عبدالرزاق الزرزور يكتب لـ(اليوم الثامن):
دور الدول العربية في تشكيل مستقبل التوازنات الإقليمية
تشهد المنطقة العربية اليوم مرحلة دقيقة من التحولات المتسارعة، سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي أو الأمني الأمر الذي يجعل مسألة إعادة تقييم العلاقات الإقليمية ضرورة لا يمكن تجاهلها، وفي هذا السياق تبرز العلاقة مع إيران بوصفها إحدى القضايا الأكثر حساسية نظراً لامتداد تأثيراتها في محيطها العربي، وهنا يُطرح سؤال مشروع: هل تستطيع الدول العربية أن تلعب دورًا فاعلاً في رسم مسار التطورات داخل إيران أو في توازنات حضورها الإقليمي؟
الجواب الواقعي هو أن الدول العربية تمتلك بالفعل أدوات تأثير مهمة لا تستند إلى الصدام أو المواجهة المباشرة بل إلى القدرة على صياغة المعادلات السياسية والاقتصادية والدبلوماسية التي يمكن أن تساهم في توجيه مسار الاستقرار الإقليمي نحو مسارات أكثر توازناً.
تحوّلات في المقاربات الدولية
اتبعت القوى الغربية خلال العقود الماضية سياسة تقوم على الحوار وتقليل الضغوط تجاه طهران بهدف تخفيف التوترات؛ غير أن هذه السياسات لم تحقق دائمًا النتائج المرجوة بل أدت أحيانًا إلى اتساع التدخلات الإقليمية وتعقيد المشهد في عدد من الدول العربية.. وبذلك أصبحت الحاجة ملحّة لمقاربة جديدة أكثر توازناً وشمولية تُدرك خصوصيات المنطقة وتقدّر حساسياتها، وهنا يمكن للعرب أن يلعبوا دورًا محوريًا في إعادة صياغة الخطاب الدولي تجاه إيران بحيث يقوم على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية وتعزيز الأمن المشترك عبر الحوار والتفاهم.
من موقع المتلقي إلى موقع الفاعل
لقد تغيّر الوضع العربي خلال العقدين الماضيين؛ فعدد من الدول العربية خاصة في الخليج بات يمتلك ثقلًا اقتصاديًا كبيرًا، وتأثيرًا دبلوماسيًا واسعًا وقدرة على بناء تحالفات دولية مؤثرة، ويمكن ترجمة هذا التأثير إلى خطوات عملية من خلال:
- موقف عربي موحّد يؤكد احترام السيادة المتبادلة ويعطي الأولوية لاستقرار المنطقة.
- تفعيل أدوات الطاقة والتعاون الاقتصادي لتشجيع سياسات مسؤولة تسهم في خفض التوتر.
- فتح قنوات تواصل مع القوى المدنية والإصلاحية داخل إيران بما يعزز فرص التفاهم المتبادل دون التدخل أو فرض الرؤى.
تعزيز الحوار الإقليمي
ومع تعدد الأزمات في المنطقة، تزداد أهمية التحرك العربي لإطلاق حوارات هادئة ومسؤولة.. فالدبلوماسية العربية إذا ما توحّدت رؤيتها يمكنها أن تشكل جسرًا بين القوى الدولية والإقليمية، وتعيد توجيه النقاش من منطق الأزمة إلى منطق الحل.
ويمكن توظيف الأطر العربية والإقليمية مثل الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي لإرساء مبدأ الأمن المشترك ورفض السياسات التي تُضعف استقرار الدول أو تؤدي إلى صراعات ممتدة.
الاقتصاد بوابة لبناء الثقة
كما أن إمكانات التعاون الاقتصادي بين الدول العربية وإيران إن توفرت شروطه الموضوعية قد تشكل مدخلاً لتخفيف التوترات.. فالتجارب الدولية أثبتت أن المصالح الاقتصادية المشتركة تُساهم في خلق بيئة سياسية أكثر هدوءًا وتعزز فرص الاستقرار، هذا لا يعني تجاهل التحديات القائمة بل التعامل معها برؤية تدريجية تقوم على خطوات واقعية بدلاً من القفز نحو تسويات شاملة غير ناضجة.
نحو شرق أوسط أكثر استقرارًا
إن بناء علاقة صحية ومستقرة بين العرب وإيران يقوم على:
- احترام سيادة الدول.
- الابتعاد عن الخطابات المتشنجة.
- إدراك أن الأمن الإقليمي مترابط.
وعندما يُقدّم العرب رؤية واضحة ومتزنة حول مستقبل العلاقة مع إيران، سيجد المجتمع الدولي نفسه أكثر تقبّلًا لهذه الرؤية وأكثر استعدادًا لدعمها، ما يعزز حضور العرب في صياغة السياسات التي تتعلق بمصير المنطقة كلها.
وبذلك تنتقل الدول العربية من موقع المتأثّر بالأحداث إلى موقع صانع التوازن والاستقرار، في لحظة إقليمية تحتاج إلى الحكمة والواقعية أكثر من أي وقت مضى.
عبدالرزاق الزرزور - محامي وناشط سياسي سوري


