د. سامي خاطر يكتب لـ(اليوم الثامن):
من شرم الشيخ إلى لندن… سقوط مشروع الملالي بين السلام والإعدامات
شهد الأسبوع الماضي لحظة مفصلية في تاريخ الشرق الأوسط المعاصر.. لحظة كشفت بوضوحٍ نهاية مرحلةٍ كان النظام الإيراني يتصدر فيها واجهة الأحداث بصفته “الفاعل” الأبرز؛ فإذا به يتحول إلى “الخاسر” الأكبر.. ففي الوقت الذي كانت فيه العواصم العربية تستقبل قمة شرم الشيخ للسلام بالترحيب والأمل بعد عامين من حرب غزة المدمّرة كان النظام في طهران يعيش حالة ذعرٍ واضطراب.. إذ رأى خامنئي بأمّ عينيه كيف تهاوت نظريته القديمة القائمة على تصدير الحروب وبناء النفوذ عبر الميليشيات.
قمة شرم الشيخ… سلام يفضح رأس الأفعى
القمة التي جمعت قادة المنطقة والرئيس الأمريكي دونالد ترامب مثّلت تحولًا جيوسياسيًا حاسمًا.. فالشرق الأوسط الذي أنهكته الصراعات بدأ يلتفّ حول رؤية سلام جديدة تنهي دوامة الدم؛ بينما بقيت طهران وحدها على هامش التاريخ تلعق جراح رهاناتها الخاسرة.
لقد راهن خامنئي على استمرار الحرب في غزة لتأجيل انفجار الداخل الإيراني، واعتقد أن إشعال الجبهات الخارجية سيمنع سقوط هيمنته في الداخل؛ لكن وقف إطلاق النار واتفاق تبادل الأسرى أبطلا مفعول دعايته.
اليوم.. وسائل إعلام النظام نفسها تتحدث بمرارة عن “شرق أوسط جديد ضد إيران” وعن “خسارة النفوذ في لبنان وسوريا واليمن”.. حتى صحيفة “جمهوري إسلامي” المقرّبة من بيت المرشد اعترفت بأن ما سُمّي “طوفان الأقصى” لم يكن إلا خطأً استراتيجيًا أدى إلى انحسار دور وكلاء النظام وتقدّم مشاريع السلام في المنطقة.
لقد تحوّل خامنئي من “الراعي المزعوم للمقاومة” إلى رأس أفعى فقدت أنيابها ولم تعد تملك سوى سمّ القمع الداخلي لتبقى على قيد الحياة.
القمع في الداخل… والمشانق كسياسة بقاء
في الداخل ومع تراكم الهزائم الإقليمية صعّد النظام من جرائمه بحق الشعب الإيراني، والإعدامات الجماعية باتت السلاح الأخير لخامنئي في مواجهة الخوف من الانتفاضات الشعبية خصوصًا بعد تفعيل آلية الزناد وعودة عقوبات الأمم المتحدة التي فاقمت حالة الانهيار الاقتصادي.
كل يومٍ تقريبًا تُنشر أخبار عن إعدام عشرات السجناء، بينهم شباب اعتُقلوا لمجرد مشاركتهم في احتجاجات سلمية. لقد تحوّلت السجون الإيرانية إلى مصانع موتٍ جماعيٍّ هدفها كسر إرادة الشعب وإسكات أي صوتٍ يطالب بالتغيير.. إلا أن هذه السياسة الدموية لم تعد تمرّ بصمت كما في الماضي؛ فقد واجهها المجتمع الدولي هذا الأسبوع بردٍّ قويٍّ من لندن حيث انعقد مؤتمر اليوم العالمي لمناهضة الإعدام بحضور مئات الشخصيات السياسية والحقوقية من أوروبا وأمريكا، وقد طالب المشاركون بتحركٍ عاجل لوقف الإعدامات، ودعوا إلى محاسبة خامنئي وقادة نظامه أمام المحكمة الجنائية الدولية.. كما حظي المؤتمر بكلمةٍ مؤثرة من مريم رجوي الرئيسة المنتخبة للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية التي أكدت أن إسقاط نظام الإعدامات هو الطريق الوحيد لإنقاذ إيران والمنطقة من دوامة الدم والاستبداد.
من العزلة الإقليمية إلى المحاسبة الدولية
بين قمة شرم الشيخ التي كشفت عجز النظام الخارجي ومؤتمر لندن الذي عرّى وجهه الداخلي تتجلى حقيقة واحدة مفادها أن نظام ولاية الفقيه يفقد مبررات بقائه يوماً بعد يوم، ولم تعد أكاذيب “المقاومة” تنطلي على أحد، ولا مشانق الإرهاب قادرة على إسكات شعبٍ يزداد وعيًا وتنظيمًا في مواجهة النظام الدكتاتوري الحاكم.
لقد كان السلام في شرم الشيخ صفعةً سياسية لخامنئي.. كما كانت كلمات مريم رجوي في لندن صفعةً أخلاقية له أمام العالم، وفي حين توحّدت الشعوب حول شعار “لا للحرب، لا للإعدام”، وجد النظام نفسه وحيداً عارياً من كل شرعيةٍ داخلية أو دعمٍ خارجي.
إنّ الشرق الأوسط يدخل مرحلة جديدة عنوانها السلام والحرية؛ فيما يواجه النظام الإيراني نهايته المحتومة؛ فكلّ خطوة نحو السلام تعني ضربةً إضافية لهيمنة طهران، وكلّ صوتٍ يعلو ضد الإعدام هو إعلانٌ صريحٌ بانتهاء زمن الخوف.
وهكذا من شرم الشيخ إلى لندن تكتب المنطقة فصل النهاية لـ “رأس الأفعى” الذي فقد سلاحه في الخارج ومشانقه في الداخل.
د. سامي خاطر/ أكاديمي وأستاذ جامعي