نورا المطيري تكتب:

جنرالات الخراب في السودان واليمن... حين يتحول السلاح إلى لعنة وطنية

بات من المستحيل إخفاء أن الجنرال عبدالفتاح البرهان يعمل كواجهة للجماعة الإخوانية الإرهابية، مركز القرار الفعلي لهذه المعارك الفاشلة التي تقتل السودانيين وتحرمهم من الحياة الكريمة.

فالبرهان الذي أعرفه من خلال سيرته ومسيرته، وبالتحليل السياسي المستند على الحقائق هو رجل "على باب الله"، وقد شاهدت له مقابلة يقسم فيها أن يمنح أحرار السودان حكومة مدنية حسب الجدول الزمني المتفق عليه، ويقسم ألا يسمح لأحد بأن يفتعل الفتنة مع قوات الدعم السريع، شريكه الاستراتيجي الذي قدم له الدعم طيلة فترة الاضطرابات وتولي المجلس العسكري الحكم في السودان.

الدماء التي تتناثر بسبب مكتب البرهان، سببها الوحيد هي دوائر الإخوان المغلقة، التي تحرّك المشهد من خلف الستار، لاحظوا بأن جميع خطوط بياناته العسكرية ونبرة تصريحاته، وكذلك توقيت تحركاته، جميعها تحمل بصمة الإخوان التي بات يعرفها حتى الجاهل نفسه، فهذا لم يقرأ تاريخ الإخوان منذ حسن البنا، ولا ما فعلوه في مصر مع جمال عبدالناصر، ولم يقرأ عن الحركة التكفيرية التي صدرتها الإخوان على يد سيد قطب، ولا السلفية الجهادية التي انتجتها في ظلمة ليل، لكنه شاهد كل ما فعله الإخوان في مصر وليبيا واليمن والأردن والكويت منذ العام 2011، ولا شك أنه عرف عن الترابي والبشير وأعوانه الذين ما زالوا فوق السلطة في السودان حتى الآن، فيعلم علم اليقين، أن الدولة المسلوبة تمسك خيوطها الجماعة الإرهابية المتعطشة للدماء، وتوجهها كما تشاء.

وقد أحكمت هذه الجماعة قبضتها على المؤسسة العسكرية ونجحت في إعادة بناء هياكلها على ميزان الولاء المطلق للمرشد الأعلى، وأنتجت جيشا يحمل مظهر الدولة، لكنه يؤدي وظيفة الحزب.

بالنسبة للمراقب المحايد، فإن مدينة الفاشر حافظت على تموضعها في قلب النزاع كنقطة ارتكاز للسيطرة والنفوذ، وأثبتت رمزيتها في الوجدان الوطني السوداني سواء من ناحية الموقع الجغرافي، والتاريخ الميداني، والحساسية القبلية، والذي منحها طابعًا استثنائيًا في مشهد الحرب، لكن القوى المتنازعة اندفعت نحوها برغبة ترسيخ الحضور وفرض الأمر الواقع الذي سيغير بلا شك هوية المدينة، وسمعت مؤخرا خطابا إخوانيا صرفا يقسم على استعادة السيطرة على الفاشر عبر منطق السلاح والدماء، وكأننا نشاهد فيلم "أكشن" يقوم ببطولته "جنرال الخراب".

المجتمع الدولي لا يستوعب ما يحدث في السودان، فحين قدّمت المبادرة الرباعية التي شاركت فيها دولة الإمارات، السعودية، مصر، والولايات المتحدة، مشروعًا عمليًا متكاملًا يعيد للسودان ملامحه المدنية، من خلال ثلاث خطوات مترابطة صاغت جوهر الخطة وتشمل هدنة إنسانية توقف لغة الدم، وقف إطلاق نار يعيد تشكيل الأرضية، وانتقال سياسي شفاف يفتح بوابات الحكم أمام الكفاءات المدنية، تم رفضها من قبل الجنرال!

بالطبع الرفض لم يفهمه المجتمع الدولي الذي ما زال يعترف بشرعية الجنرال، ولا يعلمون مدى انقضاض المشروع الإخواني على هذه الشرعية المزيفة التي تشبه شرعية اليمن الإخوانية، لكننا في الوطن العربي، وخاصة المحللين والسياسيين ندرك ذلك جيدا، فقد سبق لنا عدة مرات وقمنا بفضح أدوات التخريب الإخوانية، والتي تحرّكت بقوة وشراسة لحظة طرح المبادرة لتشويش الوعي العام ومحاولة الطعن في المشروع الإماراتي الذي رسم طريق الخروج، فيما اختارت الجماعة الحملة التشويهية كرد مباشر على فقدانها لموطئ قدم في واقع جديد يستند على الشفافية والرغبة في السلام لهذا البلد العربي الطيب.

في ساعة واحدة، تحركت عشرات المنصات الرقمية، وعشرات الآلاف من الحسابات المموّلة والذباب الإلكتروني، ككتيبة واحدة تكتب السرديات وتعيد بناء الصور الذهنية، فالتلاعب لم يأتِ اعتباطيًا، بل جاء للتشويش على الوعي، فخرجت علينا الصور المأخوذة من نزاعات مختلفة نعرفها كلنا، وكذلك فيديوهات مفبركة بتقنيات متقدمة، ومصطلحات تعبث بالعواطف قبل العقول، مثلا (دولة الإمارات تريد سرقة ذهب السودان)، يا للسخرية، والإخوان كما نعرفهم، يظنون أن المتلقي لا يبحث عن حقيقة موثقة، ويراهنون دائما أن الجماهير تستهلك خطابًا مشبعًا بالإثارة والانفعال، لكن وقع ما لم يكن في الحسبان، خرج شرفاء السودان كلهم في يوم واحد لكشف الحقائق وأوضحوا للناس أن دولة الإمارات لديها سجل ميداني يقف مع المدنيين والأبرياء فقط، وليس مع أحد على حساب أحد، وأن المستشفيات الإماراتية وفرق الإغاثة وكل دعم ميداني كان موجها لكل سوداني يحتاج المساعدة، بلا تمييز في انتمائه أو ولائه.

أوضح الشرفاء في السودان، وفي الوطن العربي، الذين لا يقبلون الغش والخداع والتزوير الإخواني الفاضح، أن المشروع الإماراتي لديه استراتيجية وخطة قائمة على البناء، وأن دولة الإمارات تحرّكت بثقل سياسي وإنساني مدروس، صاغ شراكات مدنية، وطرح خارطة طريق بدعم إقليمي ودولي، ووقف بثبات على مبادئ لا تتبدل، وانطلقت حملات التوثيق للأصوات الحرة، لتعبر عن حالة وعي سودانية تاريخية.

العلاقات بين دولة الإمارات والسودان قامت على تراكمات إنسانية وسياسية عميقة، ومنذ عقود، اختارت دولة الإمارات أن تمدّ يدها للسودان دون شروط أو حسابات ضيقة، وانطلقت في دعمها من إيمان راسخ بأن النهوض بالسودان يشكّل دعامة لاستقرار المشرق العربي كله.

هذا الدعم لم يتجلّ فقط في المؤتمرات الدولية أو التصريحات الرسمية، بل كان على الأرض أيضا من خلال مشاريع إنمائية، قوافل طبية، مساعدات زراعية، واستثمارات استراتيجية في البنية التحتية، وكانت الطائرات الإماراتية تهبط في المطارات السودانية محمّلة بالدواء والغذاء، خلال كل الفترات الحرجة، ومع كل أزمة إنسانية، وتعكس صورة دولة تضع كرامة الإنسان في أولوياتها، ولم تنقطع المبادرات التي عزّزت فرص الاستقرار، وساهمت في تهيئة الأرض لمرحلة انتقالية حقيقية.

الخيار الإماراتي، كما يراه المحللون السياسيون، كان ولا يزال موجّهًا نحو المدنيين، وحريصًا على أن يرى السودان دولة ذات سيادة، قادرة على التعبير عن مصالحها من داخل حدودها، بدون وكلاء يزرعون الفتنة والانقسام، بدون جماعات إرهابية عفا عليها الزمن، وانتهت صلاحيتها، وسقطت تحت أقدام الوعي العربي الذي فهم مقاصدها وأهدافها "الدنيئة" وعرف من يمولها ومن يحاول انعاشها في لحظات السقوط الأخيرة.

بالأمس فقط، ظهر للملأ حقيقة وجود خطوط اتصال بين جماعة الإخوان السودانية والحوثيين كمظهر صريح لوحدة المشروع التخريبي العابر للحدود، من خلال تقرير دولي صادر عن "منتدى الشرق الأوسط" الذي وضع خارطة دقيقة تُظهر وجود شبكة بحرية تربط بين الساحل السوداني وموانئ سيطرة الحوثيين في البحر الأحمر، يستخدمها جنرالات الخراب الحوثيين لتهريب النفط والأسلحة، وتؤكد وجود تنسيق يتجاوز المصالح الظرفية نحو أهداف كبرى، يتصدّرها استهداف دولة الإمارات ودول الخليج وكذلك سحق تطلعات وخطط المجلس الانتقالي الجنوبي لاستعادة دولة الجنوب العربي.