خطة ترمب تعود إلى الواجهة..
نتنياهو: انتهاء المرحلة الأولى من وقف النار.. ومسار جديد نحو “إنهاء حكم حماس”
تدخل الساحة الإسرائيلية-الفلسطينية طورًا جديدًا من التعقيد، مع إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اقتراب انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، والتهيؤ للانتقال إلى المرحلة الثانية من خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب.
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو
أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة شارفت على نهايتها، حيث لم يتبقَّ سوى استعادة جثمان آخر رهينة إسرائيلية محتجزة في غزة. وأوضح نتنياهو أن حركة حماس لا تزال تبحث عن جثة الشرطي الإسرائيلي ران غوبيلي البالغ 24 عامًا، والذي قُتل في هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 ونُقل جثمانه إلى غز. ويُعدُّ تسليم هذا الجثمان الخطوة الأخيرة لتنفيذ تعهدات المرحلة الأولى من اتفاق الهدنة الذي بدأ سريانه في 10 أكتوبر الماضي، حيث شهدت المرحلة الأولى وقفًا للقتال وتبادلًا للأسرى والرهائن بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية. وكانت حماس قد أعادت خلال الهدنة جميع الرهائن الأحياء (وعددهم 20) بالإضافة إلى 27 جثمانًا، مقابل إفراج إسرائيل عن نحو 2000 معتقل فلسطيني، ولم يبقَ سوى جثمان الشرطي المذكور لاستكمال هذه المرحلة. وقد بررت حماس التأخير بصعوبة الوصول إلى بعض الرفات المدفونة تحت أنقاض القصف الإسرائيلي، فيما اتهمتها إسرائيل بالمماطلة وهددت باستئناف العمليات العسكرية أو وقف المساعدات الإنسانية إن لم يُستكمل تسليم جميع الجثامين.
مع اقتراب اكتمال المرحلة الأولى، رجّح نتنياهو الانتقال “قريبًا جدًا” إلى المرحلة الثانية من خطة وقف إطلاق النار الأمريكية في غزة. وصرّح في مؤتمر صحافي مشترك مع المستشار الألماني فريدرش ميرتز بأن هذه المرحلة ستكون "أكثر صعوبة" من سابقتها. وتشمل المرحلة الثانية نزع سلاح حركة حماس وتجريد قطاع غزة من القدرات العسكرية بشكل كامل، إضافةً إلى إنشاء سلطة أو إدارة انتقالية مؤقتة في غزة تتولى شؤون الحكم اليومي للفلسطينيين هناك. كما ستتضمن نشر قوة دولية لضمان استقرار الأوضاع الأمنية في القطاع، على أن تكون بإشراف “مجلس سلام” دولي تقوده الولايات المتحدة برئاسة الرئيس دونالد ترمب. ومن المقرر أن تضطلع هذه الهيئات الدولية بدور أساسي في الإشراف على تنفيذ الترتيبات الأمنية والسياسية خلال المرحلة الثانية. وقد أكد نتنياهو أن تفكيك البنية العسكرية لحماس هو جوهر هذه المرحلة الصعبة، تمهيدًا لضمان ألا يعود تهديدها مرة أخرى في غزة. وحثّ المستشار الألماني ميرتز من جانبه على المضي قدمًا في تنفيذ خطوات المرحلة الثانية من الخطة، مشيرًا إلى أن ألمانيا تشارك في دعم هذه الجهود عبر إرسال ضباط ودبلوماسيين إلى مركز تنسيق مدني-عسكري تقوده الولايات المتحدة في جنوب إسرائيل، بالإضافة إلى تقديم مساعدات إنسانية لإغاثة قطاع غزة. كما تعهّدت برلين والإتحاد الأوروبي بالإسهام في إعادة إعمار القطاع في إطار هذه العملية.
من المنتظر أن يتوجه نتنياهو إلى واشنطن خلال الأيام المقبلة للقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، حيث سيتركز جدول الأعمال على سبل تنفيذ المرحلة الثانية في غزة وتعزيز فرص السلام في المنطقة. وأفاد نتنياهو بأنه سيجري “محادثات مهمة جدًا” مع ترمب في نهاية الشهر حول ضمان تحقيق أهداف المرحلة الثانية، وفي مقدمتها إنهاء حكم حماس في غزة ضمن ترتيبات ما بعد الحرب. كما رجحت مصادر دبلوماسية أن الوضع على الجبهتين اللبنانية والسورية سيكون حاضراً في مباحثات نتنياهو وترمب، نظرًا للتوترات القائمة هناك. وكان ترمب قد حثّ نتنياهو في اتصال هاتفي مؤخراً على الانتقال من خيار التصعيد العسكري في غزة ولبنان وسوريا إلى مسار الحلول الدبلوماسية وبناء الثقة كجزء من جهود ترسيخ الاستقرار الإقليمي. وتأتي هذه النصائح الأميركية ضمن رؤية ترمب لـ“مرحلة ما بعد الحرب”، حيث تعتبر واشنطن أن الأولوية هي للتحركات السياسية في غزة وكذلك على الجبهة الشمالية مع لبنان، تفادياً لانزلاق الأوضاع إلى مواجهة أوسع مع حزب الله وإيران. ومن المتوقع أن يبحث نتنياهو وترمب سبل منع تصعيد جديد على الحدود الشمالية، بما في ذلك تعزيز الضغط الدبلوماسي على الحكومة اللبنانية لكبح جماح حزب الله، والتنسيق بشأن الضربات المحدودة في سوريا لمنع تعزيز قدرات الفصائل الموالية لإيران هناك. ويرى مراقبون أن لقاء واشنطن يأتي في لحظة مفصلية لتقرير ملامح المرحلة المقبلة في غزة والمنطقة ككل، لا سيما مع تزامنه مع مهلة وضعها ترمب للجانب اللبناني لنزع سلاح حزب الله قبل نهاية العام تفاديًا لعمل عسكري إسرائيلي شامل.
خلال المؤتمر الصحافي المشترك في القدس، أكد المستشار الألماني ميرتز على موقف بلاده الداعم لحل الدولتين كأفضل خيار لتحقيق السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين. لكنه أوضح أن الحكومة الألمانية ترى أن الاعتراف الرسمي بدولة فلسطينية يجب أن يكون تتويجًا لعملية تفاوضية ناجحة، وليس خطوة تسبقها. في المقابل، جدّد نتنياهو رفضه القاطع لإقامة دولة فلسطينية ذات سيادة كاملة إلى جانب إسرائيل، زاعمًا أن “غاية إقامة دولة فلسطينية هي تدمير الدولة اليهودية الوحيدة” على حد تعبيره. وشدد نتنياهو على أن إسرائيل “لن توافق على إنشاء دولة (فلسطينية) على حدودها” معتبرًا أن أي كيان فلسطيني مستقل سيشكل تهديدًا وجوديًا لدولته. وأضاف أن الفلسطينيين كانت لديهم بالفعل “دولة أمر واقع” في غزة بعد الانسحاب الإسرائيلي عام 2005، لكنها استُخدمت منصةً لمهاجمة إسرائيل بصواريخ حماس والجهاد، وفق زعمه.
وفي سياق متصل، أقرّ نتنياهو بوجود نقاشات داخلية حول مسألة “الضم السياسي” لأجزاء من الضفة الغربية المحتلة، لكنه أكد أن الوضع الراهن في الضفة سيبقى على حاله في المستقبل المنظور. وأشار إلى أن أي خطوات كبيرة بخصوص الضفة مؤجلة حاليًا، تلميحًا إلى تعليق خطط الضم تحت ضغط الرفض الدولي. يذكر أن المجتمع الدولي – بما فيه ألمانيا وإدارة ترمب نفسها – يعارض صراحةً أي إجراءات أحادية لضم الأراضي الفلسطينية. وقد شدد ميرتز خلال زيارته على رسالة واضحة في هذا الصدد، داعيًا إسرائيل إلى الامتناع عن اتخاذ أي خطوات نحو ضم الضفة الغربية، سواءً كانت رسمية أو ضمنية أو بأي طريقة أخرى. واعتبر المستشار الألماني أن سياسة التوسع الاستيطاني وضم الأراضي تمثل عقبة خطيرة أمام حل الدولتين وتتناقض مع القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة. وفي الوقت ذاته، أكد ميرتز أن انتقاد بعض سياسات الحكومة الإسرائيلية “ممكن وأحيانًا ضروري” حتى من أقرب الحلفاء، طالما أنه لا يُستغل كذريعة لمعاداة السامية. وقد عكس هذا التصريح حرص ألمانيا على الموازنة بين دعمها الثابت لأمن إسرائيل وبين دفاعها عن حق الفلسطينيين في تقرير المصير ضمن إطار حل الدولتين.
رغم التحديات الكبيرة التي تحيط بتنفيذ المرحلة الثانية، أشار نتنياهو إلى وجود مرحلة ثالثة في الأفق ضمن التصور الأمريكي لغزة، وهي مرحلة “نزع التطرف” وإعادة تأهيل القطاع”. ووصف هذه المهمة بأنها الأصعب، مستدركًا أنها ليست مستحيلة إذا ما توافرت الإرادة الدولية، مستشهداً بتجارب تاريخية نجحت في اجتثاث الإيديولوجيات المتطرفة من المجتمعات المهزومة، قائلاً: “لقد تم ذلك في ألمانيا (بعد الحقبة النازية)، وفي اليابان (بعد الحرب العالمية الثانية)، وكذلك في بعض دول الخليج... ويمكن تحقيقه في غزة أيضًا”. وتتمحور فكرة هذه المرحلة حول تغيير البنية الفكرية والاجتماعية في غزة لضمان القضاء على ثقافة العنف والكراهية ومنع ظهور نسخ جديدة من حركات متطرفة كحماس. وتتطلب هذه العملية – وفق الرؤية المطروحة – جهودًا تعليمية وتنموية مكثفة بمشاركة دولية وإقليمية لإعادة دمج غزة في مسار أكثر اعتدالًا واستقرارًا على المدى الطويل.
جدير بالذكر أن خطة السلام الأمريكية (التي تبناها الرئيس ترمب) تترك الباب مفتوحًا أمام احتمال الوصول إلى استقلالية فلسطينية مستقبلاً في إطار حل شامل. فبحسب مصادر دبلوماسية غربية، تتضمن التصورات المطروحة خيار منح الفلسطينيين “مسارًا نحو الاستقلال” إذا ما تحقق نزع سلاح الفصائل المتطرفة وتم تأسيس حكم رشيد في غزة والضفة. ومع أن نتنياهو وفريقه يبدون متحفظين جدًا حيال فكرة الدولة الفلسطينية، إلا أن وجود هذا البند في الخطة الأمريكية يشير إلى إدراك واشنطن بضرورة معالجة التطلعات الوطنية الفلسطينية في نهاية المطاف لضمان سلام قابل للاستمرار. وسيظل شكل هذا الحل النهائي خاضعًا للمفاوضات المستقبلية، وسط إصرار إسرائيلي على عدم السماح بقيام كيان معاد على حدودها المباشرة.
في غضون ذلك، وخلال فترة الحرب على غزة وما تلاها، شهدت الضفة الغربية المحتلة تصعيدًا مقلقًا تمثل في تكثيف القوات الإسرائيلية لعمليات الاقتحام والمداهمات في المدن والمخيمات الفلسطينية، وتزايد عنف المستوطنين ضد البلدات الفلسطينية بشكل غير مسبوق. تُفيد معطيات منظمات حقوقية أن أكثر من 1000 فلسطيني قُتلوا في الضفة الغربية على أيدي الجيش الإسرائيلي والمستوطنين منذ أكتوبر 2023، وهي حصيلة تعكس اتساع نطاق القمع والمواجهات خلال هذه الفترة. كما وثّقت الأمم المتحدة “ارتفاعًا حادًا في هجمات المستوطنين” تزامنًا مع حرب غزة؛ حيث تم تسجيل أكثر من 260 اعتداء نفذها مستوطنون في شهر واحد (أكتوبر 2025) – وهو أعلى معدل شهري على الإطلاق منذ بدء رصد هذه الانتهاكات عام 2006. وشملت اعتداءات المستوطنين مهاجمة المزارعين الفلسطينيين وتخريب محاصيلهم وحرق أشجار الزيتون، إلى جانب هجمات مسلحة على قرى وآليات المواطنين تحت حماية ضمنية أو تواطؤ من قوات الجيش في كثير من الحالات. وقد أثارت هذه التطورات مخاوف من تمدد نطاق الصراع وزعزعة الاستقرار في الضفة الغربية أيضًا، الأمر الذي حذرت منه عدة أطراف دولية باعتباره استيرادًا لحرب غزة إلى الضفة. ومن جانبها، دعت ألمانيا والولايات المتحدة الحكومة الإسرائيلية إلى ضبط النفس في الضفة الغربية ووقف اعتداءات المستوطنين، باعتبار أن استمرار هذه الأعمال يقوّض جهود التهدئة الأوسع ويزيد من صعوبة تحقيق حل الدولتين في المستقبل.


