د. خالد القاسمي يكتب لـ(اليوم الثامن):

التطورات الأخيرة في جنوب اليمن .. والمشهد القادم (2-2)

قد أكون تأخرت في عرض وجهة نظري حول التطورات الجارية في جنوب اليمن، وكان ذلك مقصودًا، لإتاحة الفرصة لقراءة ردود الفعل الإقليمية والدولية. وخلال هذا الانتظار، لم ألحظ سوى أصواتٍ شاذة عن السياق العام، اعتادت معاداة أي إنجاز يتحقق في اليمن الجنوبي، وهو إنجاز طالما حُرم منه هذا الجزء من البلاد منذ الاستقلال عام 1967 وحتى اليوم.

أما موقفي مما تحقق من تقدم للقوات الجنوبية في وادي حضرموت والمهرة، فأراه خطوة في الاتجاه الصحيح، بل ضرورة أمنية لا تحتمل التأجيل. فقد تحولت المنطقة العسكرية الأولى إلى ما يشبه شريان حياة لجماعة الحوثي، عبر شبكات تهريب السلاح والمخدرات التي تبدأ من المهرة، مرورًا بوادي حضرموت، وتحت حماية مباشرة من تلك القوات، وصولًا إلى مأرب ومنها إلى صنعاء.

يُضاف إلى ذلك وجود ميليشيات مسلحة في وادي حضرموت، مرتبطة بحلف قبائل حضرموت، شكّلت تهديدًا مباشرًا لشركات النفط والغاز، في مقابل ميليشيات ومعسكرات موالية لعلي سالم الحريزي في المهرة. وفي هذا المناخ الهش، عادت تنظيما القاعدة وداعش لرفع منسوب التهديد، متوعدين بإسقاط حضرموت وبقية المحافظات الجنوبية المحررة، وإعادتها مجددًا إلى دائرة الإرهاب.

كان التهديد واضحًا ومباشرًا، لا يستهدف حضرموت والمهرة فحسب، بل العاصمة عدن والمناطق الشرقية عمومًا. فقد بلغ التنسيق بين المنطقة العسكرية الأولى، التي يهيمن عليها حزب الإصلاح، وميليشيات عمرو بن حبريش في وادي حضرموت، وميليشيات علي سالم الحريزي في المهرة، ذروته، بما ينذر بسقوط الجنوب برمّته. في هذا السياق، لم يكن تدخل القوات الجنوبية خيارًا سياسيًا، بل واجبًا أمنيًا لحماية ما تحقق من إنجازات التحرير في الجنوب والمناطق الشرقية.

ما ورد في هذه المقالة ليس كشفًا جديدًا، فمعظم اليمنيين يدركون هذه الوقائع، وقد تابعتها شخصيًا عبر وسائل الإعلام اليمنية والعربية منذ نشوء تلك التشكيلات المسلحة في حضرموت والمهرة، وما رافقها من تهديد لشركات النفط، وقطع للطرق، وصولًا إلى تحدي مجلس القيادة الرئاسي، بل وتهديد رئيسه رشاد العليمي، ورفض الاعتراف بشرعيته وحكومته.

وما كان يثير الاستغراب حقًا هو صمت مجلس القيادة الرئاسي طوال تلك الفترة إزاء هذه التحركات، إلى أن جاءت الخطوة الأخيرة للقوات الجنوبية، والتي أعادت ضبط المشهد وكسرت حالة التراخي.

أما أولئك الذين يلوّحون بشعار “الوحدة اليمنية” في وجه هذه التطورات، فالحقيقة أن تلك الوحدة سقطت مع أول رصاصة أُطلقت في حرب 27 أبريل 1994 ضد الجنوب، ودُفنت نهائيًا بسقوط صنعاء، عاصمة الوحدة، بيد ميليشيات الحوثي المدعومة إيرانيًا في 21 سبتمبر 2014.

والله المستعان على من يربطون الوحدة بخراب الأوطان، ويصرّون على إعادة إنتاج الفشل باسم شعارات لم تعد قائمة إلا في الخطاب.