وداد الدوح تكتب ل (اليوم الثامن):

الاعتصام الجنوبي ليس تكتيكًا.. بل أساس شرعية الدولة القادمة

ما فائدة الاعتصام؟ ولماذا يصرّ الجنوبيون على الحضور في الساحات بينما يطالب البعض بأن تُعلن القيادة الجنوبية دولتهم فورًا دون المرور بهذا المسار؟ هذا سؤال مشروع، والمرحلة التي نعيشها تتطلب تفكيكًا قانونيًا وسياسيًا بعيدًا عن الانفعال، لفهم ماذا يعني الاعتصام، وما علاقته بإعلان الدولة الجنوبية.


 

العلاقة بين الإرادة الشعبية والقرار السياسي ليست علاقة شكلية، بل هي علاقة تكاملية. لا توجد شرعية بلا مشروعية، ولا مشروعية بلا حامل شرعي. الشرعية هي الإطار القانوني؛ وهي تستمد عناصرها من الدستور والقوانين والأعراف، لكنها لا تستطيع أن تُترجم إلى واقع إلا عبر المضمون الحقيقي للشرعية وهو القبول الشعبي. أما المشروعية فهي التعبير الصريح عن قبول الشعب وتمثيله لإرادته في الفعل السياسي. هنا يكمل المفهومان بعضهما، فلا يكفي أن تمتلك القيادة حقًا سياسيًا أو تمثيلًا تفاوضيًا، ما لم يسانده التفويض الشعبي المعلن والظاهر.


 

من هذا المنطلق تُعتبر الاعتصامات الجنوبية خطوة حاسمة وليست فعلًا تكتيكيًا عابرًا. فالمطالبة بالاستقلال مكفولة بموجب القانون الدولي ومبادئ حقوق الإنسان، والمجتمع الدولي لا يتعامل مع الإرادة السياسية بمعزل عن حجم الدعم الشعبي الموثّق والمشهود. الاعتصام هو إثبات وجود الإرادة الجمعية للشعب أمام العالم، وهو بمثابة وثيقة شبه رسمية تمنح القيادة الجنوبية قوة مضاعفة في أي تحرك دبلوماسي أو قانوني يتعلق باستعادة الدولة.


 

أما سؤال: لماذا لا يتم إعلان الاستقلال مباشرة؟ فالإجابة تكمن في أن إعلان الدولة ليس حدثًا إعلاميًا، بل قرارًا سياديًا يحتاج إلى حجج قانونية مكتملة، وتوازن سياسي مدروس، وسيطرة فعلية على الأرض، وتفويض شعبي لا يمكن التشكيك فيه. الاعتصامات تمنح هذا التفويض، وتقدم صورة واضحة بأن المطالبة ليست قرار نخبة، بل مطلب شعب كامل. والأمم لا تُقام في لحظة، ولا تُعلن من غرفة مغلقة، بل تبنى عبر مسار قانوني وسياسي وشعبي متزامن.


 

يوجد بعد مهم جدًا قليل من الناس يلتفت إليه، وهو أن الاعتصام السلمي في هذه اللحظة التاريخية ليس مجرد أداة ضغط، بل هو وسيلة لإقفال الأبواب أمام أي محاولات للتشكيك الدولي بشرعية القرار إن صدر لاحقًا. فالدول التي تشكلت بعد تحولات سياسية وثورية في التاريخ، قدّمت أمام المجتمع الدولي ما يثبت أن إرادة الشعب هي من قادت المسار، وليس قرار طرف واحد أو قيادي واحد. وهذا ما تدركه القيادة الجنوبية وتعمل وفقه.


 

لذلك فإن اعتبار الاعتصامات مجرد تحرك شعبي محدود هو قراءة ناقصة. الاعتصامات اليوم هي الوقود الذي يمنح القيادة الجنوبية ممثلة بالرئيس عيدروس الزبيدي شرعية إعلان الدولة الجنوبية عندما يكتمل المشهد وتتوفر الظروف الإقليمية والدولية المناسبة. الإعلان سيكون قانونيًا، والسيطرة على الأرض متحققة، والمشروعية الشعبية موثقة في الشوارع والساحات، وهي الصورة التي ينتظرها المجتمع الدولي ليعترف بالقرار بدل أن يطعن فيه.


 

إن ما يجري اليوم ليس ترفًا سياسيًا، بل بناء هادئ لأسس الشرعية. لذلك فإن الاعتصام ليس مرحلة يمكن تجاوزها، بل هو أساس يتوقف عليه مصير الدولة. ومتى اكتمل هذا الأساس، فإن إعلان الاستقلال لن يكون مفاجأة لأحد، بل نتيجة منطقية لمسار قانوني وشعبي متكامل.