اعتراف متأخر بهزيمة تقنية..

برنامج المسيّرات الحوثي يتلقى ضربة موجعة بعد مقتل مهندسه الأبرز

لم يكن اعتراف الحوثيين بمقتل مهندس برنامج الطائرات المسيّرة مجرد إعلان عن خسارة فردية، بل كشف متأخر عن تصدع عميق في أحد أخطر أذرعهم العسكرية. فحين يسقط العقل التقني الذي أدار الحرب من الظل، تتجاوز الخسارة بعدها الرمزي لتطال بنية الردع نفسها، وتطرح أسئلة جدية حول مستقبل القدرات الحوثية في معركة باتت التكنولوجيا قلبها النابض.

زكريا حجر المكنى «هاجر»

صنعاء

بعد نحو تسعة أشهر من الصمت والتعتيم، أقرت مليشيات الحوثي بمقتل أحد أبرز خبرائها العسكريين و«عقلها الخفي» لبرنامج الطائرات المسيّرة، إلى جانب عدد من مساعديه، في ضربة وُصفت بأنها من أثقل الخسائر التي تلقتها الجماعة خلال العام الجاري.

وتداول ناشطون موالون للحوثيين، الأربعاء، دعوات لتشييع جثامين خمس قيادات عسكرية تنتحل رتبًا بين «لواء» و«عميد»، يتقدمهم القيادي زكريا عبدالله يحيى حجر، المكنى «هاجر»، المعروف بكونه أحد أخطر خبراء الطائرات المسيّرة داخل الجماعة.

وبحسب المعطيات المتداولة، لقي «هاجر» مصرعه مع شقيقه أحمد حجر، إضافة إلى عبدالله يحيى عبدالله حجر، وحسين يحيى عبدالله الهاشمي، ومحمد خالد يحيى أحمد الحيفي، الذي كان يشغل منصب مسؤول عمليات القوة الصاروخية لدى الحوثيين، وذلك جراء ضربات أميركية دقيقة نُفذت خلال شهر مارس/آذار الماضي.

وكانت وسائل إعلام في وقت سابق بنشر تفاصيل عن «هاجر» ودوره المحوري في برامج الصواريخ والطائرات المسيّرة، منذ إدراجه على قائمة العقوبات السعودية في سبتمبر/أيلول 2022، إلى جانب قيادات أخرى مرتبطة مباشرة بإطلاق الصواريخ الباليستية والمسيّرات.

يُعد زكريا حجر، البالغ من العمر 40 عامًا، أحد أخطر القيادات الميدانية الحوثية العاملة في ما يُعرف ببرنامج الطائرات بدون طيار، وهو برنامج تشير تقارير متعددة إلى أنه يُدار بإشراف مباشر من الحرس الثوري الإيراني.

وتقول مصادر أمنية إن «هاجر» كان متخصصًا في الجوانب الفنية للطائرات المسيّرة، بعد تلقيه تدريبات مكثفة على أيدي خبراء من الحرس الثوري الإيراني. كما عمل عن قرب مع خبراء أجانب في مناطق سيطرة الحوثيين، غالبيتهم ضباط إيرانيون ولبنانيون، من بينهم عناصر مرتبطة بحزب الله.

وعُرف «هاجر» بتحركاته البعيدة عن الأضواء، وبتجنبه الظهور الإعلامي، نظرًا لطبيعة المهام الحساسة التي كان يضطلع بها، باعتباره أحد كبار الخبراء الفنيين في تشغيل المسيّرات إيرانية الصنع، وركيزة أساسية في تطوير قدرات الحوثيين الهجومية العابرة للحدود.

وتمتع القيادي القتيل بنفوذ واسع داخل الجماعة، وبدعم مباشر من قيادة الحوثيين، بوصفه من العناصر القريبة من الدائرة السلالية، والأكثر موثوقية داخل الشبكات العائلية النافذة في هياكل الجماعة.

تشير تقارير إعلامية إلى أن «هاجر» تلقى تعليمه الأساسي في المحاضن المذهبية والهُجّرات والمراكز الطائفية، قبل أن ينخرط ميدانيًا في أنشطة التمرد خلال حروب صعدة منذ مطلع العقد الماضي. كما تربطه علاقة مصاهرة بعائلة زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي، فيما ينشط عدد من أفراد أسرته في مواقع حساسة داخل المنظومة العسكرية والأمنية للحوثيين.

وفي 31 أغسطس/آب 2022، أدرجت السعودية «هاجر» على قائمة الإرهاب، إلى جانب أربعة قيادات أخرى، لضلوعهم المباشر في تشغيل وإطلاق الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة التي استهدفت الأراضي السعودية والمنشآت الحيوية.

ويرى مراقبون أن مقتل «هاجر» يمثل ضربة قاصمة لبرنامج الطائرات المسيّرة الحوثي، في وقت فقدت فيه الجماعة خلال عام 2025 عددًا من أبرز قياداتها العسكرية، من بينهم رئيس أركان المليشيات محمد عبدالكريم الغماري، الذي وُصف سابقًا بأنه «دينامو» العمليات والهجمات العابرة.

وبحسب هذه التقديرات، فإن خسارة قيادات فنية وعسكرية بهذا الوزن قد تُربك منظومة القيادة والسيطرة لدى الحوثيين، وتؤثر على وتيرة وكفاءة تشغيل برامج الصواريخ والمسيّرات، التي شكّلت أحد أهم أدوات الجماعة في تهديد الملاحة والأمن الإقليمي خلال السنوات الماضية.