د. سامي خاطر يكتب لـ(اليوم الثامن):
برميل البارود الإيراني على وشك الانفجار
كيف تقدم بروكسل الخريطة والقيادة لثورة لا مفر منها
عندما يتحول الخوف داخل مجتمع ما، وينتقل من قلوب المواطنين إلى قلوب جلاديهم، فإننا نكون أمام لحظة تاريخية فاصلة. هذا هو بالضبط ما يحدث في إيران اليوم. فالشوارع التي كانت يوماً ما مسرحاً لاستعراض قوة الحرس الثوري، أصبحت اليوم ساحة لغضب شعبي لم يعد يخشى شيئاً. إن صرخة الموظفة الإيرانية "ما فائدة السلاح النووي إذا لا نملك خبزاً للعشاء؟" ليست مجرد شكوى من الغلاء، بل هي إعلان عن انهيار العقد الاجتماعي بأكمله بين الشعب والنظام. لقد تحولت إيران إلى برميل بارود، حيث تتجمع شرارات الغضب في كل زاوية، من إضرابات سائقي الشاحنات في 152 مدينة، إلى احتجاجات الأقليات المضطهدة في كردستان وبلوشستان وخوزستان. والسؤال الذي طالما طرحه المحللون: "هل يمكن لهذه الشرارات المتفرقة أن تتحول إلى لهيب موحد؟" سيجد إجابته الحاسمة في السادس من سبتمبر في بروكسل.
استراتيجية النظام الأخيرة: الرهان على التفكك
لكي نفهم أهمية مظاهرة بروكسل، يجب أولاً أن نفهم استراتيجية البقاء الوحيدة المتبقية لدى النظام: الرهان على تفكك معارضيه. فالنظام الإيراني، الذي أضعفته الضربات الإسرائيلية الدقيقة وكشفت عن اختراقات استخباراتية عميقة في صفوفه، والذي يواجه انهياراً اقتصادياً شاملاً دفع أكثر من 30 مليون إيراني إلى تحت خط الفقر، لم يعد يملك أي شرعية أو قدرة على الإقناع. لذلك، فإنه يعتمد بشكل كلي على سياسة "فرّق تسد". إنه يغذي الانقسامات الأيديولوجية والعرقية، ويقمع الأكراد والبلوش والعرب بوحشية، كما شهدنا في مجزرة "جمعة زاهدان الدامية"، لأنه يدرك أن وحدتهم تعني نهايته الحتمية. لقد شخصت التقارير الإعلامية هذا الواقع بدقة: غياب جبهة موحدة أو قيادة مركزية هو ما يمنح النظام فرصة لإدارة الأزمة وتطويق الغضب.
بروكسل 6 سبتمبر: حيث تنصهر كل الشرارات في لهيب واحد
وهنا يأتي دور بروكسل لتغيير هذه المعادلة بالكامل. إن مظاهرة السادس من سبتمبر ليست مجرد تجمع آخر للمعارضة، بل هي الرد المباشر والعملي على استراتيجية النظام. إنها النقطة التي تنصهر فيها كل هذه النضالات المتفرقة في بوتقة واحدة لتشكل جبهة وطنية موحدة. فصوت الناشط الكردي فرامرز محمدي الذي يطالب بـ"مشاركة متساوية لكل القوميات"، وصوت الناشط الأهوازي أمين نعيمي الذي يطالب بـ"حياة كريمة"، وصوت الناشطة البلوشية فاطمة سرحدي التي تندد بالتمييز، لن تكون أصواتاً متفرقة بعد الآن، بل ستتوحد جميعها تحت مظلة مشروع سياسي واضح.
هذا المشروع هو خطة السيدة مريم رجوي ذات العشر نقاط، التي تمثل الضمانة الحقيقية لتحقيق مطالب الجميع. فعندما تنص هذه الخطة على "الحكم الذاتي للقوميات في إطار وحدة الأراضي الإيرانية"، فإنها تقدم الحل الذي يطالب به الأكراد والبلوش والعرب. وعندما تتعهد بجمهورية تقوم على العدالة الاجتماعية وفصل الدين عن الدولة، فإنها تستجيب لصرخة المواطنين الذين سئموا الفقر والفساد والقمع. إن مظاهرة بروكسل هي المكان الذي تتحول فيه المطالب الجزئية إلى مشروع وطني متكامل.
من الفوضى إلى القيادة المنظمة
والأهم من ذلك، أن هذا الحدث يقدم إجابة حاسمة على معضلة "غياب القيادة". فعندما يجتمع عشرات الآلاف من الإيرانيين من جميع أنحاء العالم، بدعم من مئات الشخصيات السياسية والبرلمانية الدولية، تحت راية المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، فإنهم يعلنون للعالم أن هناك بديلاً منظماً، وقيادة معترف بها، ورؤية واضحة للمستقبل. إنها اللحظة التي تتحول فيها المعارضة من مجرد "حالة رفض" للنظام إلى "مشروع بناء" لدولة جديدة.
إن كلمات شيرين عبادي بأن "النصر مسألة وقت" تكتسب معناها الحقيقي هنا. فالنصر لا يتحقق فقط بالغضب الشعبي، بل بالقيادة المنظمة التي تستطيع توجيه هذا الغضب نحو هدف محدد. مظاهرة السادس من سبتمبر هي الإعلان الرسمي بأن هذه القيادة موجودة وجاهزة. الرسالة التي ستنطلق من بروكسل ستكون مدوية: إن برميل البارود الإيراني على وشك الانفجار، ولكن هذه المرة، هناك خريطة طريق واضحة وقيادة موحدة لضمان أن هذا الانفجار لن يؤدي إلى الفوضى، بل إلى ولادة جمهورية ديمقراطية حرة.
د. سامي خاطر أكاديمي و أستاذ جامعي