أزمة الكهرباء في اليمن..
حقوق الإنسان في خطر.. أزمة الكهرباء تُفاقم الوضع الإنساني في عدن
أزمة انقطاع الكهرباء في عدن ليست مجرد تحدٍ تقني، بل انتهاك صارخ لحقوق الإنسان الأساسية، بما في ذلك الحق في الغذاء، الصحة، المياه النظيفة، التعليم، ومستوى معيشي لائق

وقفة احتجاجية أمام مقر حكومة مجلس القيادة الرئاسي المؤقت في معاشيق - مراد محمد

مقدمة: تُعد أزمة انقطاع التيار الكهربائي المستمرة في عدن/اليمن ليست مجرد تحدٍ لوجستي، بل انتهاكًا مباشرًا وغير مباشر لحقوق الإنسان الأساسية للسكان، ولا سيما الحق في الغذاء الكافي، الحق في الصحة، والحق في مستوى معيشي لائق.
"يُعتبر الحق في الكرامة الإنسانية مبدأً راسخاً في التشريعات الوطنية والدولية. ففي الدستور اليمني، المادة (48) تنص صراحة على أن 'الكرامة الإنسانية مصونة، ويجب معاملة كل إنسان باحترام وتقدير'. كما تؤكد المادة (10) على أن "اقتصاد الجمهورية اليمنية يقوم على أساس التخطيط العلمي الهادف إلى تحقيق التنمية الشاملة ورفع مستوى معيشة المواطنين , الا ان المادة لا تنص صراحة على 'الحق في الكهرباء' كحق مستقل، لكنه يؤسس لالتزام الدولة بتوفير مستوى معيشي لائق لان المادة (10) تتحدث عن 'التنمية الشاملة ورفع مستوى معيشة المواطنين'، والمادة (29) التي تؤكد على 'رعاية الدولة للشعب أساسها العدل والمساواة والحرية والتكافل الاجتماعي'. وفي القانون الدولي، يُعتبر الحق في الحصول على مياه الشرب المأمونة والنظافة الصحية حقاً إنسانياً معترفاً به صراحةً، كما أكد عليه قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2010 والتعليق العام رقم 15 للجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
و لا يوجد "حق في الكهرباء" منفصل بحد ذاته، لكن الحصول على الطاقة (بما في ذلك الكهرباء) يُعتبر عنصراً أساسياً لتحقيق العديد من حقوق الإنسان الأخرى المنصوص عليها في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (ICESCR)، وعلى الصعيد الدولي، يؤكد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في ديباجته والمادة (1) على أن 'الإقرار بالكرامة المتأصلة في جميع أعضاء الأسرة البشرية وبحقوقهم المتساوية وغير القابلة للتصرف هو أساس الحرية والعدل والسلام'، وأن 'يولد جميع الناس أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق'."
1. الحق في الغذاء الكافي والأمن الغذائي:
يؤدي الانقطاع المتكرر والطويل للكهرباء إلى فساد الأطعمة الأساسية (لحوم، ألبان، خضروات، فواكه)، مما يحرم الأسر من الوصول إلى غذاء صحي وآمن ومتنوع. حيث يشعر المواطنون بقلق شديد حتى من طرق التخزين في البقالات والمحلات التجارية يعبر ادهم ان الحصول على غذاء يحتاج للتبريد رفاهية للأغنياء الذين يمتلكون مولدات خاصة، بينما يحرم الفقراء من هذا الحق الأساسي.
يُعد توفر الكهرباء شرطاً لا غنى عنه لضمان توفر الماء، حيث تعتمد مضخات المياه بشكل كبير على الطاقة الكهربائية. وبالتالي، فإن انقطاع الكهرباء يؤدي مباشرة إلى شح المياه، مما يؤثر على النظافة الشخصية والعامة، ويزيد من مخاطر انتشار الأمراض. كما أن غياب الكهرباء يضر بشكل كبير بالوصول إلى خدمات الصحة والتعليم، والتي تُعد حقوقاً أساسية بموجب المواد (12) و(13) من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. فالمستشفيات لا تستطيع العمل بكفاءة، والطلاب يُحرمون من فرص التعلم ليلاً، مما يعيق تطورهم ومستقبلهم."
"معاناة لا تطاق. هكذا تصف أم فهد، يومها وهي ربة منزل، في ظل انقطاع التيار الكهربائي لساعات لا حصر لها، والحرارة الخانقة تزيد الأمر سوءًا والظلام الدامس يؤثر على الراحة النفسية والاجتماعية للأسر، وصعوبة القيام بالأنشطة اليومية الأساسية (الطهي، النظافة الشخصية). الأصعب هو أن هذا يعني انقطاع الماء كذلك، فمضختنا (الدينمو) لا تعمل بدون كهرباء. ليس بيدي حيلة، فليس لدي مولد ولا حتى ألواح شمسية. الوضع كارثي بكل ما تعنيه الكلمة."
2. الحق في الصحة و التأثير على الدواء: خطر على الحياة والكرامة
تعتمد العديد من الأدوية الأساسية، وخصوصاً تلك التي تتطلب التبريد مثل الإنسولين وبعض اللقاحات، على توفر الكهرباء للحفاظ على فعاليتها. انقطاع التيار الكهربائي يُعرض هذه الأدوية للتلف، مما يُحرم المرضى من العلاج الضروري ويُشكل خطراً مباشراً على حياتهم.
إن ما حدث للطالبة "ص. ع." (26 عامًا) وفقدانها لدواء الكلى البالغ قيمته 40 دولارًا بسبب انقطاع الكهرباء، هو مثال صارخ ومؤلم على التأثير المدمر لأزمة الكهرباء على حياة المواطنين في اليمن. هذه ليست مجرد خسارة مالية، بل هي تهديد مباشر لصحة وحياة الأفراد الذين يعتمدون على الأدوية التي تتطلب شروط تخزين معينة.
قصة الطالبة "ص. ع." ليست حالة فردية؛ إنها صرخة استغاثة تعكس واقع ملايين اليمنيين الذين يكافحون من أجل البقاء في ظل هذه الظروف القاسية. إن توفير الكهرباء ليس رفاهية، بل هو ضرورة قصوى لضمان الأمن الصحي والمعيشي للمواطنين.
3.أزمة الكهرباء تلتهم "سكر نبات": قصة مشروع منزلي على وشك الانهيار
في مديرية الشيخ عثمان، تُناضل أفراح رضوان عبد الكريم لإنقاذ مشروعها المنزلي "سكر نبات"، الذي كان يومًا نافذة أمل لعائلتها. اليوم، هذا الأمل يواجه خطرًا حقيقيًا بسبب أزمة الكهرباء الخانقة في اليمن.
انقطاع التيار المتواصل يُحوّل عمل أفراح إلى كابوس:
موادها الخام تتلف: الحليب، الزبدة، والعجائن، أساس "سكر نبات"، تُفسد داخل الثلاجات، لتُصبح خسائر مادية قاسية لا تُمكن تعويضها.
العمل يتوقف: الخلاط والفرن، الأدوات الحيوية لإنتاجها، تبقى صامتة لساعات طويلة، لتُعيق قدرتها على تلبية الطلبات وتُقلص دخلها بشدة.
لا بدائل في الأفق: لا تملك أفراح المال لشراء مولدات أو ألواح شمسية؛ فدخل المشروع لا يكفي حتى للاحتياجات الأساسية.
قصة أفراح ليست مجرد أرقام، بل هي صرخة من قلب كل أسرة يمنية تُكافح من أجل البقاء في ظل هذا الظلام.
أناشد الجهات المعنية والمنظمات المحلية والداعمين النظر في وضعنا، نحن الأسر المنتجة البسيطة التي لا تملك دعماً أو ظلاً تستند إليه. نحتاج إلى حلول عاجلة مثل دعم كهربائي خاص للمشاريع الصغيرة، توفير منظومات طاقة بديلة، أو مساعدات إنسانية لتغطية الخسائر التي لحقت بنا.
قطاع الضيافة في مأزق: أصحاب الشقق المفروشة يرزحون تحت وطأة أزمة الكهرباء
يشرح صاحب إحدى الشقق المفروشة في عدن الوضع بمرارة: "لقد تدهورت الأوضاع الاقتصادية بشكل غير مسبوق، وأصبحنا غير قادرين على تحقيق أي ربح يُذكر. السبب الرئيسي هو أن جلّ المبالغ المالية التي نحصل عليها تذهب بالكامل لشراء وقود الديزل اللازم لتشغيل المولدات. هذا هو السبيل الوحيد الذي نضمن به توفير خدمة كهرباء مستقرة وجيدة لزبائننا، الذين يتوقعون هذا الحد الأدنى من الخدمة في ظل غياب الكهرباء الحكومية."
تأثير انقطاع الكهرباء على قاعات الأفراح
تعتمد قاعات الأفراح بشكل كبير على توفر الكهرباء لتقديم خدماتها، ومع الانقطاعات المتكررة، يجد أصحابها أنفسهم أمام خيار وحيد: شراء مولدات كهربائية ضخمة. هذه المولدات، على الرغم من كونها حلاً مؤقتًا، إلا أنها تُشكل عبئًا ماليًا هائلاً بسبب ارتفاع تكاليف الوقود: تستهلك المولدات كميات هائلة من الديزل، مما يُقلص هوامش الأرباح بشكل كبير.
تكاليف الصيانة والإصلاح: تُعد الأعطال المفاجئة للمولدات كارثة حقيقية. فتكاليف الإصلاح وقطع الغيار قد تتجاوز أرباح سنوات عديدة، مما يدفع بالأعمال التجارية إلى هوة الخسارة.
وقف قبول الحجوزات الجديدة: أصبح الاستمرار في العمل يعني تكبد المزيد من الخسائر.
تداعيات اجتماعية وإنسانية خطيرة
الضرر لا يقع على صاحب العمل فقط، بل يمتد ليشمل 9 موظفين يعتمدون كليًا على عملهم في القاعة. هؤلاء الموظفون، الذين لا يملكون مصدر دخل آخر، سيُصبحون عاطلين عن العمل، مما يزيد من البطالة ويُفاقم المعاناة المعيشية.
إن استمرار هذه الأزمة لا يُهدد مصدر الدخل فحسب، بل يُمس كرامة الإنسان ومعيشته ومعيشة أطفاله. إنها صرخة استغاثة تُطالب بحلول جذرية لإنقاذ هذه المشاريع والأسر التي تعتمد عليها.
وتعكس هذه الشهادة واقعًا مؤلمًا؛ فالموارد التي كان من المفترض أن تغطي تكاليف التشغيل الأخرى أو تحقق هامش ربح، تُستنزف الآن بالكامل في بند واحد هو الوقود، مما يضع أصحاب هذه المنشآت أمام خيارين أحلاهما مر: إما خسارة الزبائن بعدم توفير الكهرباء، أو تكبّد خسائر مالية في سبيل الحفاظ على الحد الأدنى من الخدمة. هذا الوضع لا يهدد استمرارية عملهم فحسب، بل يفاقم الأزمة الاقتصادية العامة ويُقلص من فرص التعافي لأحد القطاعات الخدمية الهامة في البلاد.
لقد دمر الصراع طويلُ الأمد في اليمن قطاعَ الطاقة وأدى إلى تفاقم النقص في إمدادات الطاقة بالفعل، مما جعل المناطق الريفية تعتمد على استخدام الكيروسين. ويؤدي هذا إلى تفاقم الأزمات في قطاعات الرعاية الصحية والمياه والتعليم، كما أن انقطاع التيار الكهربائي يحد أيضاً من قدرة الأطفال على مذاكرة دروسهم في المساء ويسهم في زيادة المخاوف بشأن أمن النساء وسلامتهن، مما يعمق الفوارق بين الجنسين.
دعوة للتحرك العاجل
مؤسسة نبض الحياة الخيرية التنموية، من خلال رئيسها الأستاذة ساره صالح حسين اليافعي، تؤكد ان المعاناة التي يعيشها مجتمع عدن تحت وطأة الظلام والحرارة وفقدان الأساسيات تتطلب تحركًا عاجلاً وجادًا على أعلى المستويات من الجهات المسؤولة المحلية والمجتمع الدولي. استمرار هذا الوضع المأساوي ليس خيارًا مقبولًا، فهو يُعد انتهاكًا صارخًا للحقوق الإنسانية الأساسية. و تُطالب بإنهاء معاناة مدينة عانت بما يكفي، وإعادة النور الذي هو حق أساسي لكل إنسان يعيش على هذه الأرض. يجب أن تُوضع حلول مستدامة تضمن استقرار التيار الكهربائي، بما يكفل تحقيق التنمية الشاملة وحماية كرامة الإنسان في عدن.
تضارب التصريحات الصادرة من جهات حكومية مختلفة حول الأسباب الحقيقية للأزمة. فبينما يلقي البعض اللوم على نقص الوقود اللازم لتشغيل المحطات، يتحدث آخرون عن تهالك البنية التحتية للمحطات التي لم تخضع للصيانة منذ سنوات طويلة، بينما يشير البعض الآخر بأصابع الاتهام إلى سوء الإدارة والفساد كعامل رئيسي في تفاقم المشكلة. هذا التضارب في الروايات يزيد من حالة عدم اليقين، ويقوض أي ثقة قد تكون متبقية لدى المواطنين في قدرة الحكومة على معالجة الأزمة.
الخاتمة:
ان أزمة الكهرباء في اليمن ليست مجرد مشكلة فنية؛ إنها أزمة إنسانية عميقة الجذور، تقوض الحقوق الأساسية للمواطنين في العيش الكريم والصحة والوصول إلى الخدمات الأساسية. ومع استمرار صمت الجهات الرسمية وتضارب التصريحات، يبقى المواطنون في مواجهة مصير مظلم، ينتظرون بصيص أمل قد ينير حياتهم مجددًا
المراجع
العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية
إنارة الحياة: إدخال النور والأمل إلى جيبوتي واليمن - مجموعة البنك الدولي