طاهر علوان يكتب:

الصحافة لا تلتزم الدقة والحياد

يا ترى ما هو المطلوب من الصحافة لكي تثبت براءة ذمتها ويتم الرضا عنها؟ هي ليست صحافة صفراء لكي تلاحق على الدوام بتهم الكيد والتشويه والتشهير وما شابه ومع ذلك ستبقى الأسئلة والشكوك تلاحق الصحافة.

هذه الصحافة وصلت سمعتها في أعرق الدول في مجال الحريات الصحافية وهي الولايات المتحدة إلى مستوى وصفها بأنها عدوة الشعب. ذلك الوصف كان أطلقه الرئيس الأميركي دونالد ترامب على مؤسسات صحافية رصينة منها نيويورك تايمز وواشنطن بوست.

هذه العلاقة الإشكالية تجدها حاضرة في العديد من الساحات مادامت الصحافة لا تجامل أحدا وتمضي في مسارها التحريري المستقل.

وحدها الاستقلالية والجرأة والموضوعية في مقاربة الظواهر كفيلة بإحالة الصحافة إلى منطقة الاتهام ما دامت لا تلبي متطلبات مؤسسات نفعية وجهات سياسية.

ولا شك أن المنعطفات الكبرى في حياة الشعوب كفيلة بتجسيم تلك العلاقة وإظهار المسار الخاطئ عن المسار الصائب الذي تتبعه الصحافة، هنالك اضطرابات في هونغ كونغ لكن الصين ساخطة على بريطانيا وإعلامها لأن سياستها تحرض على العنف وعلى التدخل في الشؤون الداخلية وأن عليها أن تلتزم الدقة والحياد.

في العراق وحيث استخدمت القوة القاتلة ضد التظاهرات الجماهيرية الحاشدة باستخدام الذخيرة الحية وقنابل الغاز التي قتلت العديد من المتظاهرين، قامت وسائل الإعلام بواجبها في استقصاء عملية القتل وكان من السهل الحصول على الأدلة من خلال الأشخاص المستهدفين لكن الحكومة سرعان ما شنت هجومها على ما يسمى “الإعلام المندس” مطالبة بالالتزام بالدقة والحيادية.

في بريطانيا وحيث يحتدم التنافس الانتخابي بين الحزبين العريقين المتنافسين تتهم الصحافة بالانحياز وعدم التوازن وتاليا خلق جدل اجتماعي ضار في مجتمع يمر بمرحلة انقسام واستقطاب شديد من جراء البريكست ما بين معارض للخروج من الاتحاد الأوروبي وبين مندفع للخروج.

على وفق هذه النماذج سوف ننظر إلى واقع حال الصحافة وهي تحاول أن تذود عن نفسها وأن تثبت حسن النية والمصداقية.

في الحالة الأميركية يمكن الاستنتاج مباشرة أن الموقف يتعلق بالصحافة التي تسير على خطى الرئيس وتدافع عنه وعن توجهاته وتدفع عنه الاتهامات التي تلاحقه والتي تستوجب عزله ساعتها يمكن أن تقبل تلك الصحافة وتتحول من مغضوب عليها إلى مرضي عنها.

وكأن تلك الصحافة معزولة عن المجتمع وأن المحررين يكتبون وينشرون على هوى أنفسهم إلى حلقة ضيقة يتزعمها الرئيس.

وفي الحالة العراقية يعلن مسؤول رفيع أن مقتل المتظاهرين وقوات الأمن كان على أيدي جهات مجهولة.

عندما حاولت الصحافة العراقية دخول منطقة الصحافة الاستقصائية لغرض الوصول إلى الحقيقة اتهمت مباشرة بتأجيج الشارع والتشجيع على الفوضى والاضطرابات.

الملفت للنظر أن جميع هذه الاتهامات التي تلاحق الصحافة من الممكن أن تختفي نهائيا فيما لو غيرت الصحافة مسارها وبدأت كيل المديح والثناء وحرق البخور.

وفي وسط هذا سوف تتحول قضية الدقة والحياد إلى أحجية، إذ من يحدد تلك المواصفات، أهو الرئيس الذي يكره حرية الصحافة ويناكف الصحافيين أم الحكومة الغارقة في الفساد والتي تتفرج على قتل المتظاهرين بدم بارد أم الحكومات التي تتستر على جرائم الفساد وأنواع الجرائم المرتكبة بحق المجتمع؟

هل يمكننا أن نقول إن الصحافة الجادة والموضوعية تمر بأزمة بشكل ما بسبب عدم الرضا عن خطها التحريري ومن خلال السعي لحرفها عن ذلك المسار لتحقيق أهداف خاصة لا علاقة لها لا من قريب ولا من بعيد بحرية الصحافة بوصفها من حقوق الإنسان الأساسية؟

لا شك أنه وضع إشكالي غير مسبوق لجهة تدجين الصحافة ومحاولة إسكاتها ما دامت تعتمد خطا ونهجا موضوعيا وشجاعا يستند إلى الحقائق ولا شيء غير الحقائق.