طاهر علوان يكتب:

صحافة الصراعات والفايروسات

في زمن مضى كانت هنالك عبارة “بشرى سارّة” تتصدر الصحيفة وبذلك تحقق لها ارتفاعا في المبيعات، باندفاع الجمهور لمعرفة ما هي تلك البشرى.

غالبا ما كانت تلك البشرى ترتبط بالمحفظة وما في الجيب، بالراتب والإنفاق والقروض والامتيازات التي من شأنها تحسين مستوى المعيشة.

لكننا منذ زمن لم نعد نقرأ أي بشرى سارّة للمواطنين.

بل إن المواطن لا ينتظر من نشرة الصباح الباكر قبل الذهاب إلى العمل أو وهو في طريقه إلى العمل سوى أخبار القتلى والجرحى في الحرب الطاحنة التي تجري وقائعها في بلد عربي ما ثم اكتملت قتامة الصورة مع هذا التفشي المرعب لفايروس كورونا.

لم يعد في الصحيفة متسع للضحك والتفاؤل، بل اتسعت مساحة الخوف والقلق، اختفت مساحة الطرائف والنكات وحلت محلها أعداد الضحايا وصور الهاربين من جحيم الحرب.

فهل أن الصحافة قد دخلت طور الكآبة والتجهم والسوداوية برغبتها أم أنها تجد نفسها مجبرة على مجاراة الكوارث والمصائب؟

الصحيفة تحاول الهرب من قتامة المشهد لكن المحرر في غرفة الأخبار يصطدم بصره بصورة طفلين ملتحفين ببطانية كالحة وسط الصقيع وقد حملتهما حافلات الحكومة التركية باتجاه الحدود

لا شك أن رئيس التحرير لم تفارقه طبيعة الفكاهة والابتسام فيما هو يحمل مشرط تشريح الأخبار فلا يجد أمامه ما يمكّنه من المضي في ضحكته المجلجلة وذلك تعاطفا مع الضحايا.

ومن جهة أخرى، فالصحافة اليوم تريد المزيد من المتابعين والمتفاعلين، لكن ذلك الجمهور المتعطش لن يتفاعل مع صحيفة أو فضائية لا تأتيه بمستجدات جائحة كورونا ومقارنتها بمثيلتها عندما ضرب الطاعون بلاد الإنجليز قبل قرون عدة خلت مثلا.

ما عرف يومها طاعون لندن العظيم والذي أدى إلى موت ربع سكان لندن عام 1665 هو موضوع مقارنة بشكل ما لكنها مقارنة سوف يسكتها ظهور رئيس الحكومة البريطانية الحالي بوريس جونسون بإعلانه خبرا سارا أنه ينتظر مولودا من صديقته وأنه أول رئيس وزراء بريطاني منذ قرابة قرنين ونصف القرن يتزوج وهو في المنصب، لكن الرجل سرعان ما ابتلع الفرحة عندما انتشرت انتقادات مفادها أنه مشغول بصديقته ومولوده المرتقب تاركا جائحة كورونا بعدما ضربت الديار الإنجليزية بثلاثين إصابة مؤكدة.

فجأة خفتت البشرى السارة وحلت محلها إما صور اندفاع جيوش أردوغان في سوريا تقتل وتفجر وفتح حدود بلاده للآلاف من اللاجئين باتجاه أوروبا وإما قصص تفشي الفايروس.

الصحيفة تحاول الهرب من قتامة المشهد لكن المحرر في غرفة الأخبار يصطدم بصره بصورة طفلين ملتحفين ببطانية كالحة وسط الصقيع وقد حملتهما حافلات الحكومة التركية باتجاه الحدود تشجيعا لهما مع والديهما لقطع بحر إيجة باتجاه الجنة الموعودة التي تنتظرهم في أوروبا.

المواطن لا ينتظر من نشرة الصباح الباكر قبل الذهاب إلى العمل أو وهو في طريقه إلى العمل سوى أخبار القتلى والجرحى في الحرب الطاحنة التي تجري وقائعها في بلد عربي

الدراما متجسمة وشنيعة التي يتنقل فيها المحرر ما بين قصص ضحايا الفايروس الفتاك الذي لا يرحم ومن جهة أخرى فايروس الحروب والصراعات الذي لا يرحم المدنيين والعزل الآمنين المجبرين على ترك ديارهم في هذا البرد القارس بحثا عن أمان ودفء.

محرر إحدى الصحف الإنجليزية في استقصائه لظاهرة فايروس كوفيد19 أو كورونا يتساءل، لماذا يصيب الفايروس الرجال أكثر من النساء؟

ويجيب بلهجة تخلط الجد بالهزل، إن العلم أثبت أن مناعة المرأة أقوى ولهذا تتلقى الفايروس أقل من الرجل ثم يأتي بآراء باحثين ومراكز أبحاث لإثبات تلك الفرضية الغريبة، لن تفلح تلك المقارنة في زحزحة قتامة المشهد برمته.

مشهد يحكي أن كل قذيفة تهز شمال غرب سوريا في صراع تركيا مع النظام السوري وروسيا تكون هنالك ضحية قد سقطت بسبب كورونا وسقط ضحايا مدنيون وشرّد آخرون من جراء القصف فماذا يفعل المحرر وقد سرقت كل هذه التراجيديا الكونية منه فكرة البشرى السارة وجعلت رئيس التحرير متجهما؟