هدنة مؤقتة وسط اتهامات متبادلة بخرق الاتفاق..

دمشق تأمر بوقف استهداف قسد في حلب وقوات سوريا الديمقراطية تعلن التهدئة

شهدت مدينة حلب، الاثنين، تصعيدًا أمنيًا أعقبه إعلان تهدئة متبادلة، بعد أن أصدرت قيادة أركان الجيش السوري أمرًا بوقف استهداف مصادر نيران قوات سوريا الديمقراطية، فيما أعلنت الأخيرة وقف الرد على الهجمات، وذلك عقب اشتباكات أسفرت عن سقوط ضحايا مدنيين وأعادت تسليط الضوء على هشاشة ترتيبات وقف إطلاق النار بين الطرفين.

بعد سقوط ضحايا دمشق وقسد تستجيبان لاتصالات التهدئة

دمشق

في تطور ميداني لافت شمال سوريا، أصدرت قيادة أركان الجيش السوري، الاثنين، أمراً بإيقاف استهداف مصادر نيران قوات سوريا الديمقراطية داخل مدينة حلب، في خطوة وُصفت بأنها استجابة مباشرة لاتصالات التهدئة الجارية، ومحاولة لاحتواء التصعيد العسكري الذي شهدته المدينة خلال الساعات الماضية. وفي موازاة ذلك، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية وقف الرد على الهجمات التي قالت إنها صادرة عن “فصائل حكومة دمشق”، تأكيداً على الالتزام بمسار خفض التصعيد.

ونقلت وكالة الأنباء السورية عن إدارة الإعلام والاتصال في وزارة الدفاع أن قرار وقف الاستهداف جاء بعد تحييد عدد من مصادر النيران، مع العمل على تضييق نطاق الاشتباكات وإبعادها عن الأحياء السكنية، في محاولة للحد من الخسائر بين المدنيين ومنع اتساع رقعة المواجهات داخل المدينة.

من جانبها، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية عبر منصة “إكس” أنها أصدرت توجيهات واضحة لقواتها بوقف الرد على الهجمات، تلبية للاتصالات السياسية والأمنية التي تهدف إلى إعادة التهدئة، في إشارة إلى وجود مساعٍ إقليمية ودولية لمنع انزلاق الوضع في حلب نحو مواجهة أوسع يصعب احتواؤها.

وجاءت هذه التطورات عقب اندلاع اشتباكات عنيفة في وقت سابق من يوم الاثنين عند المدخل الشمالي لمدينة حلب، بين قوات الأمن الداخلي وقوات “قسد”، ما أسفر عن سقوط ضحايا مدنيين وعدد من المصابين، وسط تبادل للاتهامات بين الطرفين بشأن خرق اتفاق وقف إطلاق النار. وشكّلت هذه الاشتباكات تصعيداً خطيراً في واحدة من أكثر المناطق حساسية من الناحية السكانية والأمنية.

ويأتي التوتر الأخير في سياق أوسع من التعقيد السياسي والعسكري، إذ سبق للطرفين أن توصلا في مارس الماضي إلى اتفاق برعاية الولايات المتحدة، يقضي بدمج القوات التي تقودها “قسد” ضمن المؤسسات السورية بحلول نهاية العام، بما يشمل نقل السيطرة على معابر حدودية ومطار وحقول نفط وغاز إلى دمشق. غير أن تنفيذ هذا الاتفاق يسير ببطء شديد، وسط اتهامات متبادلة بالمماطلة وغياب الثقة، ما أبقى بؤر التوتر مفتوحة، خصوصاً في مدينة حلب.

وفي خضم الاتهامات المتبادلة، نفت إدارة الإعلام والاتصال في وزارة الدفاع السورية صحة ما وصفته بـ“الادعاءات” التي تروجها قنوات تابعة لـ“قسد” حول شن الجيش السوري هجمات على مواقعها في حيي الشيخ مقصود والأشرفية. وأكدت أن قوات “قسد” هي من بادرت بمهاجمة نقاط انتشار قوى الأمن الداخلي والجيش السوري في محيط حي الأشرفية، ما أدى إلى وقوع إصابات في صفوف القوات الحكومية.

وأضافت الوزارة أن رد الجيش السوري اقتصر على استهداف مصادر النيران التي قالت إن “قسد” استخدمتها لقصف منازل المدنيين وتحركاتهم، إضافة إلى نقاط انتشار الجيش والأمن في محيط حيي الأشرفية والشيخ مقصود، معتبرة أن هذه الإجراءات جاءت في إطار الدفاع عن المدنيين وضبط الوضع الأمني.

في المقابل، نفت قوات سوريا الديمقراطية بشكل قاطع الرواية الصادرة عن الأجهزة الأمنية والعسكرية التابعة لحكومة دمشق، مؤكدة التزامها باتفاق العاشر من مارس، ومعتبرة أن الفصائل المحسوبة على الحكومة هي من استخدمت الدبابات والمدافع لقصف أحياء مدينة حلب. واتهمت “قسد” تلك الفصائل بافتعال الأزمات منذ أربعة أشهر عبر حصار حيي الشيخ مقصود والأشرفية، وتكرار ما وصفته بالاستفزازات والاعتداءات على المدنيين، تحت أنظار أجهزة الحكومة.

وقالت “قسد” إن ما يحدث من قصف للأحياء السكنية هو نتيجة مباشرة لنشاط هذه الفصائل، لا سيما في غرب وشمال حلب، حيث تنطلق الصواريخ بمسارات عسكرية واضحة من نقاط تابعة لها باتجاه أحياء المدينة، بهدف زعزعة الأمن وإثارة الفتنة. وأضافت أن إدخال الدبابات والمدافع إلى محيط الأحياء السكنية يمثل تصعيداً خطيراً يهدد حياة المدنيين واستقرار المنطقة بأكملها.

وعلى صعيد الخسائر البشرية، أفادت قناة “الإخبارية” السورية بمقتل مدنيين اثنين جراء قصف قالت إنه نفذته قوات “قسد” على منطقة جسر الرازي في حلب. وفي المقابل، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية مقتل امرأة تبلغ من العمر 57 عاماً متأثرة بجراحها، إضافة إلى إصابة 17 شخصاً نتيجة استهداف أحياء الشيخ مقصود والأشرفية من قبل فصائل وصفتها بأنها تابعة للحكومة.

كما ذكرت وزارة الصحة السورية أن شاباً ووالدته لقيا حتفهما، وأصيب ثمانية أشخاص آخرين بينهم طفل وطفلة، إضافة إلى إصابة عنصرين من الدفاع المدني، نتيجة القصف المتبادل. وأشارت تقارير رسمية إلى نزوح عشرات العائلات وعمال المصانع من محيط حي الليرمون، بعد تعرض المنطقة الممتدة من دوار شيحان حتى دوار الليرمون لإطلاق نار وقذائف هاون، ما زاد من المخاوف الإنسانية في المدينة.

وتعكس هذه التطورات هشاشة الترتيبات الأمنية في حلب، وتؤكد أن أي تعثر في مسار التهدئة أو الاتفاقات السياسية القائمة قد يعيد المدينة سريعاً إلى مربع التصعيد، في ظل تداخل عسكري معقد وتوازنات ميدانية لا تزال قابلة للاهتزاز.