د. خالد القاسمي يكتب لـ(اليوم الثامن):

الإنتقالي الجنوبي… رقم صعب في المعادلة اليمنية

حين انطلق الحراك الجنوبي عام 2007 مطالبًا بحقوقه المشروعة، كان واضحًا منذ اللحظة الأولى أن الصوت وحده لا يكفي. حركة شعبية تخرج بصدور عارية، في مواجهة دولة تمتلك آلة عسكرية كاملة، لا يمكن أن تستمر أو تُحدث أثرًا دون غطاء سياسي ينظمها، ويحمي مطالبها، ويحوّل الاحتجاج من فعل غاضب إلى مشروع سياسي قابل للاستمرار.

مع انطلاق عاصفة الحزم عام 2015، بدأت عملية تحرير اليمن من الجنوب، من عدن ومحيطها تحديدًا. تشكلت مقاومة جنوبية ساندت التحالف بفعالية على الأرض، وبعد التحرير برزت الحاجة الواقعية، لا العاطفية، لتنظيم هذه المقاومة ضمن تشكيلات عسكرية وأمنية واضحة. هكذا ظهرت الأحزمة والنخب الأمنية، موزعة على محافظات الجنوب، بموافقة الرئيس عبدربه منصور هادي حينها، وبدعم مباشر من دولة الإمارات التي تولت التدريب والتأهيل.

النتائج لم تكن نظرية. هذه التشكيلات أثبتت فاعليتها في مواجهة تنظيم القاعدة، بدءًا من تحرير المكلا، مرورًا بشبوة، وصولًا إلى أبين ومحيطها. الأمن لم يعد شعارًا، بل ممارسة على الأرض.

في عام 2017، جاء تأسيس المجلس الانتقالي الجنوبي كتطور طبيعي لمسار بدأ منذ 2007. كيان جمع بين جناح عسكري منظم وجناح سياسي يتحدث باسم القضية الجنوبية. وفي 2019، كرس اتفاق الرياض هذا الواقع، عبر الاعتراف بالمجلس الانتقالي شريكًا سياسيًا للتحالف، وشريكًا في إدارة السلطة داخل اليمن.

هذا الاعتراف لم يكن تفصيلًا عابرًا، بل تحوّل إلى مرجعية سياسية ملزمة، تُعامل عمليًا كما تُعامل الاتفاقات الكبرى بين الدول. المجتمع الدولي، ومبعوثو الدول وسفراؤها، باتوا يتعاملون مع المجلس الانتقالي بوصفه الممثل السياسي الأبرز لجنوب اليمن، وأي تسوية سياسية نهائية لا يمكن تجاوز هذا الواقع أو القفز عليه.

الدعم العسكري والمادي المقدم للمجلس الانتقالي ينبع من هذه المعادلة: جنوب اليمن، الذي يشكل أكثر من ثلثي مساحة البلاد، بات يمتلك كيانًا منظمًا على الأرض. وأي عملية عسكرية مستقبلية ضد ميليشيات الحوثي، سواء في الجنوب أو في جبهات الشمال كالساحل الغربي ومأرب، لا يمكن أن تنجح دون هذا المكون وتشكيلاته.

من هنا، فإن الانجرار وراء بيانات عاطفية تدعو إلى قطع التعاون العسكري أو المادي مع المجلس الانتقالي، هو قراءة منفصلة عن الواقع، ومكلفة سياسيًا وأمنيًا. إدارة الصراع لا تُبنى بالشعارات، بل بالحكمة، وبفهم موازين القوى، وبالتعامل العقلاني مع الوقائع القائمة، لا مع ما نتمنى أن يكون.

السياسة، في النهاية، ليست ساحة انفعال… بل فن الممكن.

د. خالد بن محمد بن مبارك القاسمي