د. سامي خاطر يكتب لـ(اليوم الثامن):
لماذا يُصر الغرب على إبقاء حكم نظام الملالي في إيران؟
نعم إن إصرار الغرب على إبقاء حكم نظام الملالي في إيران حماقة وصناعة للأزمات التي اعتدنا عليها من أجل ضمان تنفيذ مخططاتهم وحماية مصالحهم، ومناورةٌ اتسعت عليهم حتى باتوا يتخبطون في تحركاتهم، والحقيقة هي أن دعم نضال الشعب الإيراني ومقاومته من أجل تغيير النظام هو الطريق الأقصر والأسهل للتخلص من المخاوف النووية، خاصة وأن هناك برنامجاً تتبناه المقاومة الإيرانية بقيادة السيدة مريم رجوي ينص على قيام جمهورية ديمقراطية غير نووية، وهو برنامج تفاصيله معلنة منذ زمن بعيد.. هذا إن صدق الغرب؛ والسؤال هنا لم الإصرار على بقاء النظام الإيراني الفاشي وما يسببه من صداع؟
على الرغم من الخطاب الغربي المتشدق بالديمقراطية وحقوق الإنسان نجد أن الغرب رغم انتقاداته العلنية لنظام الملالي في إيران يصرّ عمليًا على إبقاء هذا النظام لعدة أسباب معقدة تتداخل فيها الجوانب السياسية والاقتصادية والجيوسياسية، ولم يتسامح الغرب مع نظام الملالي في إيران فحسب.. بل ويتعامل معه بشكلٍ يضمن استمراره؛ هذا التناقض يطرح تساؤلاتٍ كبيرة حول الأسباب الحقيقية وراء هذا الموقف منها: هل هو حقا خوفٌ من الفوضى كما يدعون أم أنها مصالح استراتيجية؟ أم أن النظام الإيراني يُستخدم كورقة ضغط في المعادلة الجيوسياسية؟، وهنا لا مجال للتساؤل الأول بتاتاً.
التحكم وليس التغيير: سياسة "الاحتواء" بدلًا من "الإسقاط"
في الغرب خصوصًا الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لا يسعون في الحقيقة لإسقاط النظام الإيراني بل لإدارته واحتوائه؛ فهم يفضّل نظامًا ضعيفًا ومزعجًا لكنه قابل للتفاوض والسيطرة، يفضلونه على أي بديل ديمقراطي قد لا يخدم مصالحهم.
الخوف من بديل ديمقراطي وغير متحكم فيه
البديل الحقيقي الموجود على الساحة اليوم هو المقاومة الإيرانية وعلى رأسها منظمة مجاهدي خلق والمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية بزعامة السيدة مريم رجوي.. هذا البديل يدعو لإسقاط وتغيير النظام برمته، وإقامة جمهورية ديمقراطية علمانية، وغير نووية، وهو ما لا تريده بعض القوى الغربية لأنها تخشى فقدان أدوات الضغط الإقليمية التي يوفرها "نظام الملالي". وتخشى قيام نموذج ديمقراطي ناجح قد يحرمها من أدواتها وأزماتها التي اعتادت على صنعها من خلال أنظمة أزماتٍ كنظام الملالي في إيران، كذلك قد يُحرج الأنظمة الحليفة في المنطقة.
المصالـح الاقتصادية وعقود السلاح والأعمال
إيران تمتلك رابع أكبر احتياطي نفط في العالم، وثاني أكبر احتياطي غاز طبيعي، والتعامل مع نظام الملالي رغم العقوبات يضمن للغرب إمكانية الوصول إلى هذه الثروات عند الحاجة خاصة في ظل المنافسة مع الصين وروسيا.. وحتى في ظل العقوبات القائمة هناك شركات غربية تستفيد من السوق الإيرانية عبر وسطاء.. كما أن التهديد الإيراني يُنعِش سوق الأسلحة بالمنطقة حيث تباع معدات عسكرية للحلفاء مثل السعودية والإمارات بمئات مليارات الدولارات سنويا في سياق التهديد والمخاطر التي يشكلها نظام ولاية الفقيه.. هذا بالإضافة إلى الصفقات السرية التي تشمل العديد من الجوانب بين الملالي والشركات الغربية التي تضغط على حكوماتها لتسهيل التعامل مع طهران.
دور نظام الملالي في زعزعة استقرار المنطقة، وفزاعة الملف النووي لإطالة عمر النظام
يزعم الغرب أنه يريد الاستقرار.. لكنه يستفيد في الوقت من الفوضى التي يخلقها النظام الإيراني عبر دعم ميليشيات طائفية في العراق وسوريا ولبنان واليمن تأجج الصراع الطائفي وتهدد أمن الخليج مما يرفع أسعار الطاقة أحيانًا.. وهو الأمر الذي يبرر وجود القواعد العسكرية الغربية في المنطقة، ويستعمل الغرب الملف النووي الإيراني كذريعة للتفاوض دون التغيير الحقيقي، وكلما اقتربت إيران من القنبلة زادت الحاجة إلى العواء وضرورة قيام اتفاقيات جديدة تبقي النظام في موقع التفاوض والمناورة لا المحاسبة، وتسمح بدوام تمرير مخططات الغرب وضمان مصالحه.
هذا هو الغرب وهذا هو نهجه الداعم لنظام الملالي الدكتاتوري الرجعي.. وفي الوقت الذي يتباكى فيه الغرب باحثا عن حلول لما أحدثه الملالي من أزمات إقليمية وعالمية نجد أن الغرب ذاته مستخفاً بما يطرحه من قيم ومتجاهلا لما يطرحه البديل الديمقراطي الإيراني بقيادة السيدة مريم رجوي التي لم ترحب بوقف إطلاق النار في هذه الحرب القائمة فحسب؛ بل دعت إلى إنهاء الحرب من خلال إسقاط نظام الولي الفقيه الحاكم في إيران.. ووفقا لهذه الرؤية تقول السیدة لا للحرب ولا للمساومة، وتضيف قائلة "دعوا الشعب الإيراني يقرر مصيره بنفسه" ليقوم بإسقاط خامنئي ودكتاتورية ولاية الفقيه في معركته المصيرية، ولقد رفض الشعب الإيراني في نضاله المتواصل دكتاتوريتي الشاه، ودكتاتورية ولایة الفقیه.. وتكرر قائلة.. إننا نريد جمهورية ديمقراطية غير نووية تقوم على فصل الدين عن الدولة، وعلى المساواة الكاملة بين المرأة والرجل، وكذلك على الحكم الذاتي للقوميات في إيران.. وهذا هو ما سيحقق السلام والديمقراطية وحقوق الإنسان والاستقرار والإعمار والصداقة والتعاون والتنمية الاقتصادية للمنطقة والعالم أجمع.. أما من جانبنا فنقول.. هذا هو الحل الذي يريده الغرب وفي الوقت ذاته يتغافل عنه.
خلاصة القول:
لا يريد الغرب إسقاط نظام الملالي بل يريد إدارته كورقة تفاوض وضغط تخدم مصالحه في المنطقة.. لكن ما يتغافل عنه هو أن الشعب الإيراني لم يعد يحتمل هذا النظام، وأن البديل الديمقراطي موجود وجاهز، ومن الواجب دعمه لا محاصرته.
قد لا يدعم الغرب نظام الملالي علناً في بعض الحالات، لكنه يتعامل معه بطريقة تحقق مصالحه رغم كل الشعارات حول الحرية والديمقراطية، وفي حالات أخرى يتلقى ملالي إيران دعما غربيا صريحاً ومباشراً، وإن إبقاء النظام الإيراني تحت العقوبات وفي نفس الوقت عدم السماح بسقوطه يعكس رغبة في إبقائه ضعيفاً قائماً كي لا تختل لعبة إدارة الصراع، ولا يُحرم الغرب من مصالحه، والسؤال هنا: إلى متى سيبقى الشعب الإيراني يدفع ثمن هذه المؤامرات؟
د. سامي خاطر/ أكاديمي وأستاذ جامعي