طاهر علوان يكتب:

الصحافة تطلّق الزعيم

يموج عالم السياسة فلا يعرف هدوءا ولا استقرارا.

من يراهن على ثبات ذلك العالم المتقلّب فهو واهم والشاطر من يلتحق بعربات قطار السياسة المنطلقة كلّا إلى اتجاه وكلاّ في توقيت.

عربات السياسة تنطلق بالسياسيين وبصناديق الأسرار وما على الصحافي إلا أن يختار أمرا بين اثنين، فإما أن يركب الموجة ويساير التيار وإما أن يبقى مراقبا أمينا ومحللا دقيقا وواعيا.

بين هذا وذاك ينتفض السياسيون ويناكفون بعضهم ويصارعون بعضهم البعض داعين الصحافيين للانضمام إلى الحلبة التي لا تعرف الهدوء ولا السكينة.

زعماء من الشرق والغرب دالت زعاماتهم أو تكاد أن تتهاوى كراسيهم بينما الصحافة أمام سؤال مصيري هو: هل كانت معهم يوما في محاولة لإطالة أعمارهم أم كانت ضدهم؟

بالأمس مني زعيم حزب العمال البريطاني جيرمي كوربين بهزيمة فادحة في الانتخابات البرلمانية البريطانية الأخيرة في حدث غير مسبوق منذ العشرات من السنين أن يمنى الحزب العريق بمثل هذه الخسارة الثقيلة.

ما قبل الهزيمة في الانتخابات من وجهة نظر الصحافة ليس كما بعدها، فقد كانت الصحافة تناقش الفارق الذي لا يعدو 10 بالمئة بحسب استطلاعات الرأي ما قبل الانتخابات بين الحزبين المتنافسين الرئيسيين.

أما ما بعد الهزيمة فإن سؤال الصحافة هو “لماذا” كبيرة ألقتها في وجه الزعيم، ومن بين الصحافة اليسارية من تجرع علقم الخسارة ومن بين الصحافة الليبرالية من أعاد إلى الواجهة ما قاله توني بلير، الزعيم الأسبق للحزب المهزوم وهو يفسر أسباب هزيمة الحزب وكوربن.

يقول بلير مثلا “إن كوربين ركز اهتمامه بالترويج لنوع من الاشتراكية شبه الثورية، وخلط السياسة الاقتصادية لليسار المتطرف بالعداء الشديد للسياسة الخارجية الغربية، وهو الأمر الذي لم يلق قبولا لدى ناخبي حزب العمال التقليديين”.

كتّاب الصحف البريطانية ومنهم أحد كتاب الغارديان مثلا يتفقون أن لا أمل في التغيير بالنسبة لحزب العمال ما لم يغادر أطروحات اليسار وهو أبعد ما يمكن تخيله من قصف صحافي للحزب في حقبته المظلمة.

الصحافة المراقبة أعادت أطروحة بلير مضيفة إليها الغموض السياسي وفراغ القيادة مما جعل موضوع كوربين من الماضي لاسيما وأنه أكمل اعتذاره بنية الاستقالة من قيادة الحزب وهو طلاق جدي تبّنته الصحافة سواء المتعاطفة أو المتشفية.

في وقت مقارب كان على الجهة الأخرى من الكوكب رئيس الولايات المتحدة ينازع في صراع مع مجلس النواب باتجاه إقالته فيما هو متشبث بالقول إن الشعب الأميركي يطالبه بإكمال مدته.

لكن استطلاعات للرأي تبنتها الصحافة الأميركية كانت تذهب إلى أن 52 بالمئة من المشاركين أيدوا مواد مساءلة الرئيس الأميركي، بينما عارضها 43 بالمئة.

وبالمثل، قال 52 بالمئة من المشاركين إنهم يؤيدون عزل ترامب وإقالته من منصبه، بينما قال 42 بالمئة إنهم لا يوافقون على ذلك.

الصحافة التي تتبنى وجهة الرأي العام وخاصة تلك التي اتهمها الرئيس الأميركي بالخيانة وأطلق عليها أشنع الصفات لم تجد بدا وهي ترفع الغطاء عما يمكن اعتباره لغة دبلوماسية من أن تتبنى ما يقوله الرأي العام في ما يشبه طلاقا نهائيا مع الرئيس ذي الشخصية والتصريحات والتصرفات الإشكالية.

فهل أن الصحافة وهي تنأى بنفسها عن سقوط الزعماء مطالبة بالبراءة منهم في اللحظة المناسبة من خلال فتح الأبواب لمهاجمتهم وتكبير أخطائهم؟

واقعيا، ليس الأمر مرتبطا بصحافة المسايرة والنفاق السياسي بقدر واقع استحقاقات تتعلق بالمجتمع وتغير مزاج الرأي العام واحتدام للمواجهة بين وسائل الإعلام والسياسيين.

في المقابل شهدنا هزيمة زعيم آخر تحت وقع التظاهرات في العراق بإعلان رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي تنحيه عن السلطة تحت ضغط الشارع وهو شكل آخر من أشكال احتقانات السلطة التي على الصحافة أن تقرأها بعمق لكي تصل إلى حقيقة مفادها أن المشكلة تكمن في أصل النظام السياسي وليس في الصحافة نفسها عندما تعلن أنها غير معنية بسقوط الزعماء ولا طلاق الشعب منهم بقدر فهم الأسباب والنتائج