رولا القط تكتب لـ(اليوم الثامن):
الولايات المتحدة تشدد موقفها من الإخوان المسلمين مع اتساع تقييم المخاطر العابرة للحدود
تتعامل الولايات المتحدة اليوم مع جماعة الإخوان المسلمين باعتبارها أحد أكثر مصادر التهديد الأيديولوجي والتنظيمي تعقيدًا في الشرق الأوسط، وذلك بعد سنوات من النقاش داخل مؤسسات الأمن القومي حول طبيعة هذا التنظيم وقدرته على إنتاج حركات عنف وتيارات متطرفة تحت واجهات سياسية ومدنية.
وتشير المعطيات الأمنية الأميركية إلى أنّ الجماعة لم تعد تُعرَّف كحركة ذات امتداد محلي، بل كشبكة دولية تستطيع التأثير في الاستقرار الإقليمي، وتشكّل خطرًا مباشرًا على المصالح الأميركية.
خطر إيديولوجي عابر للحدود تقوم النظرة الأميركية الجديدة على أن الإخوان يملكون قدرة فريدة على اختراق المجتمعات عبر مؤسسات خيرية وتعليمية ودينية، ثم تحويل النفوذ الاجتماعي إلى تأثير سياسي وأمني. هذه البنية الهرمية جعلت واشنطن تعتبر الجماعة حاضنة أيديولوجية تنتج خطابًا تعبويًا يسهّل انتقال الأفراد من العمل الدعوي إلى العنف المسلّح، ويُشرعن التحالف مع جماعات تصنّفها الولايات المتحدة إرهابية.
وتؤكد تقارير أمنية أن هذا التأثير يمتد إلى داخل الأراضي الأميركية والأوروبية من خلال شبكات تمويل ومنابر إعلامية تُسهم في ترويج خطاب معادٍ للمصالح الغربية.
هجمات 7 أكتوبر وتغيير قواعد التقييم الأميركي أعادت هجمات 7 أكتوبر صياغة التقدير الأميركي لبيئة الإسلام السياسي، بعد أن رصدت واشنطن ارتباطات مباشرة وغير مباشرة بين فروع من الإخوان وحركة حماس، إضافة إلى دعم خطابي ومالي عبر منظمات في الأردن ولبنان ومصر.
هذا الواقع دفع الإدارة الأميركية إلى التعامل مع الإخوان باعتبارهم عاملًا محفّزًا لموجات تعبئة خطيرة في المنطقة، بما يشمل التحريض على القوات الأميركية، واستهداف مصالح حلفاء واشنطن.
ومن هنا جاء القرار التنفيذي بتصنيف بعض فروع الجماعة كمنظمات إرهابية عالمية، باعتباره خطوة لحماية الأمن القومي الأميركي ومنع تمدّد الخطر نحو الداخل.
التظاهرات والضغط السياسي داخل الولايات المتحدة تشهد المؤسّسات الأميركية قلقًا متزايدًا من قدرة الإخوان على استخدام التظاهرات وحملات الضغط كأدوات لتوجيه الرأي العام، خصوصًا في القضايا المتصلة بالشرق الأوسط.
وترى أجهزة الأمن أن هذا النشاط يتجاوز حدود التعبير السياسي المشروع، إذ يتحوّل إلى منصّات تعبئة تستغل أجواء الانقسام الداخلي، وتخلق حالة توتّر اجتماعي يمكن أن تُستغل لتجنيد أفراد أو تمرير رسائل معادية للمؤسسات الأميركية.
بالنسبة لواشنطن، هذا النوع من النشاط يُعتبر عامل تهديد داخلي، ويعزّز فكرة أن الجماعة لم تعد مشكلة إقليمية فقط، بل خطرًا عالميًا له امتدادات في الداخل الأميركي.
حماية المصالح الأميركية في الشرق الأوسط تعتمد المقاربة الأميركية على منع الإخوان من التحوّل إلى قوة سياسية أو اجتماعية قادرة على إعادة تشكيل معادلات الحكم في المنطقة.
فالولايات المتحدة تعتبر أن صعود الجماعة يؤدي إلى تقويض استقرار الدول العربية المعتدلة ،خلق بيئات حاضنة للتطرف،تهديد أمن الحلفاء الخليجيين،وإضعاف الجهود الأميركية في مكافحة الإرهاب.
كما ترى واشنطن أن السماح للجماعة بالتمدّد سيمنح التنظيمات المسلّحة غطاءً سياسيًا، وسيزيد من تحديات حماية المصالح الأميركية في الممرات البحرية والملفات الاستراتيجية الحساسة.
الاستثناء التركي: اعتبارات استراتيجية وليست قبولًا بالجماعة رغم التصعيد ضد بعض الفروع، حافظت واشنطن على تفريق واضح بين الإخوان كتنظيم وبين الحركات السياسية المرتبطة بأنقرة. هذا الخيار لا يعكس قبولًا بالجماعة، بل يعبّر عن قراءة أميركية لمعادلة معقّدة تتضمن:دور تركيا في الناتو،توازن القوى في شرق المتوسط،ملفات الطاقة والهجرة،والتنافس مع روسيا.
ومن ثمّ، فإن تجاهل الفروع المحسوبة على المشروع التركي لا ينفي خطورة الإخوان، بل يؤجّل المواجهة السياسية معها مراعاةً لاعتبارات استراتيجية أوسع.
مرحلة تشديد غير مسبوقة المشهد الدولي اليوم أقلّ تسامحًا مع الحركات العابرة للحدود، والإخوان في مقدّمتها. فالقيود الأميركية والبريطانية والأوروبية تتقاطع في اتجاه واحد:
تقليص النفوذ، تجفيف مصادر التمويل، وإضعاف الشبكات المؤسسية التي تمنح الجماعة شرعية اجتماعية.
هذا التحوّل يضع الإخوان أمام اختبار وجودي، ويعكس إدراكًا دوليًا بأن بقاء التنظيم قادرًا على العمل بحرية هو عامل خلل يهدّد الاستقرار الإقليمي والمصالح الغربية على حدّ سواء.
تتعامل الولايات المتحدة اليوم مع الإخوان المسلمين باعتبارهم تهديدًا عالميًا لا يمكن التغافل عنه. الخطوات الأميركية ليست عقابية فقط، بل استراتيجية تهدف إلى حماية أمنها الداخلي، ومنع وصول الجماعة إلى مفاصل التأثير الإقليمي.
ومع تزايد مؤشرات الخطر—من التظاهرات في الغرب إلى نشاط الشبكات المالية والسياسية—يبدو أن واشنطن تتجه نحو مرحلة أكثر صرامة في مواجهة الإخوان، باعتبارهم عاملًا يقوّض أمنها ومصالحها الحيوية، ويعيد إنتاج التطرف بأشكال جديدة

