مثلث الإرهاب يتشكل من صعدة إلى سواحل الصومال..
تهديدات عابرة للحدود.. كيف تبني إيران عمقًا جيوسياسيًا في القرن الإفريقي؟
صبّ تعاون الحوثيين مع حركة الشباب وتنظيم الدولة الإسلامية في الصومال بشكلٍ غير مباشر في خدمة إيران، إذ منحها عمقاً استراتيجياً في الصومال والقرن الأفريقي، ووسّع قدرتها على إعادة تشكيل ديناميات الأمن البحري في خليج عدن ومضيق باب المندب، ما أكسبها نفوذًا مهمًّا على عمليات نقل إمدادات النفط والغاز وغيرها من السلع

تطور العلاقات بين الحوثيين والجماعات المسلحة في القرن الإفريقي - وكالات

خلال العقد الماضي، تطورت علاقة الحوثيين مع القوى الصومالية غير الحكومية التي يشملها جميعها حظر الأسلحة، وذلك من خلال مهربي السلاح أو السماسرة. واكتسب هذا الوضع أهمية متزايدة ابتداءً من العام 2016، عندما أدرك الحوثيون أن بإمكانهم تعزيز مكانتهم إذا ما استطاعوا التحرك في المجال البحري اليمني، سواء عبر مهاجمة السفن أو الانخراط في عمليات التهريب، فحققوا ذلك خلال أزمة البحر الأحمر على إثر الصراع في غزة بدءًا من تشرين الأول/أكتوبر 2023. لقد عبر عبد الملك الحوثي، عن هذه الرؤية مجدًدا في كانون الثاني/يناير 2025، مشيرًا إلى العمليات البحرية التي شنها الحوثيون إسنادًا لغزة كما يزعمون، ومشيدا بالتطورات في "عددٍ من البلدان الأفريقية...ضد الهيمنة الأميركية والأوروبية والاستعمار والاحتلال الأميركي لتلك البلدان". واعتُبر كلامه مؤشراً على اهتمامه بتوسيع نطاق عمليات الحوثيين في أفريقيا.
قواعد عسكرية في سناج
فقد كشفت تقارير حديثة محلية من ولاية بونتلاند شمال شرقي الصومال، عن وجود قواعد عسكرية سرية تابعة لجماعة الحوثي في جبال جوليس بمحافظة سناج، في تطور أمني خطير يعكس تعمّق التعاون بين الحوثيين وحركة "الشباب" المرتبطة بتنظيم القاعدة. ويعلق علي هذا هشام النجار الباحث المختص في الحركات الإسلامية في حديثه مع "الحل نت " قائلا :" السرية العسكرية مكون رئيسي من مكونات الجماعات غير الحكومية. والسرية العسكرية تأتي من كونها علاقات بين تنظيمات عابرة للحدود سنية وشيعية وهذا النهج يخدم مصالح إيران ويعزز من نفوذها بهذه المناطق ويكشف عن تمويل ورعاية إيران لفرع القاعدة في شرق افريقيا والصومال وهو ما يناهض المصالح الغربية والأميركية، لذلك هناك تحري للسرية ليكون النشاط قدر الإمكان بعيدا عن أعين أجهزة الاستخبارات الأمريكية والغربية". ووفقًا لهذه المصادر، فإن الجماعة الحوثية تعمل على تطوير قدراتها القتالية في تلك المناطق الجبلية البعيدة عن أنظار القوات الحكومية، متخفية ضمن صفوف "الشباب" لتجنب أي ردود فعل محلية أو استهداف مباشر من الأجهزة الأمنية. هذا التطور لا يبدو معزولًا عن تحولات أوسع في خارطة التهديدات الإقليمية، حيث كشف تقرير استخباراتي حديث عن تصاعد التعاون بين الحوثيين وحركة "الشباب" ضمن تحالف أمني غير مسبوق، يتجاوز الخلفيات الأيديولوجية ليرتكز على "نفعية استراتيجية" تهدف إلى توسيع النفوذ والسيطرة في البحر الأحمر ومنطقة القرن الإفريقي. وبحسب التقرير ذاته، يشمل هذا التعاون تبادل الأسلحة والتقنيات القتالية المتطورة، واستغلال السواحل الصومالية كممرات لوجستية لتهريب الإمدادات الإيرانية إلى الحوثيين، بما في ذلك معدات طائرات مسيّرة وأنظمة صاروخية بعضها من منشأ صيني. وتكشف اعترافات أحد المجندين الحوثيين، التي بثتها وسائل إعلام المقاومة اليمنية، عن عمليات تهريب واسعة للأسلحة والمعدات والأفراد، بدأت أواخر العام 2024 عبر الأراضي والمياه الصومالية، وبالتنسيق مع قراصنة محليين. وتشير معلومات استخباراتية إلى وجود اتفاق محتمل بين الحوثيين وحركة الشباب المجاهدين لتبادل التنسيق الأمني، وهو ما يعزز المخاوف من تحول البحر الأحمر إلى بؤرة أمنية إقليمية.
وأكد صالح أبوعوذل رئيس مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات في حديثه مع "الحل نت" "أن العلاقة بين الحوثيين – ذراع إيران في اليمن – وحركة الشباب الصومالية تطوّرت من مجرد تعاون محدود في مجال تهريب الأسلحة والطائرات المسيّرة، إلى شراكة استراتيجية أوسع تشمل التدريب وتبادل المعلومات الاستخباراتية. هذا التحوّل لا يمكن قراءته بمعزل عن الفراغ الذي خلّفه تراجع حزب الله اللبناني بعد الضربات الإسرائيلية ومقتل زعيمه حسن نصر الله. فالحوثيون اليوم، وفي ظل دعم إيراني مفتوح، يُعاد تأهيلهم كبديل إقليمي قابل للتمدد في مناطق نفوذ جديدة، بما فيها البحر الأحمر والقرن الإفريقي. الأخطر من ذلك، أن جماعة الحوثي لم تعد تُمثّل مجرد ذراع إيرانية فحسب؛ هناك مؤشرات تفيد بدخول أطراف دولية على خط تمويل الجماعة لاستهداف المصالح الأمريكية والغربية، وهو ما يفتح الباب أمام تحوّل الحوثيين إلى أداة “وظيفية” في صراع جيوسياسي أوسع".
زواج المصلحة السياسية
هذا التقارب الاستراتيجي لا يعكس إلا تطوير المصالح المشتركة. فلا يوجد تحالف تاريخي بين الحوثيين وحركة الشباب بسبب الاختلافات الطائفية - الحوثيون هم من الشيعة الزيديين، في حين عارضت حركة الشباب تقليديا التشيع - فإن المجموعتين تشتركان في عدو مشترك في الولايات المتحدة ولا يفصل بينهما سوى خليج عدن. حتى وقت قريب، لم يكن هناك ما يدعو الطرفين للتعاون. فقد كان تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، فرع حركة الشباب في اليمن، هدفًا لهجمات الحوثيين في الماضي. ويؤكد النجار علي الأسس المشتركة التي جمعت بين الحوثي وبين جماعة الشباب والتي تتجاوز الاختلافات في المذاهب الدينية قائلا :" الاسس المشتركة هي علاقة مصالح جمعت منذ سنوات بين الفصيلين تحت رعاية إيران وبإشراف من قادة تنظيم القاعدة المقيمين في ايران، وتقوم على تمويل ورعاية من المركز في طهران وتبادل بين الجماعتين للخبرات والسلاح والمال".
ومنذ عام 2022 حافظ تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية والحوثيون علي اتفاقية عدم اعتداء تضمنت التعاون في مجالي الأمن والاستخبارات، وتوفير ملاذات آمنة لبعضهما البعض، وتنسيق الجهود لاستهداف قوات الحكومة اليمنية. ويستفيد الحوثيون من دعم حركة الشباب لأنشطة القرصنة التخريبية في خليج عدن وغرب المحيط الهندي، بالإضافة إلى تنوع شرايين الإمداد. وهذا يُعزز قدرة الحوثيين على تهديد حركة الملاحة البحرية في المنطقة، ويُعزز نفوذهم في مواجهة الحكومة اليمنية المدعومة من الأمم المتحدة. ويساهم هذا التعاون في توسيع قدرات زعزعة الاستقرار لدى هذه الجماعات المسلحة على جانبي مضيق باب المندب، في حين يعمل على تعقيد تحديات مراقبة 1800 ميل من السواحل المعرضة للخطر على طول البحر الأحمر وخليج عدن وغرب المحيط الهندي. ويعكس تحالف الحوثيين والشباب استغلالَ منطقةٍ دوليةٍ خانقةٍ حيويةٍ على حدود اثنتين من أفقر دول العالم لتعزيز تهديد كلٍّ منهما. إن زيادةَ مواردهما المالية وخبرتهما التكنولوجية لا تُعيق أيَّ تقدمٍ في استقرار الصومال واليمن فحسب، بل تُوسِّع نطاقَ نفوذ كلٍّ من الجهات الفاعلة غير الحكومية في المنطقة وخارجها.
مكاسب حركة الشباب
رغم قدرتها على تصنيع العبوات الناسفة، وسرقة الأسلحة من الجيش الوطني الصومالي وقوات الاتحاد الأفريقي، والحفاظ على تجارة تهريب الأسلحة (مثل قاذفات الصواريخ والرشاشات وبنادق القنص )، إلا أن حركة الشباب واجهت صعوبة في الحصول علي أسلحة متطورة وبمساعدتها في إبقاء طرق التجارة الحوثية مفتوحة وزيادة القرصنة قبالة الصومال، تلقت الحركة أسلحة وتدريبات متطورة من الحوثيين، بما في ذلك طائرات مسيرة مسلحة.وجدت الأمم المتحدة أن حركة الشباب تلقت تعليمات تقنية من الحوثيين وشحنات أسلحة من اليمن بين يونيو/حزيران وسبتمبر/أيلول 2024. واستُخدمت هذه الأسلحة في هجمات الشباب ضد قوات الاتحاد الأفريقي في سبتمبر/أيلول ونوفمبر/تشرين الثاني. كما اكتشفت الأمم المتحدة أن حركة الشباب أرسلت أكثر من اثني عشر عنصرًا إلى اليمن لتلقي تدريب من تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، بما في ذلك على تكنولوجيا الطائرات بدون طيار. في أغسطس/آب 2024، اعتقلت سلطات بونتلاند سبعة أشخاص يُشتبه بانتمائهم إلى حركة الشباب، وصادرت خمس طائرات مسيرة انتحارية. استخدمت حركة الشباب الطائرات المُسيّرة لسنوات لجمع المعلومات الاستخبارية، وإجراء الاستطلاع، وإنتاج أفلام دعائية، لكنها لم تستخدمها بعد. يعتقد الخبراء أن هذه مجرد بداية لأسلحة أكثر تطوراً قد تأتي بعد التدريب الحوثيين. وقد أظهرت حركة الشباب قدرات أكبر واستخدامًا للطائرات المُسيّرة في هجومها عام 2025، حيث تمكنت من استعادة مساحات واسعة من الأراضي التي استولت عليها الحكومة الصومالية في السنوات السابقة. ويذهب النجار إلي القول بأن :"بالطبع العلاقة أفادت الجماعتين بشكل كبير وقد طرأ تطور على ادائهما العسكري خلال السنوات الأخيرة مستفيدا من الخبرات والتدريب والسلاح النوعي المهرب وقد صدرت تقارير استخبارية عديدة تكشف اسرار هذا التعاون المتطور وتبين مدى دوره واسهامه في تطوير أداء الفصيلين العسكري والمالي وكذلك التعاون بينهما أدي إلي حصول حركة الشباب علي الأسلحة المتطورة ، وفي المقابل علي حركة الشباب زيادة نشاط القرصنة داخل خليج عدن وعلي السواحل الصومان، بالإضافة إلي المكاسب التي تحصل عليها في حال الاستيلاء علي السفن. فقد تحصل حركة الشباب علي حصة قدرها 20 في المائة من ما تم الحصول عليه، ولهذا ربما يكون هناك اتفاق ثلاثي بين الحوثي ... وجماعة حركة الشباب... والقراصنة !!!!".
المستفيد الأكبر ...إيران
صبّ تعاون الحوثيين مع حركة الشباب وتنظيم الدولة الإسلامية في الصومال بشكلٍ غير مباشر في خدمة إيران، إذ منحها عمقاً استراتيجياً في الصومال والقرن الأفريقي، ووسّع قدرتها على إعادة تشكيل ديناميات الأمن البحري في خليج عدن ومضيق باب المندب، ما أكسبها نفوذًا مهمًّا على عمليات نقل إمدادات النفط والغاز وغيرها من السلع التي تمرّ عبر خليج عدن إلى البحر المتوسط وأوروبا خلال الصراع في غزة. ويؤكد النجار علي أن :" أن علاقة الحوثيين بالجماعات غير الحكومية في القرن الإفريقي تتحقق من خلال الدعم من الحرس الثوري الإيراني؛ لأن هذه العلاقات بين أدوات إيران يعني بشكل غير مباشر التعمق والتدخل الإيراني في القرن الإفريقي مصحوباً بشعارات واهية لا تخدم إلا التمدد الإيراني. ولهذا فالتعاون مستمر ولم يتأثر كثيرا بالأحداث الأخيرة وبالحرب الإيرانية والاسرائيلية، وقد يشهد تطورا خلال الفترة القادمة بالنظر لرغبة إيران في تقوية أذرع غير تقليدية بمناطق استراتيجية تعوض بها تراجع اذرعها التقليدية في قلب الصراع مثل حزب الله وحماس". وقد أشار تقريرٌ صادرٌ عن فريق خبراء الأمم المتحدة المعنيّ باليمن في تشرين الأول/أكتوبر 2024 إلى أن الحوثيين يعمَلون على "تقييم الخيارات المتاحة لتنفيذ هجمات في البحر من الساحل الصومالي"، بعد نقل طائرات مسّيرة وصواريخ إلى الصومال. علاوةً على ذلك، سمحت روابط الحوثيين بحركة الشباب وتنظيم الدولة الإسلامية في الصومال لهذه الأطراف بتنويع أساليب الدخول إلى المناطق البحرية الصومالية، ومنحها درجةً من الإنكار المعقول للمسؤولية. فعلى سبيل المثال، زعم القيادي الحوثي عبد الملك العجري في تشرين الثاني/نوفمبر 2023 أن حركة أنصار الله استولت على ناقلة "سنترال بارك"، لكن القراصنة الصوماليون هم من نفّذوا في الواقع هذه العملية بالتنسيق مع الحوثيين، ما يُظهر أن الفريقَين يتعاونان ويمارسان نفوذًا مشتركًا في المنطقة. إذًا، تنخرط جهات متعدّدة على نحو متزايد في الهجمات البحرية في خليج عدن، ما يسمح للإيرانيين والحوثيين بتعطيل حركة التجارة في البحر الأحمر وخليج عدن عندما يصبّ ذلك في مصلحتهم.
ويختم أبو عوذل حديثه أن الجماعة الحوثي هي حلقة الوصل بين إيران والقرن الإفريقي فأن الحل الجذري لهذا التهديد المتفاقم لا يمكن إلا بإعادتهم إلى معقلهم في جبال صعدة ونزع سلاحهم. خلاف ذلك، فإن اليمن مقبل على أن يتحول إلى ساحة تهديد أمنية عالمية، خاصة في ظل تصاعد الهجرة غير الشرعية من القرن الإفريقي إلى السواحل اليمنية. فطوال الشريط الساحلي الممتد من باب المندب وحتى المهرة، يتدفق المئات من المهاجرين غير الشرعيين، واللافت أن كثيرًا منهم يُهرَّب إلى مناطق سيطرة الحوثيين.
والسؤال الذي يفرض نفسه: هل يتم تجنيد هؤلاء في مهام مستقبلية؟ لدينا سوابق تؤكد أن الحوثيين جنّدوا بالفعل عشرات من المهاجرين الأفارقة، بعضهم قُتل خلال المواجهات مع القوات الحكومية، خلال الحرب بين 2015- 2020م، وهذا يُشير إلى احتمال قيام الجماعة ببناء وحدات قتالية “عابرة للهوية” تُستخدم في مشاريعها القادمة.
المصدر: 7al.net