آراء وأفكار

طاهر علوان يكتب:

الجماهير ما تزال بانتظار الأبطال المنقذين

لعلها نزعة فطرية تؤسس كل هذا الولع بالأبطال المنقذين الذين تنتظرهم الجموع لكي يظهروا قدراتهم الاستثنائية، فيصححوا الموازين أو يقلبونها في وسط شبه عاجز عن القيام بذلك إلا من طرف أبطال استثنائيين.

لم تكن الشاشات بعيدة عن هذا الولع بل إنها غذته على مدى عقود طويلة وبذلك أنتجت سلسلة طويلة من الأبطال الخارقين الذين وظفتهم هوليوود بشكل خاص حتى صارت عندهم القدرة على اجتياز جميع العقبات وحتى عبور الأزمنة وصولا إلى التحليق في الأفق والقفز من أعلى المباني إلى ما شاؤوا من أماكن من أجل إتمام المهمة.

بالطبع سوف يتم التركيز في الغالب على القدرات الخارقة من الناحية الفيزيائية، الأبطال مفتولي العضلات وذوي القدرات الخاصة أشبعت بهم سلسلة مارفيل الشاشات الهوليوودية، مغامرات الكابتن مارفيل والسوبرمان غمرت الشاشات إبان وبعيد الحرب العالمية الثانية، والغاية هي تمجيد الذات الأميركية المتفوقة فضلا عن تأسيس نوع فيلمي أوجد له جمهوره الخاص العاشق للمغامرات والمجسد للقدرات الخارقة.

أنفقت هوليوود منذ ذلك التاريخ مليارات الدولارت وجنت المليارات على هذا النموذج الخارق الذي لم تفلح أي ثقافة أخرى في أن تنتج مثيلا أو شبيها له، حتى صار ذلك الكائن الاستثنائي أيقونة مترجمة تتداولها الحشود بالعشرات من اللغات حول العالم.

واقعيا هناك ما يمكن أن نسميه بالاشتقاقات الموازية من خلال الأبطال الواقعيين الأقل من حيث القدرات الخارقة والذين يتمتعون بخواص كارزمية تجعل منهم أكثر قربا من الجمهور العريض

وبسبب هذه القاعدة من القبول والنجاح ما لبثت هوليوود نفسها أن بنت على ذلك مؤسسة لنوع من السلاسل التي لا تكاد تنتهي من هذا النوع، ومنها مثلا سلسلة السوبرمان والرجل الخفاش والرجل الحديدي والرجل النملة وكابتن أميركا وغيرها في تراكم لا يكاد ينتهي وصولا إلى المرأة الخارقة التي شاهدنا آخر إنجازاتها من خلال الشخصية التي جسدتها الممثلة الأميركية سكارليت جوهانسون في فيلم الأرملة السوداء الذي يعرض في دور السينما والمنصات الرقمية الآن.

هذا التنوع والغزارة في إنتاج هذا النوع وتبنيه ما يزال يشبع نهم جمهور عريض هو أشد قناعة بهؤلاء الأبطال المثاليين الذين لا مثيل لهم ولا نظير، والذين بإمكانهم إصلاح اعوجاج العالم المحيط وفرض إرادة ما متغيرة وظرفية مرتبطة بالمكان والشخصيات التي تعيش في ذلك المجتمع.

وأما إذا ذهبنا إلى ما هو أبعد من ذلك إلى النمط التجاري الذي بني على وجود هذه الشخصيات الخارقة فإن جوانب نفسية واجتماعية يمكن التوقف عندها في أسباب رواج هذا النوع والعجز عن مضاهاته بهذا الشكل المتقن الذي ظهر فيه أولئك الأبطال الخارقون مع أن التاريخ يعج في كل بيئة ومجتمع بشخصيات استثنائية يتم إسباغ الكثير من المخيال الشعبي عليها وإظهار قدراتها الفائقة والمتفوقة على الآخرين، أما وضع مسطرة الواقع في إعادة تشكيلها فتلك قصة أخرى لا يريد السواد الأعظم من المتلقين التوقف عندها.

واقعيا هناك ما يمكن أن نسميه بالاشتقاقات الموازية من خلال الأبطال الواقعيين الأقل من حيث القدرات الخارقة والذين يتمتعون بخواص كارزمية تجعل منهم أكثر قربا من الجمهور العريض وفي ذلك عودة إلى الشخصيات الدرامية المعتادة ولكن المنقذة أو تلك التي تنتصر للخير في مواجهة الشر، وهذا نموذج سائد ومتكرر في التجارب السينمائية الأكثر واقعية.

في المقابل إذا توقفنا عند البعد الإنساني الذي يرتبط بالشخصيات المنقذة فهو في الواقع العنصر الأكثر أهمية الذي جعلها أكثر قربا من الجمهور في كونها على الرغم من قدراتها الفائقة إلا أنها ملامسة لحاجات الآخرين ومتعاطفة ومتفاعلة معهم وذلك سر من أسرار الشعبية الواسعة التي تتمتع بها والذي زاد من نجاحها على الشاشات وجعل منها أيقونات لا تنسى.

التعليقات

شروط التعليقات
- جميع التعليقات تخضع للتدقيق.
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها

مقالات ذات صلة