طاهر علوان يكتب:

عُزلة إعلامية لم تنقذ الرئيس

لا شك أن دبلوماسية الأزمات وإعلام الأزمات صارا من المتطلبات الأساسية للحكومات في عالمنا اليوم.

الاستعداد لما هو غير متوقع من الأزمات يتطلب إيجاد عقول مدبّرة في شكل خلايا أزمة تضع الحلول الكفيلة بالخروج من المصاعب.

يصدق ذلك على ما شهدته العديد من بلدان العالم من عمليات إرهابية أو أزمات سياسية خلال السنوات القليلة الماضية.

لكن التحدي الكبير يكمن في استهداف الحكومة وعندما تتحول إلى تجمع للسياسيين غير المرغوب فيهم شعبيا.

في العراق مثال على تلك الحكومة، من خلال رئيس حكومة تسوية، لم يدخل انتخابات ولا رشحه حزب بل جاء حلا وسطا تراضى عليه أصحاب مصلحة حزبيون وطائفيون وكل له مآربه وحساباته.

هذا الوضع القلق كان كفيلا بجعل رئيس الحكومة رهنا للاستجابة لمن جاء به إلى المنصب وبذلك غلّت يداه عن معاقبة الفاسدين في بلد ينخره الفساد طولا وعرضا من جهة وكان عصيّا عليه اختيار طاقمه الوزاري بحسب خياراته هو من جهة أخرى.

لكن الأمر الأهم هو ما واجهه البلد من انتفاضة شعبية غير مسبوقة في تاريخه امتدت منذ مطلع أكتوبر الماضي واستمرت حتى الساعة مع توقف بسيط، دفع خلالها العراقيون قوافل من الشهداء والجرحى.

ما يعنينا هنا ونحن بصدد الحديث عن الأزمة وحكومة الأزمة، هو كيف تصرف رئيس الحكومة إعلاميا طيلة الأزمة وقبل أن يضطر إلى تقديم استقالته تحت ضغط المظاهرات العارمة والاعتصامات والصدامات مع أجهزة الأمن.

سعى رئيس الحكومة في خطته الإعلامية إلى إخفاء الحقائق وهو تكتيك اضطره إلى إصدار الأوامر بحظر استخدام منصات التواصل الاجتماعي ومن ثم إيقاف خدمة الإنترنت نهائيا.

كان ذلك كافيا لمنع إظهار حقيقة قنابل الغاز التي هشمت جماجم عشرات المتظاهرين ومنع إظهار صور المقنعين المجهولين وهم يطلقون الرصاص الحي باتجاه رؤوس وصدور المتظاهرين السلميين.

كانت حسابات رئيس الحكومة في ذلك دونما نتيجة تذكر إذ تسربت صور الانتفاضة وضحاياها إلى كل أنحاء العام رغم كل إجراءات المحاصرة التي اتبعتها الحكومة.

الخطوة التالية كانت تعيين ناطق إعلامي باسم رئيس الحكومة وبوصفه قائدا عاما للقوات المسلحة وكان حريا به أن يطلع الرأي العام على الحقائق وعلى عمليات القتل الوحشي التي كانت ولا تزال تقع في كل يوم مثل عمليات الاختطاف المتكررة. لكن ذلك الجنرال أدهش الرأي العام في قدرته على تزييف الحقائق والوقائع ورفضه أيّ إثباتات تظهر المجازر التي ارتكبت بحق المتظاهرين.

مؤتمرات صحافية شبه يومية كان يجريها الناطق الإعلامي الحكومي وكان يقول فيها إن المتظاهرين يحملون أسلحة نارية ومتفجرات وإنهم مدربون في الخارج وكانوا يتعرّون على جسور بغداد ويحرجون قوات الأمن وصولا إلى اتهامهم باستخدام المنجنيق لضرب قوات الأمن، وبذلك عاد بنا إلى القرون الوسطى. أما الطريقة الثالثة التي ظن رئيس الحكومة أنها ستكمل ذلك السيناريو وسوف تحقق له النجاح الباهر فقد تمثلت في لجم العديد من الفضائيات، المحلية والعربية والأجنبية، عندما قرر إيقاف عملها بشكل نهائي.

لكن الفضائيات التي تم إغلاقها بشكل تعسفي صارت تجد لنفسها منافذ أخرى تنفذ من خلالها لتوصل رسائلها الإعلامية.

النظرة التحليلية لطريقة إدارة الحكومة العراقية للأزمة في جانبها الإعلامي بحسب ما أوردناه كان كافيا للكشف عن عجز فاضح عن مقاربة جوهر الأزمة وفهمها، ومن بديهياتها فهم واستيعاب جيل شاب جريء وشجاع ومتين هو الذي ملأ الساحات بهتافه ومطالبه ولم يمنعه الرصاص الحي ولا قنابل الغاز القاتل عن المضي في اتجاه أهدافه ومطالبه.

بدا الموقف الشعبي أكثر شجاعة ووعيا، ولم تفلح الدعوات المتضاربة له للعودة إلى البيوت في ثنيه عن المضي في مظاهراته واعتصاماته.

هذا هو نموذج لطريقة إدارة الأزمة الإعلامية في وجهها السياسي وكيف تغلب إعلام الشعب البسيط على إعلام وإمكانات دولة، ولم تكف العزلة الإعلامية التي تم فرضها بلا مهنية لإنقاذ رئيس الحكومة، بل كان مجبرا على الخروج من السلطة وسط أجواء شديدة الاحتقان والسلبية وليست في صالحه.