ممارسة الرذيلة مع عمال مصر

لقد توقفت امام حادث تفحم ثلاث عمال بمصنع اسمنت اسوان بعد اجبارهم على التشغيل اثناء اعمال الصيانة وادى ذلك الى سقوط مواد حارقه عليهم تصل درجه حرارتها الى 1200 درجه مئوية اودت بحياتهم مباشرة الى الوفاة ولولا عنايه الله لكانت الوفيات اكثر من هذا العدد , واتضح ان هذا المصنع ملكا لأشخاص رأسماليين لهم تاريخ طويل مع عضويه مجلس الشعب ايام مبارك وحتى الان كما ظهرت علي السطح علاقتهم الوطيدة بالسلطة ومدى استغلال نفوذهم للإطاحة بالعمال فدفعني ذلك لتذكر تاريخا طويلا للحركة النضالية العمالية في مصر ومدى تأثيرها وتأثرها في صنع القرار السياسي .

وتوالت الأسئلة :- هل هذا وليد اللحظة او المصادفة  ؟ ام ان هذا نتاج فساد طويل صمت عليه الجميع ؟ ولماذا لا نفيق الا عندما تحدث الكارثة ؟ ولماذا تتأمر كيانات الدولة علي قهر العامل وسحقه على الرغم من كونه الأساس في قيام الوطن ؟

حتى نجيب على هذا السؤال !!!! فلنتذكر أهم الاحتجاجات العمالية في مصر والتي بدأت مع عمال تفريغ الفحم بميناء بورسعيد عام 1882 والذى طالب فيه العمال بمطلبين اساسيين:- احداهما – دفع الاجور مباشرة للعمال بدلا من مكاتب التشغيل و الاخر – زيادة الاجور . وقد استجابت الشركات الأجنبية للمطلب الاول فقط واعتبر ذلك مؤشرا على تصاعد الثورة العرابية .

ويأتي اضراب عمال لف السجائر عام 1899 واستمر ثلاثة اشهر وانتهي بأول تنظيم عمالي في مصر وهو ( رابطه لفافى السجائر ) ومن هنا بدأت فكرة التنظيمات النقابية في مصر .

واضراب عمال كفر الدوار في اغسطس 1952 والذى انتهى بفصل عدد من العمال واعدام ( مصطفى خميس , وعبد الرحمن البقري ) .

ثم أضراب عمال المحلة في ابريل 2008 اعتراضا على الغلاء والفساد والانتهاكات التي تمارس في حق العمال وهو بداية التحرك العمالي الجاد ضد مبارك وسياساته التي تصاعدت وتيرتها وكانت وقودا لثورة يناير 2011 .

ولعل الدافع الأساسي لتحركات العمال في مصر دائما هو القهر الاجتماعي الواقع عليهم , وانتشار الفساد في الاماكن العمالية , واستمرار سداد العامل البسيط ثمن السياسات الفاشلة للأنظمة السياسية والاقتصادية التي توالت على حكم مصر , بالإضافة للتعسف في استعمال السلطة , واستغلال النفوذ للإطاحة بمن يلوح بالاعتراض , وعدم وجود حد ادنى للأجور يمكن ان يضمن لأى مواطن العيش الكريم وهذا ابسط حق من حقوق الانسان التي نصت عليها الاتفاقات والمعاهدات الدولية واقرتها الشرائع السماوية .

والسبب الأساسي في عدم تحقيق ذلك هو غياب منظومه سياسيه اجتماعيه اقتصاديه تستطيع ان توفق بين اهداف ومصالح صاحب العمل وبين مطالب العامل في الستر والحياة الكريمة وبين اهداف الدولة في الحكومة والقطاع العام وبين ضمان مستقبل للعامل .

والنتيجة هي حدوث  تدمير اقتصاد واجتماعي عام  دفع بالدولة وصاحب العمل ( رجال الاعمال والمستثمرين ) الى استغلال العامل وتسخيره في احيان كثيره لتنفيذ العمل بغير ضمانه حقيقيه لحياته او لمستقبله ودفع في كثير من الاحيان بالقطاع الخاص الى اجبار العامل على توقيع استقالة غير مؤرخه كورقه اساسيه من ضمن مصوغات تعيينه وحين تحدث المشكلة يوضع التاريخ ويصبح العامل مشردا لا استحقاقات وحقوق له .

واستغل الطرفان ( الدولة والقطاع الخاص ) معطيات الفقر والبطالة والجهل المتصاعدة  في ابتزاز العامل وتجريده من انسانيته حتى يكون ألة ينفذ ما يرغبون وليس له الحق في ان يبحث عن ادميته او يسال عن حياته كيف ستبقى وتكون طوال فترة العمل وكيف ستكون بعد الخروج على المعاش؟؟؟

بالإضافة الي ازدياد الصراع بين ممثلي العمال انفسهم واختراقهم من قبل الاجهزة الأمنية لإفساد اي خطوات او قرارات جاده يمكن اتخاذها لصالح العمال لتصل هوة الخلاف الى حد الصراع بين اتحاد عمال مصر من ناحيه واتحاد النقابات المستقلة من ناحيه اخرى ونتاج هذا ان اتت الاجهزة الأمنية بمواليها من العمال على سده النقابات العمالية كما حدث مع النقابات المهنية .

وتأتى الطبقية من قبل السلطة والاحزاب والنخب ونظرتهم للعمال على انهم اداة انتخابيه ينتهى دورها بمجرد الانتهاء من فرز الاصوات الانتخابية , وان هذه النظرة خلقت حاله من الطبقية البغيضة فيما بين السلطة والاحزاب والنخب الذى هم اصحاب العقل والتفكير وبين العامل الذى هو عبد سخره يجب ان تنتهك ادميته في حادث مأساوي او التشرد او ان يحيا ويموت وهو يحاول ان يجد مأكلا او مشرباً او ملبساً او سكناً , وعليه ان ينتظر العلاوة كل عام في الاول من مايو بقرار من رئيس الجمهورية ( تحت عنوان – المنحة ياريس ) وصار ذلك التاريخ لعنه على العامل والمواطن المصري , عموما استغله النظام بمنحه العلاوة وفى ذات التوقيت زيادة اسعار قوائم ضخمة من السلع وزيادة الرسوم الجمركية وفرض رسوم انتاج واستهلاك على اجهزة بعينها وزيادة الضرائب .

وقل ما شئت عن حالات الفصل التعسفي وسوء استغلال مُصدر القرار لسلطاته والمحاكم معبأة بالعديد من هذه القضايا وفى ظل فقدان الثقة في المنظومة القضائية المصرية ارتضى العامل بالذل والمهانة .

ففي القطاع الخاص اذ صدر حكم قضائي لصالح العمال بعد جهد مضنى يكون بالتعويض والواقع يقول :- ان ذلك التعويض غير جابر للضرر ولا يمثل رادع لصاحب العمل حتى لا يتكرر ذلك مع غيره من أصحاب الاعمال , كما لا يصدر حكم بعودة العامل الى عمله ( كيفما يحدث مع موظفي الحكومة عن طريق محاكم مجلس الدولة ) ولا توجد أليه تنفيذ بحبس صاحب العمل في حاله عدم التزامه بتنفيذ الحكم ( كيفما يحدث مع موظفي الدولة فيحق للعامل اقامه دعوى قضائية بحبس وعزل المسئول الممتنع عن التنفيذ , وان كان الواقع العملي في المحاكم المصرية الان يقوم بتعطيل مواد القانون وعدم اصدار الاحكام ضد الوزراء والمحافظين ورؤساء المصالح والهيئات وفى قضايا محطات طلمبات توشكي اسوة ) ويصبح التنفيذ المدني هو السبيل الوحيد للعامل ضد القطاع الخاص .

ومن الكوارث الان ان قطاع الاعمال يقوم بتعيين العمال بعقود عمل مؤقته وهو سلوك انتهجه القطاع الخاص وبخلق ( عماله غير منتظمة ) سواء بنظام اليومية او بنظام السركى فأعطى ذلك شعور بالامتهان وعدم الامان والاستقرار لدى العامل , مع كون الراتب لا يتناسب مع ما يؤدونه من اعمال , كما ان هذه الرواتب في الاعم لا تخضع لأى معايير رقابية من الدولة .

وعليه يصبح العامل منتهكا من الجميع يمارسون معه الرذيلة بالإكراه وما اعنيه بالرذيلة هنا مفهومها (السياسي والاقتصادي والمهني والنقابي ) مخالفين مواد صريحه في الاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها مصر ومخالفين القانون والدستور المصري الذى ينص على ان  الجميع متساوون في الحقوق والواجبات ) وهو ما ينطبق على الموظفين والعمال سواء في الحكومة والقطاع العام والخاص .

وعندما يحتج العامل يتعرض لتهم ( تعطيل وسائل الانتاج , التجمهر , والاضرار بالأموال والمصالح , ولا يمنع الامر من الاعتداء على موظفين عموميين وقطع الطريق والتحريض على الاضراب وهلم جره !!!)

ويتبقى دور بعض منظمات المجتمع المدني والتي تستغل اشكاليات العمال لتخدم اهداف وقضايا وسياسات اخرى حتى يزداد التمويل الأجنبي لهم بالدولار وسار الامر بالنسبة لهم وسيلة للتربح والتجارة وتناسوا الدور الحقيقي لفكرة منظمات المجتمع المدني ومدى اهميتها وتأثيرها ليكون بالإيجاب لصالح الوطن والمواطن .

وقد كان نعيب  على عصر الملكية ( قبل ثورة يوليو 1952 ) على ان هناك اقطاعيات وسيطرة اصحاب راس المال وتوجيه القرار السياسي ليمكنهم من نهب مصر وذبح عمالها وفلاحيها , فاذا بنا الان نقف امام توجهات دولة اسوء مما كانت عليه من عصر الملكية , حيث ازدياد وانتشار هذه الاقطاعيات وارتباطها بمنظومه من الفساد المنظم والممنهج ويمكن وصفها فعليا ( بالمافيا ) قسمت نفسها على كل الاعمال ومصادر الدخل والرزق بل سيطرت بشكل كامل على اقتصاديات مصر وارتبطت فيما بينها بمصالح ماليه مهولة وثقتها علاقات مصاهرة ونسب فيما بينهم وبين بعض كبار الدولة والسلطة وتوغلت الى جهات يفترض انها تشكل امنا للمجتمع (كالجيش والشرطة والقضاء والاعلام )  لتصرفها وتحولها عن دورها الاساس المنوط لها القيام به .

وان كان علينا ان نذكر ان فترة حكم جمال عبد الناصر في مجملها تحققت اهداف عماليه عدة منها ( التامين الاجتماعي والمعاشات ومنح العمال سكن ادارى كان يملك لهم عند الخروج على المعاش ) وبالرغم من قيد وتكبيل الحرية والحركة النقابية الا انه استطاع ان ينشئ قلاع صناعيه عملاقه استطاعت ان تعيد بناء الجيش المصري بعد نكسة 1967 وللأسف تمت خصخصتها منذ عهد مبارك وحتى الان في عمليات مشبوهة الغرض منها تدمير ما كان يعرف بالاقتصاد القومي .

وحتى النازية فى المانيا اثناء حكم هتلر من اجل تحقيق هدف رئيسي وهو التقدم اهتم بالعمال وكانت النتيجة القضاء على البطالة في المانيا في زمن قياسي , وتحسين الظروف الاقتصادية والمعيشية للعمال واقامه مساكن خاصه لهم وتحديد عدد ساعات العمل مع وضع اجر للساعات الإضافية ومنح يوم الاجازة للعامل باجر كامل ) وهو ما نقل المانيا من دوله ضائعة الى دوله تمتلك اقتصادا عالميا جعلها قوة دوليه حاربت بها العالم ووظفت فيما بعد الحرب العالمية الثانية على الرغم من هزيمتها العسكرية لتعيد بنائها ولتكون المانيا اليوم اكبر القلاع الصناعية في العالم .

وعليه لا يمكن ان تتصور انه سيستقيم حال مصر في ظل هذه الاجواء وبدون وضع معايير اوليه يمكن البناء عليها كالاتي :-

  • اطلاق قانون الحريات النقابية .
  • تطبيق الحد الادنى والاقصى للأجور .
  • الغاء قانون الخدمة المدنية الكارثي .
  • اعادة صياغه قانون العمل وقانون الاستثمار.
  • اعادة دور الدولة متمثل في القطاع العام للصناعات الاستراتيجية والثقيلة.
  • تهيئة بيئة العمل بالشكل الذى يضمن حياة ادميه للعامل ويضمن تحقيق اعلى معدلات انتاجيه .
  • تنقيه الجهات الحكومية القائمة على مراقبه ومتابعة اصحاب الاعمال من افراد على صلة بهم يوجهون الامر لصالح سطوة راس المال .
  • اعطاء الحق للجهاز المركزي للمحاسبات في تحريك الدعوى الجنائية منه مباشرة على ان تتولى النيابة العامة بصفتها صاحبة الدعوى العمومية مباشرتها امام القضاء .

والاهم من هذا هو تغيير العقيدة السياسية لدى القائمين عل الحكم في الدولة بانه لا يمكن ان يستقيم البناء السياسي والاقتصادي والاجتماعي لهذا الوطن بغير اعطاء الحقوق للعمال والفلاحين .

بقلم

وائل رفعت سليم          المحامي