"تمكين المرأة ركيزة التوازن الأسري"..

مؤتمر المبادرات الإنسانية بين الشرق والغرب وإفريقيا بمشاركة مغربية فاعلة

شاركت فتيحة عثمان إلى جانب وفد رفيع المستوى في المؤتمر المقيم بالأردن حيث كانت لها مداخلة في الجلسة الأولى تحت عنوان : تماسك الأسرة في عصر الفردانية وعلاقتها بالتفكك الأسري .

مشاركة مغربية فاعلة في مؤتمر المبادرات الإنسانية بين الشرق والغرب وإفريقيا

رشيد كداح

شهدت العاصمة الأردنية عمّان انعقاد مؤتمر المبادرات الإنسانية بين الشرق والغرب وإفريقيا، الذي جمع نخبة من الخبراء والباحثين والأكاديميين من مختلف الدول العربية والإفريقية والأوروبية، في إطار مسعى مشترك لتكريس ثقافة التفاهم والتعاون الإنساني بين الشعوب، وتبادل الخبرات في مجالات العمل الاجتماعي والتنمية المستدامة1.

وقد عرفت أشغال المؤتمر مشاركة مغربية بارزة تمثلت في الأستاذة فتيحة عثمان، التي شاركت إلى جانب وفد رفيع المستوى من المملكة المغربية، وقدّمت مداخلة محورية في الجلسة الأولى بعنوان:"تماسك الأسرة في عصر الفردانية وعلاقته بالتفكك الأسري".

الأسرة في مواجهة الفردانية الحديثة

بيّنت الأستاذة فتيحة عثمان في مداخلتها أن العالم يشهد اليوم تحوّلات اجتماعية عميقة، قادت إلى ما يمكن تسميته بـ"عصر الانفرادية"، حيث يعيش الفرد في عزلة داخل محيطه الأسري رغم الاتصال الظاهري الذي توفره التكنولوجيا. وأكدت أن وسائل التواصل الاجتماعي أعادت تشكيل طبيعة العلاقات داخل الأسرة، فأضعفت التواصل الحقيقي ورفعت منسوب الانفصال العاطفي بين الآباء والأبناء2.

وأوضحت أن هذه الظاهرة تتجلى بوضوح في المجتمعات العربية والمغاربية، التي بدأت تشهد بوادر تراجع في قيم التضامن الأسري والتكافل الاجتماعي، نتيجة الضغوط المعيشية المتزايدة، وتغليب النزعة الفردية على روح الجماعة. هذا الانكماش في العلاقات الأسرية، بحسب عثمان، مهّد الطريق لانتشار حالات التفكك الأسري وارتفاع نسب الطلاق، وضعف الإسناد النفسي داخل الأسرة3.

وشددت في هذا السياق على ضرورة إعادة بناء ثقافة الحوار داخل البيت، وتعزيز قيم الاحترام والتفاهم، وتشجيع الاستخدام الواعي للتكنولوجيا بما يخدم التقارب الأسري لا العزلة، معتبرة أن حماية وحدة الأسرة هي أساس الأمن الاجتماعي والاستقرار القيمي للمجتمع4.

تمكين المرأة لتحقيق التوازن الأسري

وفي محور آخر من مداخلتها، تناولت فتيحة عثمان دور المرأة في التوازن بين الحياة المهنية والأسرية، مؤكدة أن دخول المرأة مجالات العمل بقوة أسهم في تعزيز مكانتها ودعم الأسرة اقتصاديًا وتربويًا، لكنه في الوقت ذاته أفرز تحديات جديدة تتعلق بالوقت والضغط النفسي والتوتر الأسري.

وأشارت إلى أن غياب بيئة عمل داعمة – من حيث المرونة الوظيفية، وتوفير حضانات للأطفال، وساعات عمل متوازنة – يؤدي إلى إنهاك المرأة ويؤثر سلبًا على جودة الحياة الأسرية5.

ودعت إلى تبني سياسات اجتماعية واقتصادية تُراعي البعد الأسري للمرأة العاملة، وتشجع الشراكة الحقيقية بين الزوجين في تحمل المسؤوليات، معتبرة أن التمكين الحقيقي للمرأة لا يكتمل إلا بتمكين الأسرة كوحدة متكاملة من التوازن والاستقرار6.

الأثر المجتمعي للمبادرات الإنسانية

كما أبرز المؤتمر أهمية المبادرات الإنسانية في دعم الاستقرار الاجتماعي وبناء مجتمعات أكثر تماسكًا، من خلال تبادل الخبرات بين الشرق والغرب وإفريقيا، وتفعيل الدبلوماسية الإنسانية كأداة لتحقيق السلم والتنمية.

وأكد المشاركون أن التحديات الاجتماعية الجديدة، كالفردانية والتفكك الأسري والعزلة الرقمية، تتطلب تضافر الجهود بين المؤسسات الأكاديمية والحكومية ومنظمات المجتمع المدني، لإطلاق برامج توعوية ومبادرات مجتمعية تستهدف تعزيز الترابط الأسري وحماية القيم المشتركة7.

واختُتم المؤتمر بالتأكيد على ضرورة اعتبار الأسرة نواة للمشروع الإنساني الشامل، وأن الحفاظ على تماسكها مسؤولية جماعية تتجاوز حدود الأوطان والثقافات، إذ لا يمكن بناء إنسان متوازن دون بيئة أسرية مستقرة ومترابطة.

الهوامش والمراجع

موقع وزارة التنمية الاجتماعية الأردنية (2025). تقرير حول مؤتمر المبادرات الإنسانية بين الشرق والغرب وإفريقيا. عمان: وزارة التنمية.

Castells, M. (2010). The Rise of the Network Society. Wiley-Blackwell. (ترجمة بتصرف: صعود مجتمع الشبكة وأثره على العلاقات الاجتماعية).

تقرير الأمم المتحدة للسكان (UNFPA). (2023). الأسرة في عالم متغير: التحديات والفرص. نيويورك: الأمم المتحدة.

رشيد، ك. (2024). العلاقات الأسرية في ظل الثورة الرقمية: قراءة في التحولات الاجتماعية المغربية. مجلة علم الاجتماع العربي، العدد 15.

منظمة العمل الدولية (ILO). (2022). المرأة والعمل: سياسات التوازن بين الأسرة والمهنة. جنيف: ILO Publications.

المريني، ف. (2023). تمكين المرأة بين الواقع المهني والمسؤولية الأسرية. الدار البيضاء: المركز المغربي للدراسات الاجتماعية.

البيان الختامي لمؤتمر المبادرات الإنسانية بين الشرق والغرب وإفريقيا، عمّان (2025).