العودة إلى نقطة الصفر..

تقرير: كيف عبرت الاذرع الإيرانية رفض تمديد الهدنة الأممية في اليمن؟

عندما يتعرض أمن الطاقة للتهديد، فإنه لا يُبقي متسعا للمناورات السياسية التي تحجب النظر عن الطرف المسؤول

قادة ميليشيات الحوثي يطالبون المجلس الرئاسي بصرف رواتب المجندين العسكريين في صفوف الميليشيات أسوة بالموظفين المدنيين

عدن

شنت الاذرع الإيرانية في اليمن هجمات استهدفت مناطق حيوية في محافظتي تعز ولحج، حيث واجهت صدا منيعا من الجيش اليمني والقوات الجنوبية وتكبدت المليشيات الإرهابية خسائر فادحة.

وقال بيان صدر الثلاثاء عن محور تعز العسكري، إنه أحبط هجومين لمليشيات الحوثي على جبهتين غربي وشرقي محافظة تعز الخاضعة لحصار مشدد منذ 8 أعوام.

وبحسب البيان، فإن المعارك العنيفة خلفت "مقتل عدد من عناصر مليشيا الحوثي المهاجمة" على الجبهتين غربا والتي كانت فيها المعارك طاحنة وشرقا من مدينة تعز.

وفي ذات الصدد، قالت القوات الجنوبية: إن مليشيات الحوثي المدعومة إيرانيا شنت هجوما عنيفا على مواقعها في مديرية الحد يافع في محافظة لحج (جنوب) خلال الـ24 ساعة الماضية.
وذكر البيان أن القوات الجنوبية أخمدت محاولة استهداف مليشيات الحوثية الإرهابية لمناطق عديدة منها بلدتا "آل الحيد" و"ريشان" وبقية المناطق على الشريط الحدودي بين يافع والزاهر التابعة لمحافظة البيضاء، وسط اليمن.
وقال قائد محور يافع العسكري العميد عبدالعزيز المنصوري، إن الاشتباكات بدأت في وقت مبكر من أمس الإثنين وصاحبها قصف متبادل بالمدفعية الثقيلة.

وأكد أن القوات الجنوبية تصدت لهجوم مليشيات الحوثي وردت بحزم على مصادر النيران ما أسفر عن إخمادها وتكبدت مليشيات الحوثي قتلى وجرحى.
وتأتي المعارك في تعز ولحج عقب يومين من انتهاء الهدنة الأممية بين الحكومة اليمنية ومليشيات الحوثي، وذلك إثر رفض الانقلابيين لمقترح أممي بتمديدها 6 أشهر إضافية.
ولاقى رفض مليشيات الحوثي لمقترح الهدنة إدانات دولية واسعة، ورفضت دول المنطقة ومجلس الأمن خطاب الانقلابيين الذي يهدد شركات الشحن التجارية والنفط العاملة في المنطقة.

وانتهت الهدنة التي استمرت ستة أشهر في اليمن وفتحت الباب أمام العديد من التكهنات بمستقبل الأوضاع في البلد المنهك من الحرب. وهناك آراء تحمّل الحوثي مسؤولية انهيار السلام وتضع الحكومة اليمنية أمام مفترق طرق، فهي إما أن تختار المناورة والصبر أو أن تشن حربا كبرى على الحوثي لا تنتهي إلا باستسلامه ودحره من مناطق سيطرته، وذلك في حال استهدفت الميليشيا أمن الطاقة في المنطقة. 

وشمل عرض الهدنة الجديد وقف إطلاق النار لمدة ستة أشهر و”دفع رواتب موظفي الخدمة المدنية، وفتح طرق محددة في تعز ومحافظات أخرى، وتسيير وجهات إضافية للرحلات التجارية من وإلى مطار صنعاء، ودخول

سفن الوقود إلى ميناء الحُديدة دون عوائق، وتعزيز آليات خفض التصعيد من خلال لجنة التنسيق العسكرية والالتزام بالإفراج العاجل عن المحتجزين، كما تضمّن الشروع في مفاوضات لوقف إطلاق النار واستئناف عملية سياسية شاملة، وقضايا اقتصادية أوسع، بما في ذلك الخدمات العامة”.

وتضمن العرض أيضا مطالبة الحوثي بأن يستخدم عائداته من الموانئ الثلاثة التي يسيطر عليها في دفع جانب من رواتب الموظفين الحكوميين، لكي لا تتحول هذه العائدات إلى دعم للمجهود الحربي للجماعة، وهو أمر لا يتوافق مع أسس الحل السلمي، حيث يتعين أن تدخل كل العائدات إلى خزانة الدولة ليتم إنفاقها على مستوى وطني واحد لجميع مستحقيها، لا أن تحظى ميليشيات مسلحة بعائدات خاصة بها، كما هو الحال في لبنان حيث يسيطر حزب الله على عائدات خاصة به من المعابر غير الشرعية ومن الموانئ. وهو ما يحرم ميزانية الدولة من مصدر رئيسي من مصادر العائدات.

وروّج بعض قادة ميليشيات الحوثي الإرهابية لعدد من الشروط التعجيزية للعودة إلى الهدنة الأممية.

وطلبت قيادات الجماعة الموالية لإيران بدفع رواتب مقاتليها، رافضين المقترح الجديد المقدم من المبعوث الأممي رغم تضمنه شروطها بإضافة بند صرف المرتبات للموظفين المدنيين في مناطق سيطرتها، وفق ما نقل موقع "يمن نيوز".

وأشارت هذه القيادات من خلال تغريداتها إلى رفض الجماعة لما تضمنه المقترح بحصر صرف الرواتب للموظفين المدنيين في مناطق سيطرتها وفق كشوفات 2014.

قادة ميليشيات الحوثي يطالبون المجلس الرئاسي بصرف رواتب المجندين العسكريين في صفوف الميليشيات أسوة بالموظفين المدنيين

وأقرت قيادات الحوثي بأنّها طالبت بأن يشمل الصرف مرتبات العسكريين والأمنيين بمناطق سيطرتها وفق كشوفات 2014 كمرحلة أولى فقط، على أن يشمل الأمر لاحقاً من قامت بتوظيفهم في مؤسسات الدولة ومن قامت بتجنيدهم في صفوف ميليشياتها.

وقال القيادي الحوثي عبد الملك العجري: إنّ جماعته طالبت "بالمساواة بين الموظفين اليمنيين في كل محافظات الجمهورية مدنيين وعسكريين"، متسائلاً: ففي أيّ قانون وبأيّ حق تريدون منا الموافقة على حرمان الشرطي ورجل المرور ورجل الأمن في المحافظات الخاضعة لسيطرتهم من حقهم في الراتب.

في حين كشف القيادي الحوثي حسين العزي أنّ زعيم الجماعة وافق على مقترح صرف رواتب الموظفين وفق كشوفات 2014 "كبداية فقط" حسب قوله، موضحاً أنّ هذه الموافقة جاءت رغم أنّ "معظم الثوار ليسوا ضمن هذه الكشوفات"، في إشارة إلى من قامت الميليشيات بتوظيفهم خلال الأعوام الماضية.

وهاجم العزي رفض طلب الجماعة بأن يشمل الصرف العسكريين والأمنيين بكشوفات 2014 المقاتلين في صفوف الجماعة، متوعداً بالقول: ارفعوا أيديكم سريعاً قبل أن نقول دفعة واحدة لكل الكشوفات.

 وأثارت هذه التصريحات سخرية واسعة من قبل الناشطين والمتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي من جرأة جماعة الحوثي في أن تشترط على المجلس الرئاسي دفع رواتب لميليشياتها مقابل قتالها ضده.

وويقر المبعوث الأممي هانس غروندبرغ ضمنيا بأن الحكومة اليمنية والأطراف الإقليمية المتحالفة معها قدمت الكثير من التسهيلات لتمديد الهدنة. وهو ما يعني أنها ليست هي الطرف الذي يتحمل المسؤولية إذا ما تجددت المعارك.

ويرى البعض أن بعض مطالب الحوثيين تكاد تكون تعجيزية، حيث تعتبر الخبيرة في شؤون الشرق الأوسط إليزابيث كيندال أن مطالب الحوثيين “غير واقعية في هذه المرحلة المبكرة”، معتبرة أنهم يطالبون بما يعدّ “تنازلات سيكون من الصعب للغاية تقديمها في غياب أي محادثات سلام منظمة”.

وبحسب كيندال، فإنّ “الانطباع الموجود هو أن الحوثيين غير مهتمين حقا بمواصلة الهدنة”.

ويرى الباحث في مركز “مالكوم كير – كارنيغي” ومقره بيروت أحمد ناجي أنّ الهدنة “فشلت بسبب خلل التوازن في طرفي معادلة الحرب”.

ويوضح أن “جماعة أنصار الله (الحوثيون) تعتقد أنها الطرف الأقوى بعد سبع سنوات من الصراع، وأن الحرب لا يجب أن تنتهي عند هذه النقطة، وأنهم يستطيعون الحصول على مكاسب إضافية خصوصًا مع الرغبة الكبيرة في تجديد التسوية (الهدنة) لدى الطرف المناوئ”.

ويجعل كل ذلك من “الصبر الإستراتيجي” الخيار الأول للحكومة اليمنية ودول التحالف العربي. وهو أمر يتوافق أيضا مع الرغبات الدولية.

لكن تجدد المعارك على نطاق واسع، سوف يملي على الحكومة اليمنية الأخذ بالخيار الثاني، وهو خوض المعركة من دون مشاركة القوات التابعة للتحالف العربي، وعلى وجه التحديد من دون استئناف الضربات الجوية التي تقودها السعودية والتي كانت سببا للكثير من الانتقادات. وذلك أملا في أن يبقى النزاع داخليا، ولا يمتد إلى الخارج.

ولكن حالما يشرع الحوثي في استهداف المنشآت النفطية السعودية أو الإماراتية، فإن وجه المعركة سوف يعود إلى منقلبه الأول، حيث تستأنف العمليات القتالية على نطاق واسع برا وبحرا وجوا.

واستطاعت القوات الحكومية خلال الأشهر الستة الماضية تعزيز قدراتها. وحصلت على أسلحة جديدة، كما نجحت في إعادة ترتيب أوضاعها الداخلية بما جعلها قوة قادرة على التصدي لأي عمليات قتالية جديدة، بل وربما تكون قادرة أيضا على طرد الحوثي من بعض مناطق سيطرته الراهنة، لاسيما في الحديدة والأطراف الشمالية لمأرب وتعز.

والسؤال الرئيسي الذي يواجه هذا الخيار، هو ما إذا كانت الولايات المتحدة والأطراف الدولية الأخرى سوف تعود لتستأنف الضغوط ضد السعودية والإمارات لوقف عملياتها الهجومية ضد مواقع الحوثي.

والثقة تبدو معدومة في الرياض وأبوظبي من أن واشنطن سوف تتبنى الموقف الصحيح، بإدانة موقف الحوثي من الهدنة وتحميل هذه الجماعة المسؤولية عن استئناف العمليات القتالية.

والثقة معدومة أكثر إذا ما اتخذت الأعمال القتالية المستوى الملائم الذي يدفع إلى فرض التراجع على الحوثي بالقوة.

وهناك قناعة واسعة بأن الحرب في مراحلها الأخيرة قبل بدء الهدنة في أبريل الماضي، كان من الممكن أن تحقق نتائج حاسمة. إلا أنها توقفت لكي تعطي أملا للسلام، ولكي تبدو تنازلا أمام الرغبة الدولية في وقف القتال والحد من المعاناة الإنسانية.

"الصبر الإستراتيجي" هو الخيار الأول للحكومة اليمنية ودول التحالف العربي. وهو أمر يتوافق أيضا مع الرغبات الدولية

لكن استئناف المعارك، هذه المرة، يفترض أن يمر من دون عوائق، واحتجاجات وبكائيات كتلك التي غلبت على أجواء الموقف الأوروبي والأميركي من الأزمة. فالسبب وراء الحرب التي استمرت لسبع سنوات، إذا كان غامضا من قبل، فإنه لم يعد غامضا الآن. والمسؤولية عن التبعات الإنسانية للحرب، معروف الآن على كتف مَنْ تقع. وعندما يتعرض أمن الطاقة للتهديد، دع عنك محاولات الابتزاز المسبقة، فإنه لا يُبقي متسعا للمزيد من المناورات السياسية التي تستهدف حجب النظر عن الطرف المسؤول وتوجيه اللوم إلى الطرف الذي يدافع عن نفسه.

ويتوقّع ناجي “استمرار الاتصالات المكثفة لإقناع الحوثيين بتجديد الهدنة”، ولكنّه أشار إلى أنّه “في حالة الوصول إلى طريق مسدود، فإنّ الحرب ستشهد جولة جديدة من المواجهات العسكرية أكثر ضراوة من ذي قبل”.

وهناك أيضا ما يبرر الاعتقاد، بأن الحرب إذا ما استؤنفت على نطاقها الواسع، فإنها يجب ألا تتوقف قبل أن يعلن الحوثي استسلامه أو أن يتم طرده من مناطق سيطرته الراهنة، وخاصة من العاصمة صنعاء.

وسوف تنشأ فرص السلام الحقيقية في ذلك الوقت لتكون أكثر استقرارا. ولا يحتاج الحفاظ عليها إلى التعرض لتهديدات أو أعمال ابتزاز.