جهود مكافحة الإرهاب..
ورقة بحثية: الولايات المتحدة تجاهلت القوة الفاعلة في الحرب الحقيقية على الإرهاب
الغياب الأمريكي الممنهج عن دعم القوات المحلية يعكس استمرار السياسة القديمة في التعامل مع الإرهاب من خلال الحكومات المركزية والصفقات السياسية، بدلًا من الشراكات الميدانية الفاعلة، وهو ما أضعف الجهود الإقليمية التي تقودها دولة الإمارات لتأمين الممرات البحرية ومناطق النفوذ الحيوية في خليج عدن والبحر العربي
الحرب الأمريكية على الإرهاب (2000-2025).. من ازدواجية صنعاء إلى نموذج عدن الأمني
قالت ورقة بحثية صادرة عن مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات إنّ الولايات المتحدة الأمريكية تجاهلت الحرب الحقيقية على الإرهاب في اليمن، رغم الأدلة الميدانية التي تؤكد أن الإنجازات الحقيقية ضد تنظيم القاعدة تحققت في الجنوب، على يد القوات المحلية المدعومة من دولة الإمارات العربية المتحدة، لا في الشمال الذي ظلّ غارقًا في ازدواجية المواقف وتوظيف الإرهاب سياسيًا.
وأوضحت الورقة، التي أعدّها الباحث صالح أبوعوذل – رئيس المؤسسة ورئيس مجلس إدارة مجلة بريم – أن واشنطن، وعلى مدى عقدين من الزمن، اعتمدت على الضربات الجوية والطائرات بدون طيار كأداة رئيسية في الحرب على الإرهاب، دون أن تُنشئ تحالفات ميدانية حقيقية مع القوى المحلية الفاعلة، وهو ما جعل نتائج الحرب محدودة التأثير وأحيانًا عكسية.
وأشار الباحث إلى أن التجربة الجنوبية، ولا سيّما عملية "سهام الشرق" التي أطلقها المجلس الانتقالي الجنوبي في محافظة أبين عام 2022م، قدّمت نموذجًا فعّالًا في مكافحة الإرهاب على أسس محلية ومجتمعية.
إذ نجحت القوات الجنوبية في تفكيك بنية تنظيم القاعدة وطرده من معاقله في وادي عومران والخيالة وسلسلة الجبال الممتدة بين أبين وشبوة، في وقت كانت فيه الضربات الأمريكية عاجزة عن تحقيق نتائج مماثلة، رغم امتلاكها التفوق التقني والاستخباراتي.
وأضافت الورقة أن الولايات المتحدة لم تُبدِ أي دعم مباشر أو سياسي لهذه العمليات، رغم كونها تمثل أول تجربة ناجحة في اجتثاث الإرهاب ميدانيًا منذ بدء الحرب الأمريكية عام 2002م.
كما أشارت إلى أن اللواء عيدروس الزبيدي – عضو مجلس القيادة الرئاسي ورئيس المجلس الانتقالي الجنوبي – وجّه دعوات متكررة لواشنطن عبر المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن تيم ليندر كينغ، لتوحيد الموقف الدولي في مواجهة الحوثيين والتنظيمات الإرهابية، غير أن تلك الدعوات لم تلقَ أي تجاوب عملي.
وأشارت الورقة إلى أن اغتيال القائد عبداللطيف السيد – أحد أبرز قادة مكافحة الإرهاب في أبين – في أغسطس 2023م، شكّل نقطة اختبارٍ فاشلة للسياسة الأمريكية، إذ اكتفت واشنطن ببيان إدانة مقتضب، دون أي دعمٍ فعليٍّ أو موقفٍ استراتيجي، رغم أن السيد قاد معارك ناجحة ضد تنظيم القاعدة لأكثر من عقدٍ، ونجا من عشرات محاولات الاغتيال، وكان يفترض أن يحظى بدعمٍ وتكريمٍ أمريكي لدوره المحوري في الحرب على الإرهاب.
ورأت الورقة أن هذا الغياب الأمريكي الممنهج عن دعم القوات المحلية يعكس استمرار السياسة القديمة في التعامل مع الإرهاب من خلال الحكومات المركزية والصفقات السياسية، بدلًا من الشراكات الميدانية الفاعلة، وهو ما أضعف الجهود الإقليمية التي تقودها دولة الإمارات لتأمين الممرات البحرية ومناطق النفوذ الحيوية في خليج عدن والبحر العربي.
وخلصت الورقة إلى أن التجربة الجنوبية اليوم تمثل النموذج الواقعي الوحيد في محاربة الإرهاب ضمن بيئة اجتماعية متجانسة، مؤكدة أن الولايات المتحدة أمام اختبار استراتيجي جديد:
فإمّا أن تُعيد النظر في سياستها عبر الانخراط المباشر مع القوى المحلية الفاعلة في الجنوب، أو أن تستمر في تجاهل الحرب الحقيقية على الإرهاب، بما يسمح للتنظيمات المتطرفة بإعادة ترتيب صفوفها وتهديد الأمن الإقليمي والدولي مجددًا.
واختتمت الورقة بالقول إنّ مستقبل الحرب على الإرهاب في اليمن لن يُحسم بالدرونز ولا بالمساعدات النظرية، بل ببناء شراكاتٍ ميدانيةٍ واقعية مع الجنوب الذي يقاتل على الأرض دفاعًا عن أمنه وأمن المنطقة.


