2025 عام الضربات الكبرى ضد الاذرع الايرانية اليمنية..
اليمن في قلب المواجهة الإقليمية: قراءة في التصعيد الإسرائيلي ضد الحوثيين
مع تزايد هجمات الحوثيين العابرة للحدود، دخلت إسرائيل على خط المواجهة بضربات متلاحقة كشفت عن تغيير جوهري في قواعد الاشتباك، حيث انتقلت من سياسة الاحتواء والرد المحدود إلى استهداف ممنهج للبنية التي تقوم عليها سلطة الجماعة عسكريًا واقتصاديًا وسياسيًا.
هجوم اسرائيلي سابق على صنعاء
شهد عام 2025 أعلى مستوى من الضربات الإسرائيلية التي استهدفت مناطق سيطرة مليشيات الحوثي في اليمن، في تطور عسكري غير مسبوق عكس انتقال المواجهة بين الطرفين من مرحلة الردع غير المباشر إلى مرحلة الاستهداف المنهجي للبنية العسكرية والاقتصادية والقيادية للجماعة، وذلك ردًا على مئات الهجمات التي نفذها الحوثيون باتجاه الأراضي الإسرائيلية منذ اندلاع الحرب الإقليمية.
واتسمت الاستراتيجية الإسرائيلية خلال العام بتصعيد تدريجي ومدروس، بدأ بضرب أهداف اقتصادية حيوية تهدف إلى شل قدرة الحوثيين على التمويل والإمداد، قبل أن يتطور لاحقًا إلى استهداف مباشر لمراكز القيادة والسيطرة، وصولًا إلى ضرب رأس الهرم السياسي والعسكري لما يُعرف بحكومة الانقلاب غير المعترف بها دوليًا.
وخلال عام واحد فقط، نفذت إسرائيل أكثر من أربع عشرة موجة غارات جوية وبحرية، حملت بعضها مسميات عملياتية لافتة مثل “الجوهرة الذهبية” و“قطرة حظ” و“دق الأجراس”، في مؤشر واضح على أن تل أبيب باتت تنظر إلى الجبهة اليمنية بوصفها ساحة صراع متكاملة ضمن ما تسميه “محور التهديد الإيراني”.
وركزت الضربات الإسرائيلية بشكل أساسي على موانئ الحديدة ورأس عيسى والصليف، باعتبارها شرايين اقتصادية وعسكرية حيوية تستخدمها المليشيات في تهريب السلاح والوقود. كما طالت الغارات منشآت الطاقة في حزيز وذهبان وحزيز، وخزانات الوقود في مصنعي الأسمنت في باجل وعمران، إضافة إلى مواقع عسكرية حساسة مثل معسكرات الصواريخ وفج عطان والنهدين، في محاولة واضحة لتجفيف مصادر القوة الصاروخية واللوجستية للحوثيين.
ومع منتصف العام، انتقلت إسرائيل إلى مرحلة أكثر جرأة، مستخدمة قطعًا بحرية في قصف ميناء الحديدة، قبل أن تعاود الهجوم بالطريقة نفسها على موانئ متعددة، مستهدفة حتى الآليات الهندسية التي كانت تعمل على إعادة تأهيل الميناء، ما عكس إصرارًا على إبقاء هذه المرافق خارج الخدمة لأطول فترة ممكنة.
أما شهر أغسطس، فمثّل نقطة التحول الأبرز، حيث شنت إسرائيل ثلاث موجات مكثفة من الغارات على العاصمة صنعاء، استهدفت البنية التحتية للطاقة ومواقع سيادية، وصولًا إلى قصف القصر الرئاسي ومقار حكومية، culminated في عملية “قطرة حظ” التي تضمنت أكثر من عشر غارات متتالية، وأسفرت عن مقتل عدد كبير من قيادات الصف الأول في الجماعة.
وفي سبتمبر، بلغ التصعيد ذروته مع تنفيذ عملية “دق الأجراس”، التي شاركت فيها عشر طائرات نفذت نحو ثلاثين غارة استهدفت خمسة عشر موقعًا في صنعاء والجوف، كان أبرزها مبنى التوجيه المعنوي، الذي تبيّن لاحقًا أنه كان يحتضن اجتماعًا عسكريًا رفيع المستوى، ما أدى إلى مقتل قيادات بارزة في الهيكل العسكري والأمني للحوثيين.
وأعلنت الجماعة لاحقًا مقتل عشرات الأشخاص، بينهم صحفيون، فيما أكدت مصادر متقاطعة مقتل تسع قيادات حوثية كبيرة في ذلك الهجوم، في واحدة من أثقل الضربات التي تلقتها الجماعة منذ سيطرتها على صنعاء.
وعلى صعيد القيادات، شكّلت عملية “قطرة حظ” ضربة قاصمة، إذ أسفرت عن مقتل أكثر من أربعة عشر مسؤولًا حوثيًا من كبار رموز حكومة الانقلاب، بينهم رئيس الحكومة أحمد غالب الرهوي، ورئيس أركان المليشيات محمد عبدالكريم الغماري، إلى جانب وزراء ومسؤولين بارزين في الاقتصاد والزراعة والإعلام والخارجية والكهرباء والشباب والعدل، وهي خسارة غير مسبوقة على مستوى القيادة السياسية والإدارية للجماعة.
وتكشف هذه الضربات، في مجملها، عن تحول نوعي في طبيعة المواجهة، حيث لم تعد إسرائيل تكتفي بضرب القدرات العسكرية للحوثيين، بل باتت تستهدف بنيتهم الحاكمة ذاتها، في رسالة مزدوجة لإيران ووكلائها بأن ساحات الاشتباك باتت مفتوحة، وأن اليمن لم يعد ساحة هامشية في معادلة الصراع الإقليمي، بل جزءًا أصيلًا من الحرب متعددة الجبهات التي تشهدها المنطقة.


