خالد حسين اليماني يكتب لـ(اليوم الثامن):

رسالة من وزير الخارجية السابق إلى نائب وزير الخارجية الحالي: "تمنيت لو أبقيتَ على شعرة معاوية"

أخي وصديقي السفير مصطفى نعمان،

استمعتُ اليوم إلى حديثكم على قناة العربية، وكنتُ أتمنى، بصدق، لو أبقيتَ على شعرة معاوية التي مزّقتها عنوة، وألّا تنخرط في سِعار بعض مكوّنات الشرعية المتباكية على الوحدة، التي يقرّ العالم اليوم بأنها قد ماتت. ولم يعد أمام العقلاء – وكنتُ أتمنى أن تكون من بينهم – إلا البحث عن بدائل واقعية، لا حلولٍ ووعودٍ مؤجَّلة إلى مجهول، ظننتم، خطأً، أنها ستكون كافية لكبح تطلعات الجنوبيين نحو استعادة وبناء دولتهم المستقلة.

لماذا لم تقل: تعالوا نبحث عن حلول تعزّز فرص العيش المشترك، وتدفع نحو وحدة المصير، كما قال الرئيس عيدروس الزبيدي؟ وهي دعوة تصرّون على تجاهلها:
"إن استقرار الجنوب وأمنه هو المدخل الحقيقي للتوجّه نحو معركة إنهاء الانقلاب الحوثي"، أمّا لغة التخويف، المغلّفة بما يُسمّى «القلق العميق»، فهي في حقيقتها دعوة مفتوحة إلى حرب أهلية لن تنالوها إلا في أحلامكم، وهي ترقى – في القانون، من حيث الأثر – إلى مستوى التآمر على الشريك الأكبر في الشرعية: المجلس الانتقالي الجنوبي، ورئيسه الذي ما زال حتى اليوم نائبًا لرئيس مجلس القيادة الرئاسي.

عزيزي مصطفى، أنت من يقول هذا، فكم حدّثتني عن معاناة الجنوبيين، وعمّا تعرّضوا له من ذلٍّ وهوان منذ حرب الإلحاق عام 1994.

ألم تكن أنت، يا عزيزي، من بين الذين اجتهدوا في النزول إلى عدن بحثًا عن القواسم المشتركة مع الحراك الجنوبي العظيم؟
ألم ترَ بعينيك عشرات الآلاف من العسكريين والمدنيين الذين ملأوا شوارع عدن، وقد سُرّحوا من أعمالهم في مؤسسات الدولة الجنوبية فقط لأنهم جنوبيون؟
هل كان هناك من يدفع لهؤلاء ليتمرّدوا على جبروت نظام علي عبدالله صالح، حتى تقول إن «المليونيات» مدفوعة، وإن الجنوبيين لا يُجمعون على الاستقلال؟ دعك من هذا الطريق، عزيزي، فأنت تدرك أنه لا يستقيم مع منطق الشارع الجنوبي، وقد يكون افتراضًا مقبولًا في مكان آخر، لكنه هنا غير ذلك.

أمّا مخارج الحوار الوطني والوعود الافتراضية المقدَّمة للجنوبيين، بما في ذلك تمزيق الجنوب، فلم تتم بحضور الجنوبيين. ألم ينسحب الجنوبيون من الحوار؟ أم أن هذه فاتتك؟

أقول لك، وبكل صراحة ومحبة: رغم ادعائك أنك تعرف اليمنيين، إلا أنني أجزم أنك تعرف قبائل الشمال؛ فقد عشتم بينهم، واصطليتم بتسلّطهم، وصرتم – شئتم أم أبيتم – جزءًا ثانويًا في تركيبتهم السياسية، وارتضيتم ذلك. لكنك، يا عزيزي مصطفى، للأسف، لا تعرف الجنوبيين.

كنتُ أتمنى أن أراك في زاوية أخرى من هذا الحوار – الشَّرَك؛ زاوية تبحث عن المشتركات، لا أن تصطفّ مع من يعتقد أن هذه الحالة اليمنية المختلّة يمكن أن تستمر، وأن المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ستصبران إلى ما لا نهاية على حكومات الفنادق.

كفّ عن القول إن «الشرعية تمرّدت على الشرعية»، ولا تُهوّل بالقول إن من تبقّى من الشرعية سينضم إلى الحوثي في حربه ضد الجنوب، وكأنك تُغازل وتُمالئ المشروع الحوثي.

كما لا معنى للحديث عن أن الإدارة الأمريكية لم تلتفت إلى الرئيس عيدروس الزبيدي خلال وجوده في الولايات المتحدة على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة؛ فهل التفتت أصلًا إلى الوفد الذي تتحدث عنه أنت؟ وأنت تدرك أن الملف اليمني هو ملفّ التحالف، وأن أمريكا ترى ما يراه التحالف السعودي–الإماراتي، وتنطلق قراءتها من ذلك.

كنتَ، وما زلتَ، تدّعي في لقاءاتك أنك تدافع عن القضية الجنوبية. فهل هكذا يكون الدفاع عن قضية شعبٍ دخل الوحدة بصدق، ثم أُهين في وطنه وأنتم تتفرّجون؟ وحين رفع راية الاستقلال، أخرجتموه من الملّة؟

ثم إنك، يا عزيزي، لا تُقرّ بالدور التخريبي لتنظيم الإخوان المسلمين، ولا تعترف بالتقارير الدولية التي تشير إلى تحوّل المنطقة العسكرية الأولى إلى بؤرة للإرهاب وتهريب السلاح إلى الحوثيين والجماعات المتطرفة. أم أن انتقادك يخضع لمنطق الخطاب الانتقائي السائد الآن، حيث أصبح الحل – في رأيكم – هو إعادة جنرالات الإخوان الهاربين إلى ثكناتهم، وإخراج أبناء الأرض من أرضهم؟

أين كانت هذه القوات حين احتل تنظيم القاعدة مدينة المكلا؟
وأين كانت حين كاد الحوثي أن يسقط مأرب؟
ألم تكن القوات الجنوبية هي من تصدّى، وحمى، وقدّم التضحيات؟

كنتُ أفضّل، يا أخي وصديقي، أن تبقى محافظًا على شوكة الميزان، فنحن نحسبك من أهل العقل، فلا تأتينا بخطاب ترهيب عن اقتتال جنوبي–جنوبي، ولا بالقول إن المجلس الانتقالي لا يمثّل الجنوبيين، أو إن هناك من الجنوبيين من هو مستعد للقتال مع الحوثيين أو الإخوان أو بقايا النظام الشمالي لغزو الجنوب.

يا عزيزي مصطفى، أنتم لم تتعلّموا بعد لغة الحوار، وهذا دليل جديد؛ إذ سرعان ما تعودون إلى لغة التهديد والوعيد، بدل أن تعملوا بصدق على الجلوس معًا للحديث عن الخطوات التالية التي ستُفضي، بالتدرّج، إلى إعلان استقلال الجنوب، وإعداد العُدّة لمعركة تحرير صنعاء.

لقد حان الوقت.
خطاب المجلس الانتقالي واضح للقاصي والداني.
والحلول أمامكم، وهو خطاب ساطع كضوء الشمس في رابعة النهار.

والجنوب سيبقى وفيًّا للتحالف، بقيادة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، والمجلس الانتقالي لن يبيع قضية شعب الجنوب.

تعالوا ننهض بواجباتنا الوطنية، ونضع لغة التهديد جانبًا، ونفكّر بعقلٍ بارد في أفضل الخيارات المتاحة، لا في أوهام «تنازلات الضرورة».

أراك دائمًا بخير،
وأراك – كما أعتقد أنني عرفتك – في صف العقل،
وفي صف الحوار.

أخوكم
خالد حسين اليماني
وزير الخارجية الأسبق