"احتمالات وسيناريوهات"..

تحليل: سقطرى.. كيف تبدد حلم بسط السيطرة والنفوذ الإخواني والتركي

سقطرى انتفضت بشكل عفوي مدفوعة بمحركات الحراك الجنوبي الرافض للإخوان المسلمين

القاهرة

نبئنا علماء الارض أن الجزيرة العربية كانت ملتحمة بالقارة الإفريقية قبل الحادث الطبيعي الذي أوجد أخدود البحر الاحمر وخليج عدن، وحتى اليوم وطوال العصور الماضية ارتبطت تلك البقعتان بتداخل منطقي في مختلف المجالات، ولطالما كان هذا التداخل والتعايش واضحا بشكل أكثر جلاء بين اليمن الجنوبي وشعب الصومال، ودائما ما كانت الأحداث في احد هذين البلدين تؤثر وتتأثر بشكل كبير بالآخر، واللافت أن العلاقة بين الصومال وشعوب ودول الجزيرة العربية لم تسجل أي احتراب أو تقاتل بين الضفتين، وهذا أمر نادر بالنظر إلى مناطق العالم الأخرى المتجاورة.

لعبت الحواضر والمدن الرئيسية في جنوب الجزيرة مثل عدن ومدن الساحل الحضرمي (المكلا، الشحر) ومدن وحواضر الصومال مثل بربرة وبوصاصو وغيرها دورا محوريا في عملية التثاقف بين الشعبين .. ويظل لسقطرى دور محوري هو الأكثر أهمية في هذا السياق، فهي الجزيرة الجنوبية والعربية الأقرب للصومال، إذ لا تبعد عن السواحل الصومالية إلا بنحو 240 كيلو مترا.

ما يجعل الارخبيل السقطري حاسما في ماضي وحاضر ومستقبل الصومال، ومؤثرا قويا في أمن واستقرار الصوماليين، وهو ما دفع بكثير من المراقبين في الصومال إلى إبداء القلق الشديد من مغبة تحول سقطرى إلى مركز تهديد لهم وللأمن البحري في المنطقة والإقليم بعد سقوط الدولة في صنعاء وسيطرة الحوثيين على البلاد وانزلاقها في حرب أهلية لاتزال مستعرة منذ 7 سنوات، خصوصا مع مطامع لبعض الدول الإقليمية ظهرت واضحة في حالة التوسع التركي.

بسقوط صنعاء وحكمها المركزي أصبحت سقطرى جزيرة معزولة عن العالم بشكل نهائي ما فاقم معاناة أهلها المحرومين أصلا من كل مقومات الحياة، فطوال عقود وفي ظل الحكومات والدول لمتعاقبة لم تشهد سقطرى أي نوع من أنواع التنمية، وكانت دائما بعيدة عن الاهتمام ومهملة إلى حد النسيان.

بعد قيام التحالف العربي للدفاع عن اليمن، كان على هذا التحالف تأمين كل الممرات المائية والجزر لقطع طرق تهري بالسلاح للمليشيات، وصد مطامع بدت تحركاتها واضحة من التنظيمات الإرهابية كداعش والقاعدة وعصابات القرصنة والتهريب، كانت ترمي لتحوبلسقطرى إلى مركز ومنطلق لأنشطتها، وهو أمر لو حدث لكان أثر سلبا بشكل كبير على الصومال وأمنه واستقراره.

لكن التحالف العربي أرسل قواته إلى سقطرى عام 2016م وتمكن من التصدي لكل تلك التحركات ووأدها في مهدها، وتمكن من النأي بسقطرى عن الصراع والحروب، ما جعلها تنعم بحال استقرار وتنمية لم تشهدها من قبل.

بالعودة إلى المرحلة التي سبقت ذلك: أي قبل اشتعال الحرب الأهلية في اليمن عام 2014م كان حزب الإصلاح وهو الفرع اليمني لتنظيم الإخوان المسلمين في اليمن قد أحكم قبضته على سقطرى جراء اضطرابات 2011 واحداث ما سمي بالربيع العربي، والتي تسببت بتحلل الدولة اليمنية  وتلاشيها وتفككها فيما بعد.

وضعت هذه السيطرة الجزيرة المسالمة والمستقرة في قلب صراع محتدم منذ عقود بين الجنوب والشمال، إذ يعرف عن أهالي وسكان سقطرى انحيازهم لمطالب الجنوبيين بالاستقلال عن الشمال اليمني وقد كانت سقطرى أحد معاقل الحراك الجنوبي لفترة طويلة، بينما يعتبر الجنوبيون حزب الإصلاح عدوهم الأول بسبب توليه الدور الأكبر في حرب 1994م وما تلاها من تدمير لمؤسسات الدولة الجنوبية وقمع الجنوبيين.

يتسم السقطريون بطابع سلوكي يميل للسلم والاستقرار ونبذ العنف وربما تمر سنون طويلة دون تسجيل حادثة قتل بين سكان الجزيرة. وحادثة القتل الوحيدة التي سجلت قبل حوالي سنتين كانت برصاص مليشيا الاخوان المسلمين حيت اطلق افرادها النار على تجمع شعبي سلمي رافض للوجود الإخواني في جزيرة سقطرى.

حاول التنظيم الإخواني استخدام سقطرى ورقة رابحة في معركة الصراع على الممرات الاستراتيجية حيث تحاول بعض القوى الاقليمية التمدد في هذه المنطقة على حساب الأمن القومي العربي وتستخدم هده القوى الاقليمية جماعة الاخوان المسلمين كرأس حربة مسمومة وطابور خامس في معركتها ضد الدول الوطنية العربية.

وخارج اليمن كان حلم السيطرة على سقطرى والممرات المائية يراود التنظيم الدولي للإخوان المسلمين منذ وقت مبكر وماكان يحول بينهم وبين ذلك هو قوة الدولة الوطنية الجنوبية قبل اعلان الوحدة عام 1990 وتأمينها لكامل حدودها البرية والبحرية، وظل الأمر كذلك حتى بعد اعلان الوحدة بين صنعاء وعدن عام 1990، ولكن ما لبثت أن ضعفت قبضة صنعاء بعد اتباعها سياسات أفضت الى أقصاء شريك الوحدة الجنوبي، ثم ما لبثت أن تلاشت سلطة صنعاء او كادت بعد عام 2011م.

استغل الاخوان المسلمون الوضع الجديد لتحقيق حلمهم بالسيطرة على جزيرة سقطرى وأخدوا يعدون العدة عسكريا وسياسيا لذلك.

على الصعيد العسكري اشتغل الاخوان على تكوين خلايا ومجاميع عسكرية عقائدية تدين بالولاء المطلق للجماعة ومشروعها العابر لحدود الدولة الوطنية.

وعلى الصعيد السياسي تسارعت خطى التمكين للسيطرة على مؤسسات الدولة في جزيرة سقطرى. وبعض المناطق المحررة الاخرى في الجنوب.

لقد كشفت فضيحتا تهريب الاسلحة عام 2012 المعروفة باسم جيهان 1 وجيهان 2 ماكان خافيا وهي التي تورط فيها قادة بارزون من جماعة الاخوان بينهم عبدالعزيز محروس شقيق القائد الإخواني البارز رمزي محروس الذي تولى لاحقا منصب محافظ سقطرى والذي حاول جاهدا استغلال موقعه لإثارة الفوضى والقلاقل في الجزيرة محاولا تسليمها لقوى اقليمية تسعى للسيطرة على باب المندب.

لكن سقطرى انتفضت بشكل عفوي مدفوعة بمحركات الحراك الجنوبي الرافض للإخوان المسلمين، وأمام إجماع أهالي سقطرى لم يجد قادة الإخوان من بدٍ من الهروب بحرا، ليتنقل في بعض قبل ان يستقر في تركيا.

وتمكن حينها السقطريون من وضع ايديهم على المؤسسات العسكرية والامنية والمدنية، ولأول مرة في التاريخ المعاصر كان للسقطريين مؤسسات أمنية وعسكرية معظم افرادها من ابناء الجزيرة.

لقد أدى سقوط المشروع الإخواني في جزيرة سقطرى إلى تجنيب المنطقة حالة من الاضطرابات وعدم الاستقرار كانت ستستغل من قبل عصابات القرصنة والتهريب والجريمة المنظمة علاوة على التنظيمات كالقاعدة وداعش، الامر الذي كان سيؤدي الى تداعيات خطيرة على دول المنطقة بينها الصومال القريبة جغرافيا لجزيرة سقطرى.

إن الحالة المستقرة التي تنعم بها سقطرى حاليا تمثل عنصر استقرار  للصومال لا غنى عنه ولا يمكن تغافله، وما كان لهذا الانجاز أن يتحقق لولا تجنيب الجزيرة تداعيات سقوط الدولة في صنعاء بيد الحوثيين عام 2014 وما تلاها من حرب واسعة عام 2015 ما زالت مشتعلة في مناطق واسعة من اليمن.

تمكن السقطريون من ترتيب انفسهم وبناء مؤسساتهم الامنية وقطع دابر الفتنة والاحتراب، وما كان لهم أن يبنوا هذه المؤسسات لولا إسناد الاشقاء في التحالف العربي، حيث اضطلعت دولة الامارات العربية المتحدة بدور محوري في تدريب قوات أمن وخفر سواحل تمكنا حتى الآن بكفاءة من حماية الجزيرة وتعميم الأمن والاستقرار في ربوعها.

ولم يقتصر الدور الاماراتي على تدريب قوات أمن في سقطرى معظم منتسبيها من اهل الجزيرة بل امتد الى مجالات اخرى كدعم التعليم والصحة وتشييد الطرق.

اليوم تنعم سقطرى بحالة من الاستقرار تتفوق به على نظيراتها من المحافظات اليمنية، وتشهد حركة إعمار وتنمية غير مسبوقة

ورغم أن القوات الإماراتية غادرت سقطرى بشكل كامل عام 2019م وحلت محلها قوات سعودية ضمن خطط التموضع وإعادة الانتشار الخاصة بالتحالف العربي، إلا ان أبوظبي أبقت على أذرعها الإنسانية التي تتكفل اليوم ومنذ سنوات بتقديم كل الخدمات للسقطريين بدءاً من الكهرباء المجانية الى تشغيل المستشفيات والمدارس وباقي القطاعات.

استقرار لا شك أظنه ينعكس إيجابا على الصومال بمختلف الأشكال  كل تلك الانجازات شكلت حائط صد في وجه الارهاب الذي ترعاه جماعة الاخوان المسلمين وحلفائها.

وحصنت سقطرى من السقوط في الفوضى، ما جنبها وأهلها وجنب الصومال ودول المنطقة تداعيات سيناريوهات كارثية كانت على وشك التجسيد.

-----------------------------------------------
المصدر| مركز مستقبل للدراسات والبحوث