د. سامي خاطر يكتب لـ(اليوم الثامن):
المقاومة الإيرانية والداخل الإيراني المشتعل على وشك الإنفجار
يعيش الشعب الإيراني اليوم في قلب مأساة مركّبة قوامها الفقر المدقع، والبطالة المستفحلة، والفساد المؤسسي الذي ينخر أجهزة الدولة، والقمع الدموي الذي يكمّم الأفواه ويكسر الأقلام.. لكن هذا الواقع المظلم لم يَكسر إرادة الناس بل صهرها في بوتقة الغضب والأمل.. فالاحتجاجات التي تفجّرت في المدن والقرى من صرخات المزارعين دفاعًا عن لقمة العيش إلى تظاهرات الشباب والنساء المطالبين بالحرية والعدالة تشكّل خيط نسيجٍ واحد هو نسيج الثورة المقبلة.
لقد ظنّ النظام أن بطشه وقمعه قادران على إسكات الصوت الشعبي غير أنّ كل رصاصة أطلقها زادت جذوة الغضب اشتعالًا، وكل معتقلٍ جديد وُلد في السجون كان بذرة مقاومة جديدة في الشوارع.. وهكذا تحوّل القمع إلى وقودٍ للانتفاضة، وأصبح النظام أسير دوّامة يصنعها بيده.. القهر يولّد الاحتجاج، والاحتجاج يُرعِب النظام ويعرّيه.
في قلب التحوّلات العاصفة التي تهزّ ملالي إيران اليوم لا تبدو الانتفاضات الشعبية مجرد حراكٍ احتجاجي عابر بل تعبّر عن يقظة وطنية كبرى تتجاوز الغضب إلى الوعي وتترجم إرادة جماعية لشعبٍ أنهكته الدكتاتورية ويبحث عن ميلاد جديد؛ هذه الانتفاضات المتتابعة كنبضٍ لا يهدأ تكشف عن تصدّع عميق في بنية النظام وتُنبأ باقتراب لحظة الانهيار التي طال انتظارها.
في خضمّ هذا المشهد تبرز المقاومة الإيرانية بقيادة السيدة مريم رجوي كمحور محرك لهذا الحراك التاريخي.. توجه الغضب الشعبي العارم نحو هدف واضح المعالم وهو إيران حرّة وديمقراطية تقوم على سيادة الشعب وفصل الدين عن الدولة.
تآكل نظام الملالي.. النظام محاصر داخلياً ويتآكل خارجياً
لم تعد أزمات النظام الإيراني حبيسة الجغرافيا الداخلية؛ فقد تمدّد فشله إلى الإقليم والعالم.. فسياساته التوسعية في العراق وسوريا ولبنان واليمن جعلت منه مصدرًا رئيسيًا لعدم الاستقرار الإقليمي، ومغامراته النووية وصواريخه العابثة أدخلته في مواجهة مفتوحة مع المجتمع الدولي.. ونتيجة لذلك باتت طهران محاطة بعزلة خانقة وعقوبات اقتصادية تخنق أنفاسها واحتقان داخلي لا يُحتمل.
لقد تحوّلت تلك السياسات التي كانت تُقدَّم يومًا بوصفها "أدوات نفوذ" إلى أعباء مميتة تلتهم ما تبقّى من قدرة النظام على المناورة أو الصمود.. كل ذلك يجعل النظام اليوم أقرب ما يكون إلى كيانٍ مترنّح يترقّب سقوطه أول خطأ في الحسابات.
المقاومة الإيرانية البديل الديمقراطي الفاعل ميدانياً..
وسط هذا الزلزال السياسي والاجتماعي تبرز المقاومة الإيرانية كعامل توازنٍ وتحوّل، ولا تكتفي المقاومة بفضح جرائم النظام وكشف فساده بل تقدّم مشروعًا وطنيًا واضحًا لمستقبل إيران.. فهي أي المقاومة لا تنطلق من شعارات عاطفية بل من رؤية سياسية متكاملة جسّدتها خطة السيدة مريم رجوي ذات النقاط العشر التي تقوم على إقامة دولة ديمقراطية حديثة قائمة على المساواة بين الجنسين وسيادة القانون، واحترام حقوق الإنسان، وفصل الدين عن السلطة.
ومن خلال شبكاتها النشطة داخل إيران وبمشاركة معاقل الانتفاضة المنتشرة في مختلف المحافظات تسهم المقاومة في تأطير الغضب الشعبي وتنظيم الاحتجاجات وتوجيهها نحو هدف سياسي محدد.. إنها القوة التي تمنح الانتفاضة عقلها الجمعي وروحها الوطنية وبوصلتها الديمقراطية.
لحظة التلاقي – من الفوضى إلى التحول
إنّ ما يجري اليوم ليس مجرد سلسلة أزمات متزامنة بل هو تلاقي تاريخي بين الداخل الغاضب والخارج الضاغط وبين نضج الحركة الشعبية ونضج البديل السياسي.
تلاقت كل القوى الفاعلة الاجتماعية والسياسية والإقليمية على حقيقة واحدة وهي أن منظومة ولاية الفقيه لا شرعية لها وأن ساعة التغيير قد اقتربت، وفي هذا المفصل الحرج تمثل المقاومة الإيرانية الركيزة الأساسية لعبور إيران من الاستبداد إلى الديمقراطية إذ تمتلك الرؤية والتنظيم والشرعية الشعبية، ومتى ما تضافرت الانتفاضات الشعبية مع هذه القيادة السياسية الواعية فإنّ مشروع التحرير الوطني سيتحول من حلمٍ إلى واقع.
إيران تقف على أعتاب تغييرات تاريخية حاسمة
وفي قلب هذا المشهد وهذه التحولات تواصل المقاومة الإيرانية بقيادة السيدة مريم رجوي أداء دورها المصيري حاملةً راية الحرية مبشّرةً بإيران جديدة تنتمي إلى المستقبل بعيدا عن الكوابيس القديمة.. والنظام الذي قام على القمع والخداع يترنّح تحت وطأة أزماته.. أما الشعب الذي صبر طويلًا بات يرى في كل انتفاضةٍ خطوة نحو فجر جديد.
آن الأوان للعالم أن يصغي إلى صوت الشعب الإيراني، وأن يقف إلى جانب حقّه المشروع في الحرية والديمقراطية، قبل أن تكتب الانتفاضات القادمة الفصل الأخير في تاريخ هذا النظام الآيل إلى السقوط.
د. سامي خاطر/ أكاديمي وأستاذ جامعي


