عبدالرزاق الزرزور يكتب لـ(اليوم الثامن):

نظام الملالي بين السقوط الخارجي والانفجار الداخلي

تعيش المنطقة اليوم مرحلة تحوّلٍ عميقة أعادت رسم توازن القوى وكشفت زيف الشعارات التي طالما استخدمها نظام ولاية الفقيه لتبرير تدخلاته؛ فالحرب في غزّة وما تبعها من وقفٍ لإطلاق النار لم تكونا مجرد محطةٍ عابرة بل شكّلتا نقطة انهيارٍ جديدة لمشروعٍ إقليمي حاول خامنئي من خلاله حماية نظامه من السقوط عبر تصدير الأزمات وإشعال النزاعات.

لقد راهن المرشد الإيراني على الحرب كورقة إنقاذ من الاحتقان الداخلي معتقدًا أن توتير المنطقة سيخفّف ضغط الانتفاضات الشعبية ويمنحه هامش مناورةٍ أمام العقوبات الدولية.. لكنّ اتفاق السلام الأخير في غزّة أثبت أن حساباته كانت واهمة؛ إذ تحوّل “العمق الاستراتيجي” الذي كان يتفاخر به النظام إلى عبءٍ سياسي وأمني بينما انفضّت عنه العواصم العربية واحدةً تلو الأخرى.

تراجع النفوذ وسقوط “محور المقاومة”

لم تعد أيّ دولة عربية مستعدة لتغطية مغامرات طهران أو لتبنّي خطابها الطائفي، والحروب التي أشعلها النظام في اليمن وسوريا ولبنان لم تثمر سوى على دمارٍ شامل وتآكلٍ في مكانة إيران الإقليمية؛ حتى داخل الأوساط الإعلامية للنظام بدأت تظهر لهجة اعترافٍ غير مسبوقة: الصحف التي كانت تمجّد “المقاومة” صارت تتحدث عن “شرق أوسط جديد ضد إيران” وتقرّ بأن استمرار الصراع لم يعد خيارًا مربحًا بل خطأً استراتيجيًا كلّف البلاد عزلتها ومواردها.

ما يعيشه النظام اليوم هو انهيارٌ مزدوج: فقد سقطت فكرة “الوكالة” كأداة ردع، وانهار الخطاب الدعائي الذي كان يقدّم نفسه من خلاله كمدافعٍ عن فلسطين.. فوقف النار في غزّة لم يكن سلامًا مع إسرائيل فحسب بل صفعةً قاسيةً لمشروعٍ إيرانيٍّ بُني على المتاجرة بدماء الشعوب.

الداخل يغلي… والإعدامات سلاح اليأس

وفي الوقت الذي يخسر فيه خامنئي عمقه الخارجي يشهد الداخل الإيراني غليانًا متصاعدًا بسبب الانهيار الاقتصادي وعودة العقوبات الأممية بعد تفعيل “آلية الزناد”؛ النظام الذي فقد أدواته السياسية عاد إلى سلاحه الأوحد: المشانق.. فالإعدامات الجماعية تحوّلت إلى سياسة ممنهجة لبثّ الرعب ومنع اندلاع انتفاضةٍ جديدة.. لكن هذه السياسة الدموية لم تعد تمرّ بصمت؛ ففي اليوم العالمي لمناهضة الإعدام احتضنت لندن مؤتمرًا دوليًا كبيرًا جمع المئات من البرلمانيين والمدافعين عن حقوق الإنسان من أوروبا وأمريكا والذين طالبوا بدورهم بتحركٍ عاجل لوقف أحكام الإعدام في إيران ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم ضد الإنسانية، وقد حظي المؤتمر بتأييد واسع لكلمة مريم رجوي التي أكدت أنّ هذه الإعدامات ليست سوى وسيلة بقاءٍ لنظامٍ مأزومٍ يخاف من شعبه.

البيان الصادر عن المؤتمر والموقّع من أكثر من ٥٠٠ شخصية دولية كشف أن هناك شخصًا يُعدَم كل ثلاث ساعات ونصف في إيران، وهو رقمٌ مرعب يعكس وحشية غير مسبوقة في سجلّ هذا النظام، ومع تزايد الإعدامات ضد السجناء السياسيين وأعضاء المقاومة الإيرانية أصبح المجتمع الدولي أمام اختبارٍ أخلاقي.. فهل يستمرّ في الصمت أم يربط علاقاته مع طهران بوقفٍ فوريٍّ لهذه الجرائم؟

ختاماً.. تتزامن هزيمة النظام الإيراني في غزّة مع فضيحته الحقوقية في الداخل، ليظهر بوجهه الحقيقي.. نظامٌ فاشل خارجيًا، وقاتل داخليًا؛ لم يعد قادراً على الادّعاء بأنه “محور مقاومة” بعد أن صار محوره الحقيقي هو الخوف من السقوط، وفي المقابل تزداد مكانة المقاومة الإيرانية باعتبارها البديل الديمقراطي الوحيد القادر على إعادة التوازن إلى إيران والمنطقة عبر مشروعٍ يقوم على الحرية والمساواة وفصل الدين عن الدولة.

بعد سقوط عقيدة “محور المقاومة” وفضيحة الإعدامات في الداخل فإنّ ما بعد غزّة وما بعد لندن لن يكون كما قبلهما.. فالشرق الأوسط يطوي صفحة النفوذ الإيراني، والشعب الإيراني يفتح صفحة النهاية لنظامٍ لم يعرف سوى القمع والحروب.

عبدالرازق الزرزور / ناشط حقوقي وسياسي سوري