طاهر علوان يكتب:

مستنسخون في صراع طاحن ضد الشبيه

عناصر المغامرة والحركة والجريمة، توفّر دائما وأبدا متعة إضافية لأفلام الخيال العلمي حتى تلك التي تتضمن صراعا مع كائنات فضائية أو تلك التي تم تعديلها وراثيا في المختبرات لمنحها قدرات خارقة.

وفيلم “رجل جيميني” (Gemini Man) لا يحيد عن هذا المنحى، وهو من إخراج آنج لي ذي الأصول التايوانية، وهو مخرج غزير الإنتاج، بدأ الإخراج في مطلع التسعينات ليصل عدد أفلامه الآن، إلى قرابة 15 فيلما، وهذا الفيلم هو الأحدث له. وفيه نجد الكثير ممّا ذكرناه من براعة في استخدام عناصر الحركة والمغامرة والجريمة.

يبدأ الفيلم مع استعداد هنري (الممثل ويل سميث) لتنفيذ عملية اغتيال بالغة الدقة تستهدف شخصا يستقل قطارا فائق السرعة في مدينة لييج البلجيكية، يكمل المهمة بنجاح ويعود إلى الولايات المتحدة.

وليس هنري إلّا قنّاصا بارعا لديه مهارات فطرية استثنائية، فمنذ اكتشاف تلك المهارات وهو يشتغل في المارينز، لقد تم تجنيده قصد تنفيذ عمليات بالغة السرية لاغتيال شخصيات يتم إيهامه بأنها إرهابية ويجب التخلّص منها.

لكن ما لم يكن في حسبان هنري الذي أمضى سنوات طويلة من عمره وهو ينفذ تلك العمليات أن هناك ضحايا ليسوا إرهابيين، ومنهم ذاك الذي أجهز عليه في العملية الأخيرة، فهو العالم البيولوجي الذي يُشرف على مشروع جيميني للاستنساخ البشري، ولحساسية المشروع والوصول إلى نتائج متقدّمة فيه تم الإجهاز على واحد من أهم مؤسّسيه.

بنيت شخصية هنري على أساس الشك والحذر على مدار الساعة، وأنه قد يقع ضحية تصفية حسابات أو يجري التخلّص منه في أيّ لحظة.

دراما التشويق وحبس الأنفاس والمزيد من الكائنات المستنسخة، كانت من العلامات البارزة في فيلم "رجل جيميني"

تبرز في طريق هنري امرأة متخفية لمراقبته اسمها داني (الممثلة ماري وينستيد)، وسرعان ما سيكتشف هنري حقيقتها، فيؤكد لها أنه وإياها الضحيتان القادمتان، وبالفعل تتم ملاحقتهما من قبل مقنعين مجهولين، لكنهما ينجحان في الهرب إلى كولومبيا.

وبدا في الفيلم توظيف التنوع المكاني عاملا إضافيا في الدفع بهذه الدراما إلى الأمام، خاصة تلك المشاهد التي تم تصويرها في كولومبيا وهنغاريا، حيث تم استخدام الأماكن كمسرح لأحداث عمّقت عنصر الاقتفاء والمطاردة، ونجح المخرج من خلال ذلك في صنع مشاهد حركة متقنة عمّقت عنصر الإحساس بالمكان والتعبير عن جمالياته.

ومع تحوّل هنري وداني ثم صديقهما بارون (الممثل بنيديكت وونك) إلى فريق مستهدف، يبقى ثمة سؤال محير في هوية ذلك المسلح البارع الذي هاجم هنري وسط دهشة داني، فهو يشبه هنري إلى ما يقارب التطابق ويمتلك مهارات مشابهة لمهارات هنري.

ينفي هنري أن يكون له ولد، وذلك ما يدفع داني إلى تحليل الحمض النووي للاثنين، لتفاجأ بالتطابق التام، ثم ليظهر في ما بعد أن كلي جونيور ما هو إلّا نسخة من هنري تم تطويرها من خلال برنامج بيولوجي شديد السرية أشرف عليه كلايتون (الممثل كليف أوين).


واقعيا، أرادت الأجهزة السرية أن تجد بديلا أو مشابها لهنري ينفذ العمليات بعد تقاعده، ولا بأس في استنساخ أكثر من نموذج واحد لشخصيات شديدة المهارة في القنص، ولكنها لا تحمل أيّ مشاعر أو مواقف أخلاقية.

يخوض هنري صراعا داميا مع نموذجه المُستنسخ، لكن حاجزا نفسيا غريزيا كان يمنعه في كل مرة عن قتله، ليكتشف أخيرا أنه كائن مصطنع عن طريق الاستنساخ والتطوير البيولوجي، فيعيش حالة فصامية حادة.

ولعل الملفت للنظر في هذه الدراما الفيلمية، كما ذكرنا آنفا، هو بناء التحوّلات السردية للفيلم على أساس عنصر الحركة والإثارة وتوسيع مساحة المغامرة والاكتشاف لتتعدى ثيمة الخيال العلمي لوحدها.

وفي ذلك وجدنا أن نموذج الإنسان ذا القدرات الخارقة والاستثنائية هو هدف آخر يحقّقه هذا الفيلم، وبالأخص مع النموذج الثالث للقنّاص والمحارب المستنسخ ذي القدرات الهائلة في تسلق الجدران وإصابة الأهداف وعدم التأثر بالرصاص وما إلى ذلك.

نموذجان مستنسخان ظلا في أغلب مشاهد الصراع والحركة يوظفان قدراتهما الاستثنائية ليحقّقا عنصر التفوّق، وفي كل مرة كانت هناك ما يشبه الغارات التي يشنها أحد المستنسخين بأمر من كلي الأب، أو كلايتن، صاحب المشروع.

ساعة الحقيقة لا تلبث أن تتحقّق مع التحوّل الدرامي في شخصية جونيور، وهو يحاكم والده بالتبني والمشرف على عمليات الاغتيال ومشروع الاستنساخ عندما تقع المواجهة بين الثلاثة لتنتهي بمقتل الأب على يد هنري.

دراما التشويق وحبس الأنفاس والمزيد من الكائنات المستنسخة وصناعة مشاهد حركة شديدة البراعة، كل ذلك كان من العلامات البارزة في هذا الفيلم الذي حمل الكثير من عناصر النجاح التجاري الجاذب لعشاق أفلام الخيال العلمي المطعمة بالحركة والجريمة.