لحمر بن لسود يكتب لـ(اليوم الثامن):

أبين.. خاصرة الجنوب التي كسرت شوكة الإرهاب

لم تكن العملية العسكرية للقوات المسلحة الجنوبية في وادي وصحراء حضرموت حدثًا معزولًا عن سياق نضال طويل خاضه الجنوب منذ فجر 27 أبريل 1994م، حين كان الجنوبيون يواجهون إرهابًا ممنهجًا صنعه النظام اليمني بهدف إسقاط مشروع الوحدة السلمي في مهده. الوحدة التي جاءت ثمرة نضال، لم تتجاوز يومها توزيعًا للقوات بين الشمال والجنوب، بينما كان الطرف الآخر يحشد عناصر الإرهاب من “الأفغان العرب” لغزو الجنوب.

ومع نهاية صيف 1994م، لم يتوقف الإرهاب بانتهاء الحرب، بل تواصل تحت غطاء الفتاوى التي صاغها شيوخ تنظيم الإخوان المسلمين لتبرير استباحة الجنوب وعرقلة أي خطوة نحو فك الارتباط. وهذه الحقيقة يجب أن تُروى للأجيال.


محاولة وصم الإرهاب بأبين لم تنجح، بل تحولت المحافظة إلى مدرسة وطنية في المقاومة والانتماء. ففي 2011م سقطت عاصمة المحافظة “زنجبار” بيد التنظيمات الإرهابية، ونزح أبناء المدينة في أسوأ مأساة إنسانية عرفتها المنطقة. أراد الإرهاب إسقاط كل أبين، لكونها الخاصرة التي تربط عدن ولحج من جهة، بشبوة وحضرموت والمهرة من جهة أخرى.

ومع انقطاع الطريق الدولية "عدن-حضرموت"، اضطر السكان لسلك طرق ملتوية عبر يافع والبيضاء ومكيراس وصولًا إلى لودر. وفي مايو 2012م، تحركت التنظيمات لإسقاط لودر وقطع آخر شريان واصل بين عدن والشرق. لكن قبائل العواذل ودثينة وقفت موقفًا مشرفًا وقدمت نحو 500 شهيد وجريح في “معركة الكرامة”.

وهنا يبرز دور الرئيس عبدربه منصور هادي ووزير الدفاع الأسبق محمد ناصر أحمد، اللذين ساندا المقاومة حين كانت كتائب الجيش قد سلّمت أسلحتها للإرهابيين. حضر وزير الدفاع إلى الجبهة، وأدار المعركة حتى انتصرت لودر، ثم تحررت زنجبار.


دفعت أبين أثمانًا باهظة، من بينها ضحايا “مجزرة المعجلة” الشهيرة. لكنها ظلت في طليعة جهود مكافحة الإرهاب، ودفعت ثمنًا لا تزال دماؤه تشهد.


حين أطلق الرئيس عيدروس الزبيدي عملية “سهام الشرق”، فتح صفحة جديدة مع كل أبناء الجنوب. كان القائد علي الذيب الكازمي إلى جانب الشهيد عبداللطيف السيد وعبدالرحمن الشنيني، وغيرهم ممن حملوا على أكتافهم عبء مواجهة الإرهاب في أبين.

واليوم تنتقل الأنظار نحو “عملية المستقبل الواعد” التي حررت وادي وصحراء حضرموت والمهرة. في هذه العملية برز دور اللواء صالح محمد الجعيملاني، قائد حراسة الرئيس هادي سابقًا، الذي كان على صلة مباشرة بالقيادة في عدن. يتذكر الجنوبيون مواقفه في صنعاء ورقصة الحرس على أنغام الفنان عبود خواجة في وسط العاصمة؛ رسالة أكدت أن الجنوب لا ينسى قضيته.

كما يبرز دور اللواء محسن مرصع الكازمي في المهرة، الذي أمن المحافظة وحافظ على الممتلكات العامة والخاصة، إضافة إلى خدمته السابقة في أرخبيل سقطرى. قادة كانوا عند مستوى الثقة، ينتظرون التوجيهات من القيادة، وكانوا على العهد.


أبين ليست هامشًا في الجغرافيا السياسية والعسكرية للجنوب، بل هي صمام أمانه وخاصرته وجبهته المتقدمة. هي “الرقم الصعب” الذي يعيد رسم المعادلات ويقلب موازين القوى. تاريخٌ من الفخر والانتصارات وتضحياتٍ بلا حدود.

كل التحية والتقدير لأبين، ولكل أبناء الجنوب الذين أثبتوا أنهم على مستوى المسؤولية الوطنية والأخلاقية في معركة مواجهة الإرهاب واستعادة الدولة.

والله الموفق.