قراءة في مشهد ما بعد انفجار مقر حزب الإصلاح..
انفجار تعز وفضّ الاعتصام: كيف استُخدم الأمن لإسكات مطالب العدالة؟
في تعز، لم يكن الانفجار الذي وقع قرب مبنى المحافظة ومقر حزب الإصلاح حادثًا أمنيًا عابرًا، بل لحظة مفصلية استُخدمت لإغلاق اعتصامات مدنية طالبت بالعدالة ومحاسبة المتورطين في الاغتيالات.
جانب من فض اعتصام تعز
في مدينة تعز، التي تعيش منذ سنوات على إيقاع الانفلات الأمني وتغوّل الجماعات المسلحة، لم يكن الانفجار الذي وقع بالقرب من مبنى السلطة المحلية ومقر حزب التجمع اليمني للإصلاح حدثًا أمنيًا معزولًا، بل تحوّل سريعًا إلى لحظة فاصلة استُخدمت لإغلاق واحد من آخر مساحات الاحتجاج المدني في المدينة، وطيّ صفحة اعتصامات طالبت بالعدالة ومحاسبة المتورطين في سلسلة اغتيالات هزّت الرأي العام المحلي.
الانفجار الذي وقع صباح الخميس بالقرب من ساحة الحرية أسفر عن سقوط قتلى وجرحى، بينهم طفل، في واقعة وصفتها مصادر محلية بأنها نتيجة عبوة ناسفة مموّهة وُضعت قرب مخيمات الاعتصام وأمام مقر حزب الإصلاح ومبنى المحافظة. وبحسب مصادر أمنية، فإن العبوة كانت مخفية على هيئة بطارية طاقة، ونُقلت بواسطة دراجة نارية قبل أن تنفجر، ما أدى إلى مقتل ثلاثة أشخاص وإصابة أكثر من عشرة آخرين، بينهم نساء وطالبات كنّ في محيط المكان.
لكن خطورة الحادثة لم تتوقف عند حدود الانفجار ذاته، إذ سرعان ما استُخدم كذريعة لفضّ الاعتصام الاحتجاجي المفتوح بالقوة. فبعد ساعات من الانفجار، أقدمت قوات أمنية موالية لحزب الإصلاح، ذراع جماعة الإخوان المسلمين في اليمن، على اقتحام مخيمات الاعتصام في ساحة الحرية، ومزقّت الخيام، واعتدت على المحتجين الذين كانوا يطالبون منذ أشهر بتحقيق العدالة في قضايا اغتيال، أبرزها اغتيال مديرة صندوق النظافة والتحسين بمحافظة تعز، أفتهان المشهري، في سبتمبر الماضي.
الاعتصامات، التي نُصبت قبالة مقر حزب الإصلاح ومبنى المحافظة، لم تكن احتجاجًا سياسيًا تقليديًا، بل تجمعًا لأهالي ضحايا الاغتيالات، الذين انضم إليهم عشرات من المواطنين المتضررين من الانفلات الأمني، مطالبين بمحاسبة المتورطين داخل الوحدات الأمنية والعسكرية الخاضعة لنفوذ الحزب. ومع تصاعد الضغط الشعبي، تحوّل الاعتصام إلى مصدر إرباك حقيقي لقيادات الإصلاح في تعز، بحسب مراقبين.
شهود عيان أكدوا أن مسلحين يرتدون بزات أمنية اقتحموا ساحة الاعتصام في وضح النهار، واعتدوا على المحتجين بالقوة، ملوّحين بالسلاح، في مشهد وصفه ناشطون بأنه يعكس نمطًا متكررًا في إدارة حزب الإصلاح للأزمات، حيث تُحوَّل الفوضى إلى فرصة، والأمن إلى أداة قمع، والعدالة إلى عبء يجب التخلص منه.
في المقابل، حاول ناشطون ووسائل إعلام موالية لحزب الإصلاح تبرير عملية الفض، بالقول إن الانفجار استهدف مقر الحزب بشكل مباشر، وأن من بين الضحايا قيادات إصلاحية، في مسعى لتقديم ما جرى بوصفه إجراءً أمنيًا ضروريًا. غير أن هذه الرواية لم تُقنع أسر الضحايا ولا المحتجين.
أسرة أفتهان المشهري عبّرت، في بيان رسمي، عن صدمتها مما وصفته بالهجوم العنيف على خيمة الاعتصام في ساحة الحرية، وتمزيقها بالقوة، والاعتداء الجسدي على المعتصمين وتهديدهم بالتصفية عبر إشهار السلاح، معتبرة أن ما حدث يمثل انحرافًا خطيرًا عن دور الدولة، ومحاولة لفرض هيبة السلاح على مواطنين عُزّل بدلًا من حمايتهم. كما دانت الأسرة الانفجار الذي وقع قرب ساحة الحرية، واصفة إياه بـ«الإرهابي الآثم»، ومؤكدة أنه يعكس حجم الانفلات الأمني الخطير الذي تعيشه المدينة.
مصادر أمنية محلية أفادت بأن الطفل الذي قُتل في الانفجار هو نجل سائق الدراجة النارية التي نُقلت عليها العبوة الناسفة، في تفاصيل زادت من غموض الحادثة وأسئلتها، خصوصًا في ظل غياب نتائج تحقيق شفافة حتى الآن، وعدم إعلان أي جهة مسؤوليتها عن التفجير.
ويرى مراقبون أن توقيت الانفجار وطريقة التعامل معه يخدمان هدفًا واحدًا، يتمثل في إنهاء الاعتصامات التي شكّلت ضغطًا متزايدًا على حزب الإصلاح، وفضح إخفاق المنظومة الأمنية الخاضعة لنفوذه في حماية المدنيين وضمان العدالة. ويشير هؤلاء إلى أن ما جرى في ساحة الحرية لا يمكن فصله عن سياق أوسع من تقويض العمل المدني السلمي في تعز، وتحويل أي مطالب حقوقية إلى تهديد أمني يُواجَه بالقوة.
وبين انفجار لم تُكشف ملابساته، وفضّ اعتصام بالقوة، تجد تعز نفسها مرة أخرى أمام مشهد يعكس هشاشة الأمن، وغياب المساءلة، وتوظيف الأحداث الدامية لإعادة ترتيب المشهد السياسي والأمني على حساب حقوق المواطنين، في مدينة دفعت، ولا تزال، ثمنًا باهظًا لصراعات النفوذ واحتكار القوة.


