د. علي محمد جارالله يكتب لـ(اليوم الثامن):

الإنتقالي و وثيقة رسول الله في يثرب

أبوظبي

انني كعادتي اوجه النصيحة بإحترام شديد للإنتقالي، و بإمكانهم الأخذ بها، او إهمالها، فأنني أعاملهم دائماً بمبدأ :
"صديقك من صَدَقَك، و ليس من صَدّقك".

انتم ككيان سياسي، يوجد لدولتكم قضية و انتم تمثلون شعبكم الجنوبي، كذلك يجب ان تدركوا ان لكم ايضاً أعداء يكيدون لكم، و يستغلون ثغراتكم لينفذوا من خلالها لإضعافكم.

سعدنا كثيراً بإنتهاء العمل باللقاء التشاوري الجنوبي الذي عقدتموه في عدن في مايو 2023م، رغم انني كنت أطالب الجنوبيين منذ 2016م بتشكيل جبهة جنوبية موحدة تجمع الجميع و يشكل لها مجلس رئاسي من جميع المحافظات، و بعد تشكيل المجلس الإنتقالي وجهت نفس النصيحة لهم إلا ان رأيي هذا لم يرق لهم.

- قال لي أحدهم هل من المعقول بعد أن انشأنا هذا الكيان "الإنتقالي" القوي و المنظم و ذراعه العسكري الذي يرهب الأعداء ان نسلّمه هكذا ببرود لمن لم يشارك في بنائه؟

- و قال آخر ان اللقاء التشاوري الجنوبي كان تتويجاً للقاءات عديدة اجراها فريق الحوار على مدى عامين.

- و قال آخر، من أهم مخرجات اللقاء التشاوري وثيقة الميثاق الوطني الجنوبي الذي نعتبرها بمثابة عهد وطني بين الجنوبيين.

أعود و أقول لكم ان لكم أعداء يعرفون اين نقاط ضعفكم و يستطيعون اضعافكم من خلالها.

تعليقاً على ما قاله صديقي في الإنتقالي بأنهم أنشأوا كيانا قويا، و لا يمكن تسليم قيادته لمن لم يشارك في تأسيسه، كلنا يعرف كيف تكوّن المجلس الإنتقالي، و كان اساس تكوينه هو الحراك الجنوبي السلمي، و لكننا نرصد كيف سارت الأمور بعد اللقاء التشاوري، و نراقب الأفكار الشيطانية التي تدعوا لإنشاء مكونات متعددة في المحافظات المحررة، و نعرف ان هدف ذلك هو إضعاف المجلس الإنتقالي، بل و تجريده من صلاحياته و هيبته في المحافظات المحررة.

اوجه رسالتي لأصدقائي في قيادة المجلس الإنتقالي، عليكم قبل كل شيئ الإعتراف ان لكم بعض الممارسات الخاطئة، و كذلك تكوّن لديكم بعض اللوبيات الفاسدة، و كذلك ضعف عناصر الإنتقالي في حكومة معين عبدالملك، هذه بعض أخطائكم التي قد ينفذ من خلالها اعدائكم و يزعجكم كثيراً. 
صدقوني ان الإعتذار عن الخطأ ليس إظهاراً لنقطة ضعفكم، او فضح لعوراتكم امام الآخرين، بل الإعتذار عن الخطأ لا يعمله الا الشجاع الواثق من نفسه، و يعرف أخطائه بل و يعرف كيف يصححها.

دعوني أحكي لكم حكمة رسول الله في توحيد الجميع:
عندما هاجر النبي (صلّ الله عليه و سلّم) إلى "يثرب" المدينة المنورة، أقام قواعد المجتمع الإسلامي الجديد على قاعدة التعايش السلمي و التسامح و التعاون بين المسلمين و بقية الطوائف الأخرى، فدخل المسلمون في ميثاق مع القبائل العربية و اليهودية المقيمة هناك، فكانت «وثيقة المدينة» هي الدستور الذي ينظم العلاقات بين مكونات المجتمع الجديد و بين من انضوى تحته من الطوائف، و التزموا جميعاً بموجبها مسلمين كانوا أم غير مسلمين بالتعاون فيما بينهم على إقامة العدل، و الحفاظ على الأمن و حماية الدولة الجديدة من أي عدوان خارجي.

هكذا كان سيدنا محمد (صلّ الله عليه و سلم) شجاعاً و واثقاً من عمله في توحيد الجميع في يثرب لم يقل هذا يهودي و هذا كافر، بل جعل للجميع هدفاً واحداً صريحا هو مبدأ المواطنة و احترام الحقوق و الحريات.

و بدأ سيدنا النبي الوثيقة بعبارة «بسم الله الرحمن الرحيم: هَذَا كِتَابٌ مِنْ مُحَمّدٍ النّبِيّ، بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قُرَيْشٍ وَ يَثْرِبَ، وَ مَنْ تَبِعَهُمْ فَلَحِقَ بِهِمْ وَ جَاهَدَ مَعَهُمْ».، 
هي رسالة واضحة لتنظم العلاقات بين المؤمنين و المسلمين من قريش و أهل يثرب، بدولة تجمعهم و من يلحق بهم، جسداً واحداً، و بناء واحداً، أو بتعبير الوثيقة النبوية «أمة واحدة من دون الناس»..

فقد وضع الرسول في وثيقته عدة مبادئ منها مبدأ التكافل الإجتماعي بين المواطنين، فأعتبر المهاجرين كتلة واحدة لقلة عددهم، و قال في هذا الأمر:
«المهاجرون من قريش على ربعتهم يتعاقلون بينهم، و هم يفدون عانيهم بالمعروف والقسط بين المؤمنين»، و كذلك بنو عوف (اليهود)، و مثلهم بنو ساعدة و بنو جشم و بنو النبيت و بنو الأوس كل منهم على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين»، «وَإِنّ الْمُؤْمِنِينَ لَا يَتْرُكُونَ مُفْرَحًا بَيْنَهُمْ أَنْ يُعْطُوهُ بِالْمَعْرُوفِ فِي فِدَاءٍ أَوْ عَقْل» .

لهذا نرى هنا ان الرسول اظهر الجانب الإيجابي للترابط الوطني و القبلي و العشائري، و جعل العقيدة هي الأصل الأول الذي يربط بين اتباعه.

  • و في بند آخر سمح بمبدأ حرية الإعتقاد قال :
    «وَ إِنّ يَهُودَ بَنِي عَوْفٍ أُمّةٌ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ، لِلْيَهُودِ دِينُهُمْ وَ لِلْمُسْلِمَيْنِ دِينُهُمْ مَوَالِيهِمْ وَ أَنْفُسُهُمْ إلّا مَنْ ظَلَمَ وَ أَثِمَ فَإِنّهُ لَا يُوتِغُ (يهلك) إلّا نَفْسَهُ وَ أَهْلَ بَيْتِهِ».
  • و عن مبدأ العدل، و مبدأ إستقلال الذمة المالية فقال:
    «و إن على اليهود نفقتهم، و على المسلمين نفقتهم».
  • و تحدث عن مبدأ الدفاع عن الوطن:
     «و إن بينهم النصر على مَنْ دهم يثرب»، و علّم الجميع معنى الوطنية و أن المسؤولية تقع على كاهل كل مواطن، فعلى الجميع أن يشترك في حماية الوطن و الدفاع عنه، و لا يوجد طرف يتميز عن طرف آخر فكل مكونات المجتمع في واجب الدفاع عن الوطن متحدون.
  • و عن حتمية وجود مرجعية يُرجع اليها في حالة الخلاف او النزاعات فقال:
     «و إنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حَدَثٍ أو اشتجار يُخاف فساده فإن مردَّه إلى الله - عز و جل، و إلى محمد رسول الله -صلّ الله عليه و سلم‏».. 
  • كما حرّم الإقتتال في المدينة في مبدأ "حُرمة جوف المدينة"؛ فقال:
    «يَثْرِبَ حَرَامٌ جَوْفُهَا لِأَهْلِ هَذِهِ الصّحِيفَةِ». فيقصد هنا ان المدينة حرم آمن لكل المواطنين باختلاف أعراقهم و انتماءاتهم الدينية، و هذه الحرمة تتسع لتشمل حرمة النفس و الحرية الدينية و حرمة المال و النسل و العقل و كل المعاني التي تنضوي تحتها و مما لا يتسع المجال لذكره، و لهذا على الإنتقالي ان يحرم حمل السلاح في العاصمة عدن و الإقتتال فيها.

هكذا علمنا رسول الله كيف نتفق و نلتقي و نتكاثف و نحسن لبعضنا و لا نترفع على الآخرين بالتنابز بالألقاب و المناطقية المقيتة، فقد قال تعالى في سورة الحجرات "و لا تنابزوا بالألقاب".

هكذا نرى تعاليم سيدنا رسول الله، فهل تكون هذه التعاليم نبراساً لأصدقائي في الإنتقالي للتعلم منها و دعوة كل الجنوبيين لإشهار جبهة جنوبية موحدة بقيادة واحدة من جميع المحافظات.
هكذا قرار سيجعلكم أقوى، و سيضعف أعدائكم و سيصيب مخططاتهم القذرة بالخسارة.
ربي يوفقكم