من الناحية الجيوسياسية، تُعد هذه الموانئ ساحة لصراع النفوذ بين الحكومة الشرعية، القوى المحلية، والأطراف الإقليمية مثل السعودية والإمارات، التي تدعم قوات محلية مثل النخبة الحضرمية وقوات العمالقة لحمايتها. تراقب دول إقليمية ودولية، مثل مصر والولايات المتحدة، هذه الموانئ لارتباطها بأمن الملاحة في البحر العربي وإمدادات الطاقة العالمية. وقد أدى نقل الب officersنك المركزي إلى عدن إلى زيادة الاعتماد على النفط لتمويل المؤسسات، لكن تراجع الإنتاج والتصدير بسبب الضغوط الأمنية والسياسية تسبب في عجز مالي، انهيار الريال اليمني، وتوقف الرواتب في قطاعات عديدة.
يظل استئناف تصدير النفط الآمن عبر هذه الموانئ مفتاحًا للاستقرار الاقتصادي، لكن ذلك يتطلب تأمين المنشآت، إصلاح البنية التحتية، وتعزيز الشفافية في إدارة العائدات. تبقى موانئ حضرموت وشبوة، وعلى رأسها ميناء الضبة، ليست مجرد منافذ اقتصادية، بل مواقع جيوسياسية حاسمة في الصراع اليمني، يرتبط مستقبلها بتوازن القوى المحلية والإقليمية وتطورات الحرب والسلام.

خامسا: الأهمية الاستراتيجية لموانئ حضرموت وشبوة وتداعيات التحولات الإقليمية على اليمن

تمتلك موانئ حضرموت وشبوة، المطلة على بحر العرب، أهمية استراتيجية كبرى بفضل موقعها الجغرافي القريب من خطوط الملاحة الدولية، مما يجعلها بوابة حيوية لربط اليمن بالأسواق العالمية. ميناء الضبة في حضرموت وميناء قنا في شبوة يعدان شريانين اقتصاديين رئيسيين لتصدير النفط الخام من حقول المسيلة والعقلة وجنة هنت، حيث كانت عائدات النفط تشكل قبل الحرب حوالي 70% من الموازنة العامة و90% من الصادرات. لكن الحرب المستمرة منذ 2015، والهجمات الحوثية على هذه الموانئ، خاصة قصف ميناء الضبة في أكتوبر 2022، أدت إلى تراجع الإنتاج من 400 ألف برميل يوميًا إلى أقل من 50 ألف برميل في بعض الفترات، مما تسبب في انهيار الريال اليمني، توقف الرواتب، وتفاقم الأزمات المعيشية في الجنوب.

اقتصاديًا، تمثل هذه الموانئ مصدرًا أساسيًا للعملة الصعبة، وتخفف الضغط على ميناء عدن، بينما تعزز الاستقرار في مناطق الحكومة الشرعية. جيوسياسيًا وعسكريًا، أصبحت ساحة لصراع النفوذ بين الحكومة، المجلس الانتقالي الجنوبي، والحوثيين، مع حماية قوات محلية مثل النخبة الحضرمية وقوات العمالقة بدعم سعودي وإماراتي. إقليميًا، تراقب دول مثل السعودية، الإمارات، ومصر هذه الموانئ لارتباطها بأمن الملاحة في البحر العربي وإمدادات الطاقة العالمية، بينما تسعى الولايات المتحدة لضمان استقرار هذه الخطوط. لكن استهداف الحوثيين للموانئ بالطائرات المسيرة والصواريخ يعكس محاولاتهم لشل الاقتصاد وفرض شروط سياسية، مثل دفع رواتب موظفيهم وفتح ميناء الحديدة ومطار صنعاء.

في ظل هذه التحديات، شهد المشهد اليمني تحولات إقليمية عميقة، أبرزها التقارب السعودي-الإيراني عبر اتفاق بكين في مارس 2023، الذي أدى إلى تهدئة مؤقتة وتجميد الجبهات، لكنه لم يتضمن بنودًا واضحة بشأن الملف النفطي اليمني، مما يعكس غموضًا متعمدًا لتجنب تعقيد المفاوضات. الوساطة العمانية لعبت دورًا محوريًا في تسهيل حوار غير معلن بين السعودية والحوثيين، مما خفف التصعيد العسكري، لكن الصمت السعودي إزاء هجمات الحوثيين على موانئ النفط أثار تساؤلات حول نواياها، حيث يُنظر إليه كجزء من استراتيجية التهدئة أو كورقة ضغط على الحكومة الشرعية لقبول تسوية تشمل الحوثيين. هذا الصمت، إلى جانب غياب الدعم المالي الكافي، عزز من هشاشة المجلس الرئاسي، الذي يعاني من انقسامات داخلية وصراعات نفوذ مع المجلس الانتقالي وقوى محلية أخرى.

في الجنوب، تفاقمت الأزمات المعيشية، مع انهيار الريال، انقطاع الرواتب، أزمات الوقود، وتدهور الكهرباء، التي تُستخدم كأدوات ابتزاز سياسي من قبل أطراف محلية وإقليمية لإضعاف المجلس الرئاسي. هذه الأزمات غذت السخط الشعبي، خاصة في عدن وحضرموت، وهددت بفراغ سياسي يستغله أطراف خارجية. في حضرموت، برزت كيانات جهوية مثل النخبة الحضرمية ورابطة أبناء حضرموت، بدعم إماراتي وسعودي، مما يعكس محاولات لإعادة تشكيل النفوذ أو تفكيك الدولة المركزية، ما يهدد بتقسيم اليمن إلى كانتونات.

التصعيد الإيراني-الإسرائيلي أضاف تعقيدًا جديدًا، حيث يُستخدم الحوثيون كورقة إيرانية لتهديد الملاحة في البحر الأحمر، مما يعزز أهمية السواحل الجنوبية كخط دفاع أول. هذا يفتح فرصة لتقارب سعودي-جنوبي يقوم على تأمين الموانئ والموارد مقابل دعم اقتصادي، لكن التحديات تتمثل في انقسام القوى الجنوبية، التنافس السعودي-الإماراتي، وشكوك الحكومة الشرعية. السعودية، بعد سنوات من الاستنزاف، تحولت من الحسم العسكري إلى إدارة التوازنات، مدفوعة برؤية 2030 والحاجة إلى استقرار حدودها الجنوبية. لكن استمرار التهديد الحوثي والنفوذ الإيراني قد يدفعها نحو حسم محدود، اقتصادي وسياسي، يعتمد على دعم قوى جنوبية موحدة وتفعيل الوساطة الأممية.

خلاصة وتوصيات 
تبقى موانئ حضرموت وشبوة محورًا لصراع النفوذ والاقتصاد الوطني، لكنها تعاني من تهديدات الحوثيين وغياب الدعم الكافي. التحولات الإقليمية، خاصة اتفاق بكين والوساطة العمانية، أدت إلى تهدئة مؤقتة، لكن غياب تسوية شاملة يبقي اليمن رهينة الأجندات الخارجية. الأزمات المعيشية في الجنوب، من انهيار العملة إلى توقف الرواتب، تُستخدم كأدوات ضغط سياسي، مما يهدد استقرار المجلس الرئاسي. لاستعادة القرار الاقتصادي، يجب على الجنوب توحيد صوته، تشكيل هيئة اقتصادية مستقلة، تفعيل تصدير النفط بحماية محلية، والتفاوض مع السعودية على شراكة عادلة تركز على التنمية وأمن الملاحة. كما ينبغي مواجهة التدخلات الإقليمية عبر حوار وطني يضمن توزيع الثروة والسلطة، لتجنب تفكيك اليمن وتعزيز استقراره كدولة موحدة أو فدرالية.