ماريا معلوف تكتب لـ(اليوم الثامن):

ترامب بين غزة وبيروت: مفاوض صفقات أم مهندس شرق أوسط جديد؟

في توقيت دقيق يحمل معه توازنات إقليمية متغيرة، أطلق الرئيس الأميركي دونالد ترامب تصريحين لافتين يعكسان استراتيجية مزدوجة تُطبّقها إدارته تجاه اثنين من أعقد الملفات في الشرق الأوسط: غزة ولبنان.

ففي معرض حديثه للصحافيين قبل مغادرته واشنطن يوم الأحد، أشار ترامب إلى وجود “فرصة جيدة” للتوصل إلى اتفاق مع حركة حماس، يتضمن وقفاً لإطلاق النار وتحرير “عدد لا بأس به من الرهائن” المحتجزين في قطاع غزة. وبينما تتكثف المفاوضات خلف الكواليس عبر وسطاء إقليميين، تأتي تصريحات ترامب بمثابة إعلان مبكر عن احتمال تحقيق إنجاز ملموس في ملف إنساني معقّد، ظلت الإدارات السابقة عاجزة عن تفكيكه.

لكن الأهم من ذلك أن هذه الرسالة لم تكن موجهة فقط لحماس أو الحلفاء الإقليميين، بل للشعب الأميركي أيضاً، الذي يتابع هذا الملف الحساس عن كثب، خصوصاً في ظل الأبعاد الأمنية والإنسانية المتشابكة. ترامب، الذي يقدّم نفسه كرجل صفقات، يعيد توجيه الأنظار إلى قدرته على تحقيق نتائج “سريعة” في ملفات ظلت عالقة لعقود، وفي لحظة انتخابية محورية.

وفي الاتجاه الموازي، جاء تصريح توماس بيريك، المبعوث الأميركي الخاص إلى لبنان، ليضيف بُعداً استراتيجياً آخر إلى تحركات واشنطن في المنطقة. ففي أعقاب لقائه بقائد الجيش اللبناني جوزاف عون، أعرب بيريك عن “رضاه التام” إزاء الرد اللبناني على مقترح أميركي حول نزع سلاح حزب الله. واعتبر أن ما قدمته الحكومة في “فترة وجيزة جداً” كان “مذهلاً”، ما يشي بأن هناك تحولات غير معلنة تجري في بيروت، ربما بإشراف أو بدعم من المؤسسة العسكرية اللبنانية
 

الأمر اللافت أن واشنطن، وللمرة الأولى منذ سنوات، تعتمد خطاباً مرناً تجاه مسألة سلاح حزب الله، حيث أشار بيريك إلى أن الحزب “لن يتخلى عن كل أسلحته”، في تعبير يمكن تفسيره على أنه قبول تدريجي بتفكيك الترسانة أو إخراجها من القرار السياسي، بدلاً من نزعها الكامل دفعة واحدة.

هذه اللغة الدبلوماسية تشير إلى أن إدارة ترامب تعتمد أسلوب “خفض التصعيد مقابل التنازلات المتدرجة”، وهي استراتيجية سبق أن استخدمها ترامب مع كوريا الشمالية وإيران، وتبدو اليوم في طريقها للتطبيق في لبنان، من بوابة حزب الله.

في العمق، يبدو أن ترامب لا يطرح نفسه فقط كصانع اتفاقيات، بل كمُهندس توازنات جديدة في المنطقة. فهو يحاول إعادة رسم خطوط الاشتباك السياسي في غزة عبر فتح قنوات تفاوض، وفي لبنان عبر تقليص نفوذ إيران تدريجياً باستخدام أدوات الدولة نفسها.

والسؤال الآن: هل تنجح هذه المقاربة؟

في غزة، نجاح اتفاق كهذا سيعني بداية لتحول جذري في ديناميكية الصراع، خصوصاً إذا ارتبط بتخفيف الحصار وتحسين شروط الحياة لسكان القطاع. وفي لبنان، أي تقدم نحو ضبط سلاح حزب الله تحت سقف الدولة سيُعد إنجازاً تاريخياً، حتى وإن بدأ بخطوات رمزية.

بالمحصلة، يبدو أن ترامب يُمهد لأشهر مفصلية في المنطقة، وقد يكون على وشك تسجيل نقطتين سياسيتين مهمتين في سجلّه الخارجي، على حساب خصومه في طهران والضاحية وغزة. وإذا ما تكللت هذه التحركات بالنجاح، فستكون واشنطن قد استعادت زمام المبادرة في أكثر ملفين تعقيداً في الشرق الأوسط، من باب الصفقات… لا الصواريخ