جهاد البطاينه يكتب لـ(اليوم الثامن):

سوريا بعد أربعة عشر عاماً من الحرب.. تحديات الإعمار واستعادة السيادة

 منذ أكثر من عقد، تعيش سوريا تحت وطأة حرب مدمّرة تمزج بين العنف الممنهج والدمار الواسع والتدخلات الإقليمية والدولية، ما حول البلاد إلى ساحة مفتوحة لتصفية الحسابات وصراعات النفوذ. أربعة عشر عامًا كانت كافية لفقدان ملايين الأرواح، وانهيار البنى التحتية، وتراجع الاقتصاد السوري إلى مستويات كارثية، فيما لا يزال الأمل بالخروج من هذا النفق المظلم معلقًا على تحولات داخلية وخارجية معقّدة.

لقد أفرزت الحرب واقعًا هشًّا تُهيمن عليه قوى الأمر الواقع، بعضها من بقايا النظام الذي واجه شعبه بالقمع، وبعضها الآخر من جماعات مسلحة مدعومة إقليميًا ودوليًا، تتنازع السيطرة وتمنع بناء دولة وطنية جامعة. أما فلول النظام الذين رفعوا شعار "الأسد أو نحرق البلد"، فما زالوا يتحركون في الظل، يفتعلون الأزمات ويهاجمون مؤسسات الدولة الناشئة لعرقلة أي مشروع وطني جامع يعيد بناء سوريا على أسس جديدة.

إن إعادة إعمار سوريا لا يمكن اختزالها في إعادة بناء الحجر، بل تتطلب بيئة سياسية مستقرة، ومؤسسات وطنية تعيد الثقة للسوريين، وتضمن سيادة القانون، ومحاسبة المجرمين، وبناء عقد اجتماعي جديد ينهي مرحلة الفوضى ويؤسس لمرحلة الدولة.

في هذا السياق، لا يمكن تجاهل الدور الذي تلعبه إسرائيل في تعقيد المشهد السوري، سواء من خلال الضربات الجوية المتكررة التي تنتهك السيادة السورية دون رادع، أو من خلال أدوات أكثر خبثًا كشبكات تهريب المخدرات، خاصة "الكبتاغون" و"الكريستال"، التي تحوّلت إلى سلاح ناعم لتفكيك المجتمعات العربية من الداخل، وضرب أجيالها الشابة في مقتل.

تشير التقارير المتداولة إلى تورّط مجموعات مرتبطة بإسرائيل وأطراف سورية محلية في هذا الملف، عبر تنظيم عمليات تهريب واسعة النطاق تُستخدم فيها الأراضي السورية كنقطة انطلاق، مستغلّة انهيار الدولة وتفكك أجهزتها. ولا يُعد ضبط الشحنات في عدد من الدول العربية سوى دليل على خطورة هذا التهديد الذي بات يمس الأمن القومي العربي.

اليوم، مع رفع بعض العقوبات الغربية عن سوريا، تُتاح فرصة مهمة للمجتمع الدولي لاختبار صدقية نواياه: هل سيدعم مسار الإعمار واستعادة السيادة، أم يترك سوريا غارقة في الفوضى والهيمنة الأجنبية؟ المطلوب هو توفير مناخ جاذب للاستثمار الحقيقي، وبناء اقتصاد منتج يُسهم في إعادة النهوض، ويدعم الطبقة المتوسطة، ويفتح الأفق أمام الشباب السوري.

الشعب السوري أثبت أنه شعبٌ ذو كفاءة وقدرة عالية، لا يحتاج إلى الشفقة بل إلى فرص عادلة، ومؤسسات تقوم على مبدأ تكافؤ الفرص، وعدالة التوزيع، وحرية التعبير. أما الشباب الذين نشأوا في أتون الحرب، فهم وقود المستقبل، شرط أن يجدوا دولة حاضنة لا تكمّم أفواههم، بل تُمكّنهم من المشاركة وصناعة القرار.

سوريا أمام مفترق طرق حاسم: إما أن تبقى رهينة للماضي وخطاب الكراهية والانقسامات، أو تتوحد خلف مشروع وطني جامع، يعيد بناء المؤسسات، ويُقصي المفسدين، ويحصّن السيادة، ويضع حدًا للتدخلات الخارجية، سواء تلك العسكرية أو "الناعمة" كالمخدرات والمليشيات العابرة للحدود.

في هذا السياق، فإن المجتمع الدولي مطالب بكبح جماح إسرائيل، ووقف تدخلها السافر في الشؤون السورية والعربية، ووضع حدٍّ لتوظيفها تجارة المخدرات كأداة سياسية. كما يجب فتح تحقيقات دولية وملاحقة جميع المتورطين في هذا الملف الخطير، سواء من داخل النظام السابق أو من المتعاونين مع الاحتلال.

إن إعادة بناء سوريا لا يمكن أن تتحقق بالشعارات أو الأمنيات، بل من خلال مشروع وطني قائم على التوافق، والإرادة الشعبية، وتحييد المصالح الضيقة، والتصدي للفوضى والمخدرات والانقسام. سوريا تستحق أن تُبنى من جديد، لا أن تُحرَق من الداخل أو تُضرب من الخارج.

لا "أسد" بعد اليوم، ولا "نحرق البلد"، بل "نبني البلد... معًا".