بين الرواية الإسرائيلية والتشكيك اللبناني..

إسرائيل تكشف عملية خطف داخل لبنان وتعلن إحباط مشروع بحري سري لحزب الله

لم يمرّ الإعلان الإسرائيلي عن خطف رجل من داخل الأراضي اللبنانية وتفكيك ما وُصف بمشروع بحري سري تابع لحزب الله كخبر أمني عابر، بل فتح بابًا واسعًا للتساؤلات حول طبيعة العملية وتوقيتها ورسائلها السياسية.

عناصر حزب الله في لبنان

بيروت

أعلن الجيش الإسرائيلي، الجمعة، أنه نفّذ في نوفمبر/تشرين الثاني 2024 عملية خاصة داخل الأراضي اللبنانية أسفرت عن خطف رجل يُدعى عماد أمهز من مدينة البترون شمال لبنان، واصفًا إياه بأنه عنصر يعمل في الخفاء ضمن صفوف حزب الله، وكان له دور محوري في التخطيط وبناء ما سماه «مشروعًا بحريًا سريًا» تابعًا للحزب.

وبحسب الرواية الإسرائيلية، فقد نفذت وحدة كوماندوز بحرية خاصة العملية باستخدام زورق حربي سريع مزوّد بتقنيات متطورة قادرة على تعطيل الرادارات، قبل نقل أمهز إلى إسرائيل حيث خضع للاستجواب. ويقول الجيش الإسرائيلي إن المعلومات التي جرى الحصول عليها خلال التحقيق معه كشفت تفاصيل حساسة تتعلق بملف بحري يعد من أكثر مشاريع حزب الله سرية، ويهدف إلى إنشاء منشأة بحرية بغطاء مدني لاستخدامها في تنفيذ عمليات ضد أهداف إسرائيلية ودولية.

وأشار الجيش إلى أن المشروع كان يخضع لإشراف مباشر من الأمين العام الراحل لحزب الله حسن نصرالله، ومن فؤاد شكر رئيس أركان الحزب السابق الذي اغتيل العام الماضي، فيما جرى تحديد علي عبدالحسن النور كمسؤول رفيع المستوى لا يزال يتولى الإشراف على الملف. كما قال إن أمهز خدم في وحدة الصواريخ الساحلية التابعة للحزب، وتلقى تدريبات عسكرية في إيران ولبنان، إلى جانب دراسته في معهد مدني للعلوم البحرية في البترون، واصفًا ذلك بأنه غطاء لنشاطات بحرية ذات طابع عسكري.

ونشر الجيش الإسرائيلي مقاطع مصوّرة قال إنها تُظهر استجواب أمهز، معتبرًا أن ما أدلى به من اعترافات ساعد في تفكيك سلسلة القيادة المرتبطة بالمشروع البحري، وإحباطه في مرحلة متقدمة قبل أن يصبح قابلًا للتنفيذ. وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي إن هذا المشروع، شأنه شأن وحدات حزب الله البحرية الأخرى، قائم على دعم فكري ومالي مباشر من إيران، مضيفًا أن المعلومات الاستخباراتية التي تم الحصول عليها مكّنت إسرائيل من منع تطور تهديد بحري وصفه بالخطير.

في المقابل، لم يصدر عن حزب الله أي إعلان رسمي يؤكد أو ينفي انتماء عماد أمهز إلى صفوفه، فيما أثار الكشف الإسرائيلي المتأخر عن العملية، بعد مرور عام كامل على تنفيذها، تساؤلات واسعة في الأوساط اللبنانية حول دوافع التوقيت ومصداقية الرواية المقدّمة. واعتبر مصدر قضائي لبناني أن ما جرى يمثل خرقًا فاضحًا للسيادة الوطنية اللبنانية وجريمة خطف مكتملة الأركان، بغض النظر عن هوية الشخص أو انتمائه، لا سيما أن العملية نُفذت في منطقة بعيدة عن خطوط الاشتباك.

كما أبدى مراقبون شكوكهم في الاعترافات التي بثّها الجيش الإسرائيلي، مشيرين إلى احتمال انتزاعها تحت الضغط، في ظل غياب أي معلومات مستقلة حول ظروف احتجاز أمهز أو طبيعة التحقيقات التي خضع لها. ويرى هؤلاء أن إسرائيل قد تكون سعت من خلال نشر هذه الرواية إلى تعزيز موقفها السياسي والأمني أمام الولايات المتحدة، في وقت تحاول فيه إقناع واشنطن بجدوى شن عملية أوسع في لبنان ضد حزب الله.

ويأتي هذا التطور في سياق مرحلة شديدة الحساسية أعقبت حربًا دامية بين إسرائيل وحزب الله استمرت أكثر من عام وانتهت بوقف إطلاق نار هش في نوفمبر 2024. ومنذ ذلك الحين، تواصل إسرائيل تنفيذ ضربات جوية تقول إنها تستهدف منع الحزب من إعادة بناء قدراته العسكرية، في وقت منحت فيه لبنان مهلة حتى نهاية العام الجاري لنزع سلاح حزب الله، ملوّحة باللجوء إلى القوة في حال الفشل، وسط تفضيل أمريكي لمنح الجيش اللبناني فرصة التعامل مع الملف دون تصعيد واسع.

وبين الرواية الإسرائيلية التي تتحدث عن إحباط تهديد بحري استراتيجي، والشكوك اللبنانية التي تثير أسئلة حول شرعية العملية ودوافعها السياسية، تبقى قضية عماد أمهز عالقة في منطقة رمادية، تعكس طبيعة الصراع المفتوح بين إسرائيل وحزب الله، حيث تتداخل العمليات الاستخباراتية مع الرسائل السياسية، ويُستخدم كشف المعلومات كسلاح موازٍ للعمليات العسكرية في معركة النفوذ والردع.