نورا المطيري تكتب:

الإخوان الإرهابيون.. الفوضى والفتنة والتخريب

صُعقت، حين استمعت إلى حديث خرج من قلب التنظيم الإخواني الإرهابي يقول إن حرب غزة هي "فرصة نادرة" لإعادة إنتاج سيناريو الربيع العربي.

هذا الكلام ينبع من تنظيم تهاوى وسقط ويوسم عالميا بالإرهاب! لكنه ما زال لديه عقليات ترى في مأساة الشعوب فرصة لاستعادة حضور أصبح في (مكب) الريح!

الغريب في ذات الوقت، أن هذه العقول المريضة، التي تستند على الفكر الإيراني التخريبي، ترى في صور دمار غزة مجرد ساحة جديدة لإعادة التحريض، كذلك تستعمل الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي خاصة "الواتساب" كقوة لما يطلقون عليه "إعادة إنتاج الثورات، الإخوان في حرب غزة اليوم، يشبهون النازية في ألمانيا حين استغلت أزمات المجاعة والبطالة بعد الحرب العالمية الأولى ومعاهدة فرساي المهينة، لتصوّر حكومة فايمار بأنها متواطئة مع "العدو" وتزرع فكرة الخيانة في وعي الجماهير.

فكانت النتيجة ولادة دكتاتورية أعادت رسم أوروبا بالدماء. أي أن "تكتيك الإخوان" الجديد هو مجرد نسخة مكررة من سياسات معروفة انتهت إلى كوارث إنسانية.

تنظيم الإخوان الإرهابي ينشط حاليا في غزة من خلال شبكة عمليات معنوية تنشر بيانات "تعبئة عامة" وتتهم حكومات مثل مصر والأردن بالتقاعس، وتدعو إلى "تضامن حقيقي"، وكأن هذه الدول العربية تتواطأ لمساندة الظلم! وهذه اللعبة الخبيثة تطالب بتموضع سلطة الشعب ضد الحكام، وكذلك تسويق الشارع بوصفه أداة تغيير، وتسرب رسائل مخفية هدفها فقدان السلطات شرعيتها تدريجيا في الوعي الجماعي!

كيف يمكن للعقل الواعي أن يتقبل ما يقوله القائم بأعمال المرشد الإخواني، المدعو صلاح عبد الحق، حين يصف حكومات هذه الدول بالحكومات الصامتة ويدعي أنهم "شركاء العدو"؟! ومع توغل مهارات الذكاء الاصطناعي في التزوير، تمكنت فرق التزييف لدى الإخوان من تحويلها إلى أدوات تحريض رقمية لإثارة الشارع العربي وتأليبه على قياداته وحكوماته.

وقد لاحظنا جميعا عددا كبيرا من الفيديوهات المزيفة يتم نشر التي تهدف إلى توليد وهم "العداء الوطني"، والترويج للفتنة، مثل ما تقوم مجلة "ميم" بتوليفة من أفلام مزيفة ومفبركة وما تقوم به بعض القنوات التلفزيونية.

في مصر والأردن، يتحوّل خطاب أي أزمة إلى أداة استقطاب إخوانية، تتحول إلى تحريض ضد الهوية الوطنية. لكنهم في الأردن، تمكنوا أخيرا من اعتبار الإخوان تهديدا أمنيا خطيرا، ما دفع السلطات إلى قمع فروعه وضبط نشاطه كخطر داخلي متنامٍ.

أما في اليمن، وبعد خيانة الإخوان التاريخية لصالح الحوثي لاحتلال صنعاء، تصطف جحافل الإخوان عبر حزب الإصلاح وتستخدم التوترات القبلية كساحة لاستعادة النفوذ. ففي مأرب مثلا، ووفق تقارير صدرت مؤخرا، ظهرت سجون سرية تُدار لصالح الإخوان، قد يحولون المدينة كلها إلى سجن مفتوح كبير لكل من يخالف أمرهم، وأكثر ما يربك الإخوان في اليمن هي الأصوات الجنوبية الحرة التي تعالت بقوة مطالبة بعودة دولة الجنوب العربي إلى حدود ما قبل 1990، كخيار مشروع لإنهاء عقود من الهيمنة والفوضى، حيث إن تمكين المجلس الانتقالي الجنوبي من استعادة دولته المستقلة وإدارتها سيُسقط أوراق الإخوان والحوثي معا، ويعيد للجنوب العربي حقه التاريخي ومكانته الإقليمية كقوة استقرار.

وأيضا يمكن للمراقب أن يتابع ما يحدث في السودان، حيث يظهر جليا أن سبب الفوضى الحقيقية التي تعيشها حكومة بورتسودان هي الحلول الإخوانية التي أدت إلى خروج الجيش عن مهمته الأساسية بشكل متطرف، وأصبح تركيز حكومة الأمر الواقع في بورتسودان إعادة تصدير الأزمة بوصفها "صراعا إقليميا"، وتوجيه الاتهامات يمينا ويسارا، هربا من الاستحقاقات الداخلية.

ونلاحظ في كل ما سبق، وكما فعلت بعض الحركات الشيوعية في الستينيات والسبعينيات حين استغلت أزمات في أفريقيا وأمريكا اللاتينية لجرّ الشعوب إلى صراعات أهلية بدعوى التضامن ضد "الإمبريالية"، يستعمل الإخوان اليوم غزة كذريعة لجرّ مصر والأردن والسودان واليمن إلى أتون داخلي. هنا يمكن إبراز أن التاريخ يكرر نفسه: الشعوب تدفع ثمن "شعارات التضامن" التي تتحول إلى وقود لحروب بالوكالة.

بشكل أوسع، لاحظنا، أنه في فرنسا صدر مؤخرا تقريرا بارزا (مايو/أيار 2025) رصد نفوذ الإخوان المتسق داخل المؤسسات، واعتُبر تحذيرا من "حركة ضغط من داخل الأنظمة". المستجد على خلفية ذلك كان تشكيل "لجنة درع الديمقراطية" بالبرلمان الأوروبي لمعالجة التدخل الإخواني عبر الرقابة الرقمية والسياسات.

أما في بلجيكا، فقد سمعنا وتابعنا جميعا ما يقوم به منتدى المنظمات الشبابية والطلابية الإسلامية الأوروبية، FEMYSO، الحاضنة الشبابية، والتي وُصفت بأنها ذراع تدريب لحركات الإسلام السياسي داخل أوروبا، تقدم نفسها كواجهة "إسلامية معتدلة" بينما تعمل على نشر تأثير التنظيم داخل الجيل الجديد.

وأيضا في سويسرا، فقد شهدنا على الدعوات السياسية من النائبة جاكلين دي كواترو، التي طرحت معادلة: "الإسلاموفوبيا أم مراقبة التنظيم الطائفي؟" وطالبت بفتح ملف شامل عن وجود الجماعة في المؤسسات التعليمية والدينية وبيئات الشباب.

إن خطورة تنظيم الإخوان لا تكمن فقط في بياناته ولا في خطاباته المعلنة، بل في قدرته على التسلل إلى قلوب الضعفاء، واستغلال آلام الشعوب لصناعة الوهم. هذا التنظيم يعيش على دماء الأبرياء، ويقتات من غضب الشباب، ويحوّل الهواتف الذكية إلى منصات لتخريب الوعي الجمعي. إن أخطر ما يفعله الإخوان اليوم هو قتل الأمل، سرقة المستقبل، وتشويه معنى التضامن مع قضايا عادلة كقضية فلسطين، عبر تحويلها إلى وقود لفوضى مدمرة.

إن كل تجربة تاريخية تؤكد أن هذه الجماعات حين تدخل المشهد، تزرع الخراب وتغيب التنمية. من النازية إلى الحركات الشيوعية المتطرفة، إلى "الربيع العربي" المسروق، كلها شواهد على أن اللعب بعقول الشباب يفتح أبوابا من الدماء لا تُغلق بسهولة.

اليوم، مسؤولية النخب، الإعلام، والمؤسسات التعليمية، أن تكشف حقيقة هذا التنظيم وتفضح شبكاته المالية والإعلامية. ومسؤولية الشباب أن يدركوا أن التضامن لا يُقاس بالشعارات ولا بالتحريض على الفوضى، بل بالعمل الجاد، والوعي، وحماية أوطانهم من السقوط في مستنقع مشاريع خارجية تستعمل الإخوان كأداة.

لقد حان الوقت لندرك جميعا أن معركة الوعي هي السلاح الأهم. فالإخوان الارهابيون لا يقاتلون بجيوش، بل يخترقون بالعاطفة والرموز، ويجعلون من الهوية الوطنية مسرحا لصراعاتهم العابرة للحدود. والوعي هو الدرع الأخيرة في مواجهة هذا الخطر، حتى يبقى الشباب العربي والمسلم في موقع البناء لا في موقع الضحية.