نورا المطيري تكتب:

من حق تاريخي إلى شريك دولي: كيف يعود الجنوب إلى طاولة الأمم المتحدة؟

في مطلع العام الجديد 2026، تظهر ملامح دولة الجنوب العربي على خارطته السياسية والدبلوماسية والجغرافية، مرتكزة على إرادة شعبية واسعة، وقوة ميدانية حاسمة..

لكننا لن نجامل حين نقول إن هذه الدولة تواجه تحديات ليست سهلة ولا هينة، ولا تشبه التحديات القديمة منذ الوحدة المشؤومة مع الشمال في العام 1990 ولا تحديات العام 1994 والعام 2015، فالواقع تغير وتبدل، فتآلف الجنوبيون حول المجلس الانتقالي ثم توقيع اتفاق الرياض، وبالأمس فقط أعلنت السعودية حق الجنوبيين في تقرير المصير.

السؤال الذي يخطر ببالي، وقد يخطر ببال الكثيرين: ما هي المبادرة أو الخطة السياسية والدبلوماسية التي قد تعيد القضية الجنوبية "فعليا" إلى طاولة المجتمع الدولي؟ نحن نتحدث هنا عن تحولات شهدها ديسمبر 2025 كما شهدتها السنوات الأخيرة بخطى متسارعة، وقد شكلت جميعا نقطة انطلاق نحو مرحلة جديدة، تتبلور فيها ملامح دولة تمتلك المؤسسات، والموارد، والشرعية الثابتة في الأرض والضمير السياسي.

بالطبع، وكما رأينا، فإن بسط السيادة المؤسسية الكاملة للمجلس الانتقالي الجنوبي، على أرض الجنوب التاريخية، جعل الشعب الجنوبي يبارك أي خطوة للمجلس نحو تثبيت السيادة واقعيا وعمليا والتركيز على بناء مؤسسات دولة الجنوب، على أساس الشفافية والكفاءة والشراكة الوطنية بمسؤولية سياسية وقانونية دقيقة.

نحن نعلم أن الجنوب العربي يمكنه حماية مضيق باب المندب وخليج عدن وتأمين الممرات البحرية، فلماذا لا يكون ذلك مقابل الاعتراف التدريجي بالكيان السياسي الجنوبي، حيث تمتلك القوات الجنوبية الجاهزية الكاملة لإدارة هذا الملف، مما يحول الجنوب إلى حليف مباشر للمصالح الدولية في واحد من أكثر ممرات العالم حساسية.

العزف المنفرد لا يعمل، والقفز مغامرة غير محسوبة النتائج، لكني أطرح مبادرة "التمثيل المتوازي"، لتثبيت حضور الجنوب في المحافل الدولية من خلال صفة "مراقب مستقل"، وهذه الصيغة تضمن تمثيلا حقيقيا داخل الأمم المتحدة، وتحافظ على الاستقرار القانوني المرحلي المطلوب في الظرف الإقليمي الراهن، وتمهّد المبادرة لعودة المقعد الجنوبي الكامل، وتحمل أول اعتراف سياسي دولي بهوية الجنوب منذ عام 1990، وللبدء الفعلي بالمرحلة القانونية لتدويل القضية لابد من إعلان تشكيلة الفريق القانوني المتخصص الذي سيتولى أرشفة ملفات الوحدة منذ 1990، وصياغة طلب رسمي لفك الارتباط، مقدم إلى الدائرة القانونية في الأمم المتحدة.

هذا الفريق يحوّل القضية من مطلب شعبي إلى إجراء قانوني، وينقل الجنوب إلى مربع المسؤولية الدولية ضمن إطار مؤسساتي، لاشك أن هناك دولا في العالم يمكنها المساعدة في ذلك، وأن تكون جزءا من فريق الملف أو داعمة له ومساندة.

على الفريق القانوني أن يدرك أن عودة المقعد الأممي مرتبطة بملف الإعمار وإدارة الموارد، فيصبح الجنوب في هذه المرحلة وعبر التمثيل مؤهلا لإدارة موارده ضمن بيئة شفافة تجذب الاستثمار، وتقلص العبء على الحلفاء الإقليميين.

هذه المبادرة تقدم صيغة رابحة للجميع، فالجنوب يحقق تطلعه التاريخي، وكذلك فإن المملكة العربية السعودية التي صرحت مؤخرا بحق الجنوب في تقرير المصير سوف تثبّت استقرار حدودها الجنوبية، وكذلك باقي دول الخليج العربي ودول الشرق الأوسط التي تحتاج إلى شريك استراتيجي في البحر العربي، حيث إن كل المؤشرات تقول إن الجنوب العربي، يمكنه أن يتحوّل إلى نقطة ارتكاز للأمن الإقليمي، وجدار سياسي واقتصادي في وجه المليشيات العابرة للحدود.

من وجهة نظري لا بد من التفكير في جذب انتباه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أيضا، لذلك قد يحتاج الجنوب إلى خطاب قائم على المصالح المباشرة، فالجنوب يقدم عرضا متكاملا: تأمين الممرات البحرية دون تكلفة على دافع الضرائب الأمريكي، فتح قطاعات الاستثمار أمام الشركات الأمريكية في الطاقة والموانئ، والتموضع كحليف إقليمي في مواجهة التمدد الإيراني، بحيث يتحول الجنوب إلى استثمار جيوسياسي رابح، يدفع واشنطن نحو الاعتراف به كدولة حليفة في أكثر النقاط اشتعالا في المنطقة.

هنا، يمكن القول بأن الخطاب الجنوبي بدأ فعلا يتطور من سردية "الحق التاريخي" إلى سردية "الشريك المسؤول"، فهو كما يظهر مشروع دولة تقدم حلولا للأمن الإقليمي، وللاقتصاد الدولي، وللاستقرار السياسي، يمكنه المساهمة في تشكيل توازنات المنطقة، ويمنح المجتمع الدولي كيانا مسؤولا، واضحا، ومستعدا لتحمل المسؤولية.