فادي أبوبكر يكتب لـ(اليوم الثامن):

ما بين رحيل ترمب وانقلاب ميانمار

حرصت الولايات المتحدة  الأميركية على الدوام، على تسويق صورة نمطية عنها لدى شعوب وحكومات العالم  تُظهرها  كدولة مؤسسات ودستور وقانون وديمقراطية عريقة، وهو أمر منافي تماماً للحقيقة التي مفادها بأن الولايات المتحدة هي العدو الأول للديمقراطية وحقوق الانسان في العالم.

وإذا ما أخذنا السياسة الأميركية إزاء القضية الفلسطينية أنموذجاً، فإن الوعودات والضمانات والتعهدات التـي قدمتهـا الإدارات الأميركية السـابقة للسـلطة الفلسـطينية إبـان اتفـاق أوسـلو عام 1993 ،واتفـاق واي ريفـر عام 1998 ،ومفاوضـات عام 2013، والتي لم تنعكس أي أجزاء منها بالمطلق على الواقع الفلسطيني،  تؤكد على عدم تمتع الولايات المتحدة بالمصداقية فيما يخص احترام وتطبيق قرارات الشرعية الدولية، كما يُدلّل ذلك على الانفصام الذي تعيشه الشخصية السياسية الأميركية التي تُصوّر نفسها على أنها "حامية الديمقراطية وحقوق الانسان" في العالم.

وقد أماط الرئيس الأميركي الأسبق دونالد ترامب اللثام عن الوجه الحقيقي للولايات المتحدة إبان فترة حكمه ( 2017-2021)،  فأصبح الفلسطينيون قيادةً وشعباً، والأمم المتحدة والهيئات الدولية التي تكفل حقوق الشعب الفلسطيني بما فيها المحكمة الجنائية الدولية، وكل من ينتقد دولة الاحتلال الاسرائيلي ويدعو لمحاسبتها على جرائمها عدواً للإدارة الأميركية.

وتجدر الإشارة إلى أن   70% من الرؤساء الأميركيين  استطاعوا أن يفوزوا بجولة رئاسية ثانية، فيما خسر ترامب خسارة  فادحة أمام منافسه من الحزب الديمقراطي جو بايدن، ولم يستطع الفوز بولاية رئاسية ثانية، وتبع ذلك اقتحام أنصاره للكونغرس الأميركي، في مشاهد صدمت العالم وجعلت من الولايات المتحدة والقيم التي تتغنّى بها محطّ سخرية القاصي والداني.

وتتشابه الأحداث في الولايات المتحدة مع تلك التي جرت في ميانمار من انقلاب عسكري على الحكم واعتقال المستشارة البورمية  أون سان سو تشي في الأول من شباط / فبراير 2021، حيث أن سو تشي التي صورّها الغرب على أنها بطلة ومناضلة في مجال حقوق الإنسان، قامت سلطات ميانمار في عهدها بارتكاب جرائم بشعة ضد أقلية الروهينغا المسلمة، لتُشكّل بذلك نموذجاً مصغّراً يُحاكي الإدارة الأميركية في سياساتها ورؤيتها.

وفي التاريخ دروس وعبر، ولعلّ هذه الأحداث تؤكد على أن انفصام الشخصية السياسية  لأي نظام ستجعله من الداخل أوهن من بيت العنكبوت، ولا يمكن لأي نظام  مهما بلغت قوته وجبروته  من الاستمرار والوقوف بوجه التاريخ، حيث أن الجرائم لا تسقط بالتقادم، وكلُ مجرمٍ له نهاية مهما طال الزمن وعربد الشر، وكما يقول الكاتب الأوروغواياني إدوار غاليانو : "التاريخ لا يقول وداعاً أبداً، التاريخ يقول سأراكم لاحقاً".