طاهر علوان يكتب:

نصر صحافي للمهاجرين

كمثل موسم هجرة الطير لا يتوقف رحيل البشر عن ديارهم وبحثهم عن ديار أخرى قد يجدون فيها ملاذا.

لكن الفارق أن مواسم هجرة البشر لا تفرق بين صيف وشتاء أو بين حر وبرد، ففي كل ساعة سيكون هنالك مهاجرون يعبرون الحدود حتى بلغ عدد من تركوا ديارهم إلى ديار أخرى أكثر من 270 مليونا، لكن من هاجروا بسبب الحروب والصراعات في العديد من البلدان والمناطق ومنها منطقة الشرق الأوسط فاق 40 مليونا بحسب الهجرة الدولية.

في وسط رحلة الهجرة واللجوء هنالك صحافيون يتتبعون رحلة الشقاء المرّ التي يتخذها أولئك المهاجرون وخاصة ممن يطاردهم رعب الحروب.

قبل مدة نشرت قصة صحافي رافق المهاجرين المعذبين من ميانمار حيث تلاحقهم قوات الجيش والشرطة وبوذيون متطرفون وهم يهربون باتجاه بنغلاديش.

روى الصحافي مشاهد مروعة تقشعر لها الأبدان فما كان من السلطات إلا أن أودعته السجن ووجهت له تهم التحريض وتزييف الحقائق ثم لتكتشف أنه مراسل لوكالة رويترز، ولكي لا يتحول سجن الصحافي إلى فضيحة اضطرت السلطات إلى الإفراج عنه بصمت بعد 500 يوم من السجن.

على الجهة الأخرى يتابع مراسل الغارديان البريطانية في تقرير كان قد نشر قبل أكثر من عام قصة عذابات المهاجرين العالقين ما بين البوسنة وكرواتيا وما يعانونه من اضطهاد وضرب وملاحقة من طرف السلطات الكرواتية.

هي قصة سوف تتكرر وسبق أن وقعت مثيلاتها في العديد من الساحات، آخرها ما نشاهده على الشاشات وما نقرأه من تقارير عن تراجيديا جديدة تشغل الصحافة اليوم تجري وقائعها على الحدود اليونانية مع تركيا.

هنا يروي الصحافيون قصصا عن جلب السلطات التركية الآلاف من المهاجرين وإلقائهم على الحدود مع اليونان.

الدعاية الصحافية التي ترفد موقف الحكومة التركية أظهرت مقاطع فيديو لمهاجرين تم جلدهم بالسياط والهراوات حتى ازرقت ظهورهم وظهروا وهم شبه عراة ولا أحد يعلم حقيقة الجلاد على الرغم من أن الدعاية التركية تتهم الخصم اليوناني بذلك.

الحملة التي كرست لها الحكومة التركية جيشا من الصحافيين وراحت الذراع الإعلامية لحكومة العدالة والتنمية تصول وتجول فيها ممثلة في وكالة الأناضول الرسمية كانت خلاصتها أن حشودا من المهاجرين السوريين يواصلون زحفهم باتجاه الحدود اليونانية.

لكن التقارير الدولية تظهر أن تلك الدعاية تنقصها المصداقية إذ المهاجرون هم خليط من العديد من الجنسيات والقارات بينما السوريون أقلية قليلة من بينهم.

الصحافيون الذين يرافقون المهاجرين ويحافظون على الموضوعية يروون مأساة تشرد الآلاف من البشر في العراء تحت درجة حرارة تقترب من الصفر بينما السلطات التركية تتفرج عليهم وتجلب أعدادا أخرى.

المهاجرون لا يهمهم سوى الوصول إلى الأرض الأوروبية الموعودة بأي ثمن والسلطات التركية تدفعهم إلى الاشتباك مع حرس الحدود اليونانيين وكل همها أن تسجل نقطة على الدولة الخصم التاريخي والمضي في لعبة عض الأصابع مع الاتحاد الأوروبي.

صور الأطفال والنساء الذين يرتجفون بردا ولا يحظون برعاية صحية يبدو أنها لا تحرّك مشاعر ذلك الجيش من الصحافيين الذين أرسلتهم أنقرة، فالمهم هو التصادم مع الأوروبيين واليونانيين على وجه الخصوص، وأما أولئك المهاجرون فهم مجرد رقم في لعبة السياسة والابتزاز السياسي.

صور فوتوغرافية بالمئات تحكي من دون حاجة إلى أي شرح ولا تعليق ما عجزت عن قوله الصحافة الحكومية، بل إن تلك الصور تفند جميع الادعاءات بأن أولئك المهاجرين يحظون بأي اهتمام يليق بهم كبشر على الرغم من الأموال التي تتلقاها الحكومة من الاتحاد الأوروبي. فمن هو يا ترى المنتصر في هذه التراجيديا، أهم السياسيون الذين زجّوا بهذه الآلاف المؤلفة من البشر إلى المجهول أم الصحافيون شهود الزور أو المهاجرون الذين يمثل مجرد تكدسهم بتلك الصور المأسوية فضيحة سياسية مدوية ونصرا صحافيا لهم وهم بمثابة صرخة الوجدان والضمير وهزيمة الإنسانية في كل زمان ومكان.