طاهر علوان يكتب:

صحافيون محرّضون يكتبون في صحافة صفراء

ربما شاءت الأقدار أن تكون مهمة الصحافي الأولى أن يكون في وسط الأزمات.

لا يمكن تخيل الصحافي هادئ البال منصرفا عن شواردها، بل إنه والتوتر صنوان لقربه من الاحتقانات والاضطرابات والتحولات الخطيرة والصراعات.

الكل يلتمسون آخر المستجدات في الأوقات الحرجة ويركضون لاهثين وراء تسريب صحافي من هنا وخبر عاجل من هناك.

لكن الصحافي وهو يقوم بهذه المهمة الجسيمة لن ينجو من السهام التي تتناوشه من هنا وهناك، لاسيما وأنه معني بالأزمات وكتحصيل حاصل سوف يحاول الخصوم السياسيون زجه لصالح طرف ضد آخر.

الصحافي مطالب ليس بنقل الحقيقة كما هي بتجرد بل الحقيقة بثوبها الذي يفصله السياسي، حقيقة مشذبة وغير مؤذية ولا تصب في غير صالح السياسي وحزبه.

كثير من السياسيين ينظرون للصحافيين على أنهم ثلة غير منصفة وغير موضوعية وتجلب لنفسها دعاية مجانية.

لكن أولئك الساسة يؤمنون بحرية الصحافة على طريقتهم الخاصة وسوف يلجؤون لوسائل صحافية أخرى لشن هجمات على ذلك النوع من الصحافة والصحافيين.

في المشهد العراقي السائد اليوم والذي يتفاعل بشكل تصاعدي تبرز حساسية جور الصحافي في ملاحقة ظاهرة اختطاف واغتيال وإخفاء الصحافيين المتهمين بأنهم يحرضون ويكتبون في صحافة صفراء أو أنهم يخضعون لأجندات خارجية.

هذه الاتهامات هي أكثر الاتهامات شيوعا في أوساط السياسيين الذين تم الانتفاض عليهم وسحب الثقة من شرعيتهم في أكبر استفتاء غير معلن لكن أكدته الأعداد الهائلة من المنتفضين.

في وسط ذلك تمارس سلطات وأذرع مسلحة سرية بلطجتها في وضح النهار ضد الناشطين والمتظاهرين من جهة وضد الصحافيين من جهة أخرى وقد تفننوا في الإيذاء والترهيب وإشاعة أجواء كراهية ضد الصحافة والصحافيين.

ولعل السؤال الذي يطرح هنا، عن أي نوع من الديمقراطية والتعددية يتحدث ساسة العراق بعد 2003 وهم يلاحقون الصحافيين والناشطين وحملة الرأي ويشيطنونهم ويلفقون عليهم أشنع الاتهامات ويحرضون عليهم ويرهبونهم.

لقد كانت الفترة الماضية كفيلة بكشف واقع سياسي مليء بالتناقضات والسطحية وانعدام المسؤولية.

المواطن والصحافي في واقع كهذا هو ريشة في مهب الريح لا دولة ولا جيش يحميه ويدافع عنه بل إن أعداء الصحافيين والناشطين من الكثرة والمبالغة في التخفي والتنكر ما يجعل حياة الصحافي وأمنه الشخصي بمثابة تحد حقيقي وهنالك العشرات من الأمثلة على ذلك.

في وسط هذه الأجواء المسمومة وشديدة الاستقطاب والسلبية امتدت الأذرع الكارهة للصحافيين والإعلاميين وللمؤسسات الإعلامية باتجاه الفضائيات هذه المرة فأمعنت فيها تشهيرا وإقفالا.

لم يعد هنالك في وسط هذه المعمعة متسع للكلام عن حقوق الإنسان والحريات الأساسية، بل هنالك عنف وتشهير معلن ضد شبكة صحافية واسعة تضم بشكل خاص العشرات من الصحافيين الذين يجدون أنفسهم في أوضاع لا يحسدون عليها وهم ملاحقون ليل نهار ولا يعلمون من منهم سوف يأتي عليه الدور.

إنه زمن ازدهار الصحافة الصفراء في نظر الحكومة بدليل أن أولئك الصحافيين وخاصة الشباب منهم لم تثنهم حملات الترهيب عن نقل الحقيقة بل تشعبوا في نقلها عبر العديد من الوسائط ومنها الرقمية الحديثة كمنصات التواصل الاجتماعي وغيرها.

ولعل الملفت للنظر أن هذه الحملات التي تطال الصحافيين والناشطين في العديد من الساحات لم تجد رادعا في الأرقام الإحصائية فكلما ارتفعت أعداد الذين يتم استهدافهم زادت الحكومة وأذرعها المعلنة بطشا وملاحقة للإعلاميين والناشطين.

وبعد هذا تتضح السخرية الكاملة في تشبث مسؤولي الحكومة بما يصفونه بأنه نظام ديمقراطي تعددي يضمن حرية الرأي والتعبير ولكن وفي نفس الوقت تلاحق هذه الديمقراطية العجيبة مثل غول لا يرحم أفواجا من الصحافيين وحملة الرأي بوصفهم فئة من المحرضين وكتبة الصحف الصفراء التي لا يعرف لها أثر سوى في خيالات أولئك الساسة