رولا القط تكتب لـ(اليوم الثامن):
نهاية لعبة طهران
ما يبدو على السطح استعراضًا للقوة من قبل نظام الملالي ـ من تخصيب اليورانيوم بنسب خطيرة إلى حملات الإعدام المسعورة ـ ليس في جوهره إلا صرخة يأس من وحش جريح حُشر في زاويته الأخيرة. فالنظام الذي يفقد شرعيته في الداخل وقدرته على المناورة في الخارج لم يعد يملك سوى خيار التصعيد، في محاولة يائسة لإخفاء ضعفه القاتل خلف قناع من الوحشية والغطرسة. إن أفعاله العدوانية الأخيرة ليست بداية حرب يختارها، بل الفصل الأخير من انهيار حتمي يفرضه عليه شعبه والعالم.
لكن المفارقة أن هذه اللحظة من الضعف الشديد لا تدفع نحو خيار الحرب، بل تضع المجتمع الدولي أمام مفترق طرق تاريخي، وتمنحه فرصة ذهبية لتبنّي الحل الوحيد الذي جرى تجاهله طويلًا: دعم التغيير الديمقراطي بقيادة الشعب الإيراني ومقاومته المنظمة.
قمع داخلي يعكس خوفًا وجوديًا لم يعد ضعف النظام مسألة تحليل سياسي، بل واقعًا ملموسًا يتجلى في كل مفصل من مفاصله. داخليًا، تحولت آلة القمع إلى الأداة الوحيدة للحكم. فحين يقرّ القضاء نفسه باعتقال أكثر من 21 ألف شخص بتهم “أمنية” فضفاضة في فترة وجيزة، فإن ذلك ليس دليلاً على السيطرة، بل اعترافًا رسميًا بأن النظام في حالة حرب مع شعبه. أما تصاعد وتيرة الإعدامات لتقارب الألف سنويًا، فليست علامة قوة، بل انعكاس لذعر حقيقي من البديل المنظم الذي يهدد بقاءه: “وحدات المقاومة” التابعة لمنظمة مجاهدي خلق الإيرانية، التي نظمت ثلاث انتفاضات كبرى منذ عام 2018 وأبقت جذوة المقاومة مشتعلة في قلب المجتمع، ناقلة الخوف من الشعب إلى الجلادين.
خسائر استراتيجية على الساحة الدولية على الصعيد الخارجي، يتعرض النظام لسلسلة هزائم متلاحقة. لقد راهن طويلاً على ابتزاز العالم ببرنامجه النووي، لكنه يجد نفسه اليوم في مواجهة آلية “الزناد” لإعادة فرض العقوبات الدولية، بعدما دفعت انتهاكاته السافرة ـ خصوصًا تخصيب اليورانيوم بنسبة 60% ـ حتى أقرب شركائه الأوروبيين إلى التخلي عنه. أما المواجهة العسكرية الأخيرة مع إسرائيل، فقد شكّلت لحظة كاشفة، إذ حطّمت هالة “القوة الإقليمية” التي بناها لعقود، وأظهرت أن قدراته الحقيقية أضعف بكثير من بروباغندا الحرس الثوري.
أمام هذا الواقع، لم يعد مقبولًا أن يبقى العالم رهينة خيارين فاشلين: الاسترضاء الذي لا يجلب سوى الوقت للنظام ليقترب أكثر من القنبلة، أو الحرب التي ستكون تكلفتها كارثية على المنطقة والعالم. اليوم، يفتح ضعف النظام الباب على مصراعيه لخيار ثالث، عملي وأخلاقي في آن واحد: دعم التغيير الديمقراطي بقيادة الشعب الإيراني.
إن هذا ما ستطرحه المقاومة الإيرانية على العالم في بروكسل في السادس من سبتمبر. فالمظاهرة الحاشدة هناك لن تكون مجرد احتجاج، بل تجسيدًا حيًا للبديل الديمقراطي. إنها منصة لإيصال صوت ملايين الإيرانيين المطالبين بالحرية، وعرض برنامج المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية ذي العشر نقاط لرؤية إيران المستقبل: جمهورية ديمقراطية تفصل الدين عن الدولة وتضمن المساواة والعدالة.
إن التحرك الآن، عبر فرض عقوبات “الزناد” بلا تردد، والاعتراف بالحق المشروع للشعب الإيراني في المقاومة، ومنح الدعم السياسي للمجلس الوطني للمقاومة، هو السبيل الوحيد لضمان مستقبل سلمي ومستقر. ذلك المستقبل لن يولد إلا بزوال هذا النظام وبزوغ فجر إيران حرة ديمقراطية.