محاكم حضرموت تسجل زيادة بـ 523 قضية منجزة في الربع الأول من العام القضائي 1447هـ..

طه الهدار: قلّة القضاة وضعف المباني أبرز تحدياتنا.. وحضرموت مؤهلة لتكون نموذجًا قضائيًا

في هذا الحديث يتوقف القاضي الهدار عند أولوياته المتمثلة في سدّ العجز في عدد القضاة، وتحسين المباني القائمة، وتوفير التجهيزات الفنية للمحاكم في المديريات، إلى جانب تسريع الفصل في القضايا، ولا سيما النزاعات العقارية التي مثّلت عبئًا على المحاكم في السنوات الأخيرة.

فضيلة القاضي طه عمر الهدار، رئيس محكمة استئناف حضرموت

المكلا

المقدمة: في إطار الاهتمام بواقع القضاء في محافظة حضرموت، ودور محكمة الاستئناف في ترسيخ العدالة، وتحسين كفاءة الأداء القضائي، أجرينا هذا الحوار الخاص مع فضيلة القاضي طه عمر الهدار، رئيس محكمة استئناف حضرموت، الذي استعرض فيه رؤيته لتطوير العمل القضائي منذ توليه المنصب في ديسمبر ٢٠٢٤م، والجهود المبذولة لتعزيز البنية التحتية، وتوفير الإمكانات اللازمة للمحاكم في عموم المديريات. تحدث فضيلة القاضي الهدار عن أولوياته في معالجة أبرز الإشكالات التي تواجه سير العدالة، وفي مقدمتها قلّة عدد القضاة وضعف التجهيزات، مشيرًا إلى خطط ملموسة لتسريع الفصل في القضايا، وتحقيق العدالة الناجزة، فضلًا عن التنسيق المستمر مع الوزارة، ومجلس القضاء الأعلى، والسلطة المحلية؛ لتذليل الصعوبات. كما سلط الضوء على التحديات المستمرة في البنية التحتية والكادر الإداري، مؤكّدًا أنَّ محافظة حضرموت مؤهلة لتكون نموذجًا مشرفًا في الأداء القضائي على مستوى الجمهورية، بفضل استقرارها، والتزام المجتمع الحضرمي بالقانون، واحترامه لأحكام القضاء. إلى نصّ الحوار..

المحور الأول: التعيين والرؤية العامة 

بداية، نرحب بكم فضيلة القاضي، ونودُّ أن تطلعونا على أولوياتكم منذ توليكم رئاسة محكمة استئناف حضرموت؟ 

تولينا العمل في رئاسة محكمة استئناف حضرموت بناءً على قرار مجلس القضاء الأعلى الصادر بتاريخ ١٤ جمادى آخر ١٤٤٦ هـ الموافق ١٥ ديسمبر ٢٠٢٤م، وبما أنّني أتيت من الميدان حيث تدرجت في العمل القضائي تدرجًا منظمًا من مساعد إلى قاضٍ إلى رئيس محكمة ابتدائية، ثم عضو شعبة، ثم رئيس شعبة، ثم رئيس استئناف، هذا التدرج أعطى لنا فكرة متكاملة عن العمل القضائي ومتطلباته وصعوباته وطبيعة الواقع والإشكالات التي تؤثر على التقاضي، وما هي المتطلبات التي متى ما توفرت ستسهم في تطوير العمل القضائي وسيؤدي إلى الإسراع في البت في قضايا المواطنين، وحل الكثير من الإشكالات والصعوبات. وفي هذا السياق نتحدث عن أهم مشكلة أو سبب، وهو قلّة عدد القضاة العاملين في المحاكم وضعف الإمكانات المادية واللوجستية من المباني والمكاتب، والأثاث المكتبي، والأجهزة المساعدة مثل آلات التصوير والطباعة وأجهزة الكمبيوترات، والميزانية التشغيلية؛ ولهذا وضعنا صوب أعيننا العمل على توفير هذه الإمكانيات من خلال المتابعة الحثيثة مع وزارة العدل، ومجلس القضاء، والتفتيش القضائي، وكذا مع محافظ المحافظة. 

ما هي الرؤية التي وضعتموها للنهوض بالعمل القضائي في المحافظة؟ 

على ضوء ما شرحت سابقًا وضعنا رؤية واضحة للنهوض بالعمل القضائي، وذلك من خلال متابعة توفير المتطلبات المذكورة إلى جانب عقد اللقاءات المتكرّرة مع الأخوة رؤساء الشعب الاستئنافية والمتخصّصة، ورؤساء المحاكم الابتدائية؛ لمناقشة الصعوبات والإشكالات التي تصاحب العمل، وطرح الحلول كلّ من جانبه، وقد أثمرت تلك اللقاءات إلى حدّ كبير في معالجة بعض الإشكالات، ونحن بصدد تكرار هذه اللقاءات والاجتماعات لما لمسناه من فوائد تخدم العمل القضائي. 

إلى أيّ مدى وجدتم أنَّ الواقع القضائي في حضرموت كان مهيأ لتطبيق هذه الرؤية عند استلامكم المنصب؟ 

بعد أن تجاوزنا مشكلة الإضرابات التي اصطدمنا بها في بداية عملنا، وبما أنَّ محافظة حضرموت مهيئة تمامًا لتنفيذ خططنا ورؤانا، ورؤى قيادات الهيئات القضائية في المحافظة؛ لما تمتاز به حضرموت من استقرار إلى حدٍّ كبيرٍ، وتفهم المواطنين لقدسية القضاء، وكذا التزام الهيئات الحكومية الإدارية والأمنية وحتى العسكرية واستجابتها لتنفيذ قرارات القضاء واحترام مخرجاته، إضافة إلى أنَّ جميع الهيئات القضائية في المحافظة تعمل بكامل قدراتها، ممَّا أدَّى إلى تحقيق إنجازات لابأس بها، ونحن لا زلنا في متابعة القضاة ورؤساء المحاكم والشعب وحثّهم على بذل المزيد من الجهود لإنجاز القضايا المعروضة. 

هل أجرَيتم تقييمًا شاملًا لأداء المحاكم في مختلف المديريات؟ وما أبرز النتائج التي توصلتم إليها؟ 

طبعًا نحن نتابع أعمال المحاكم أولًا بأول من خلال الاطلاع على إنجازاتهم في مجال الفصل في القضايا، وفي هذا الصدد قمنا بعدة زيارات ميدانية إلى بعض المحاكم في المديريات البعيدة؛ من أجل الاطلاع المباشر على أعمالها وحلّ ما نستطيع من إشكالات، وتوفير ما يمكن توفيره من إمكانات، وإعطاء القضاة والموظفين دفعة معنوية ولاسيما أنَّ الزيارات قد توقفت منذ مدّة طويلة، ولغرض حثّ القضاة لبذل الجهود من أجل الإسراع في البت في قضايا المواطنين، وفي أثناء نزولنا قمنا بالاستماع للقضاة والموظفين ومدراء المديريات التي قمنا بزيارتها، والأخذ بما لديهم من مقترحات، وقد تبيّن لنا أنَّ المحاكم التي زرناها تعمل بكامل قدرتها، وعدم وجود أيّ إشكالات مع الجهات الحكومية، وما يمكن أن يطرح هنا من ملاحظات أو أوجه قصور هي التحديات نفسها، التي ذكرناها سابقًا، والمتمثلة في عدم توفير العدد الكافي من القضاة والتجهيزات، وبالمجمل العام فإنَّ ما تقوم به المحاكم والشعب يُعَدُّ عملًا جيدًا في ظل النواقص المذكورة. 

المحور الثاني: سير الأداء القضائي 

كيف تصفون مستوى الأداء في الشعب الاستئنافية والمحاكم الابتدائية خلال مدّة توليكم المهام؟ 

محكمة استئناف حضرموت قوامها خمس شُعب استئنافية، وهي: الشُعب الجزائية، والمدنية، والشخصية، والتجارية، والجزائية المتخصّصة، وللشعبيتين الأخيرتين استقلال قضائي ومالي، وهناك خمسة عشر محكمة ابتدائية تعمل في حضرموت الساحل، ونحن على تواصل دائم مع رؤساء الشعب ورؤساء المحاكم كافة في ما يتعلق بإنجاز القضايا، بما فيها الشُعب والمحاكم المستقلة، وهنا أودُّ أن أسجل شكري وتقديري للأخوة رؤساء الشُعب، وبالأخصّ المستقلة فضيلة القاضي عمر بامحيسون، وفضيلة القاضي محمد بن ربيد؛ لتجاوبهم الكبير معنا في كل ما نطرحه من مقترحات أو طلبات. أمَّا بالنسبة لمستوى الأداء في الشعب والمحاكم الابتدائية، فقد كان هناك بعض التعثر في الإنجاز في السنة القضائية الماضية ١٤٤٦هـ نظرًا لتخلّل العام مدّة توقف العمل بسبب الإضرابات، وانتقال بعض القضاة بسبب حركة التنقلات، ورغم ذلك إلَّا أنَّ حجم الإنجاز ليس قليلًا، إذ كان عدد القضايا المنتهية بلغ (٤٧٦٩) قضية في حين أنَّ الإنجاز في السنة السابقة له، أيّ في سنة ١٤٤٥هـ كان (٥٢٩٥) قضية، وبما أنَّنا الآن قد أكملنا الربع الأول من العام القضائي ١٤٤٧هـ وقد أنجزت المحاكم عدد (١٥٧٤) قضية، فهذا مؤشر على أنَّ هناك تحسنًا واضحًا في الإنجاز، ويشكل حالة أفضل بالمقارنة مع ما أُنجز في الربع الأخير من السنة الماضية، حيث أُنجزت عدد (١٠٥١) قضية، أيّ بزيادة (٥٢٣) قضية، ولكن نحن نطمح ونخطط لزيادة الإنجاز في ما تبقى من هذا العام والأعوام القادمة، نظرًا لاستقرار الوضع القضائي. 

ما أبرز أنواع القضايا التي تتزايد في حضرموت حاليًا، وكيف تتعامل المحكمة مع هذا التنامي؟ 

أبرز القضايا التي تشغل المحاكم في حضرموت هي قضايا الأراضي السكنية والاستثمارية، وكلُّ هذه القضايا ناشئة عمَّا تقوم به الدولة من صرف أراضي للمواطنين وللمؤسسات عبر هيئة الأراضي والمساحة والتخطيط العمراني، وقبلها مكاتب الإسكان والزراعة وهيئة الاستثمار، وهذه القضايا بالفعل ملأت سجلات المحاكم وتكدّست الملفات، وأشغلت القضاة كثيرًا؛ نظرًا لتشعباتها وتعدد جهات الصرف، وانتقال الاختصاصات، وكثرة المخططات وتعديلاتها، وغيرها من المسببات التي أدَّت إلى تزايد هذه القضايا. ولكي نحد من تدفق المزيد منها قمنا بإصدار تعميم على جميع المحاكم بعدم قبول أو تسجيل دعاوى في أراضي الدولة ما لم يملك المدعي وثيقة رسمية مدفوعة الرسوم، وعدم تسجيل أيّ قضية تفتقر إلى هذا الشرط، كما أنّنا بصدد رفع مقترح إلى هيئة التفتيش القضائي بالموافقة على توجهنا بمنع قبول أو تسجيل دعاوى الاستحقاق في أراضي الدولة، والتوجيه بإحالة مثل هذه المطالبات إلى الجهة الحكومية المعنية، وهي هيئة الأراضي لتتولى البت والفصل فيها، ثم إعطاء الحقّ للمتضرر بالتقدم إلى القضاء للمطالبة بإبطال ما تصدره هيئة الأراضي من قرارات إن كانت غير صحيحة، وبهذا ستقل القضايا بشأن الأراضي، ويتفرغ القضاة للنظر في القضايا المتعلقة بالحقوق الأخرى. 

هل لاحظتم فروقًا في مستوى الإنجاز بين المديريات أو بين أنواع القضايا (مدنية، جنائية، أحوال شخصية…)؟ 

الجواب: لا يمكن الحديث عن إنجاز نوع معين من القضايا مقارنة بغيرها، وكذا لا يمكن الحديث عن تفوق محكمة أو شعبة بعينها في الإنجاز عن غيرها من الشعب والمحاكم؛ لأنَّ الإنجاز يتفاوت بين كلّ مدّة وأخرى، لأنّنا في مدة ما قد نجد زيادة لدى إحدى هذه الجهات ونقص لدى الأخرى، وفي مدّة أخرى يحدث العكس، وعليه فالثابت أن الإنجاز متفاوت في كل مدّة عن غيرها، كما لا يوجد نوع معين من القضايا تمَّ إنجازها مقارنة بغيرها. 

المحور الثالث: البنية التحتية والاحتياجات 

ما هي أبرز الاحتياجات الإنشائية أو التأهيلية التي تحتاجها المحاكم اليوم بحضرموت؟ 

نعم بعض مقرَّات المحاكم الابتدائية في حضرموت الساحل غير حكومية وإنما عبارة عن شقق مستأجرة، والكلُّ يعلم بأنَّ الشقق لم تبنَ في الأساس لتكون محاكمًا أو نياباتٍ، وإنما بنيت لتكون شققًا سكنيةً، بمعنى أن جميع تلك الشقق لا تحتوي على قاعات محاكمات، ولا مكان للحراسة، ولا أحواش، ولا مواقف سيارات ولا مستودعات… إلخ، وهذا ما يشكل وضعًا معرقلًا، أولًا: من حيث الإنجاز، وثانيًا: يؤثر سلبًا على هيبة القضاء ومكانة القاضي بين المتخاصمين، ناهيك من عدم استقرار العمل القضائي بسبب كثرة انتقال مقرَّات المحاكم، وما يصاحب ذلك من فقدان بعض ملفات القضايا أو السجلات الرسمية، ولهذا فقد سعينا منذ تولينا مهام محكمة الاستئناف إلى متابعة الوزارة لحلّ هذه المعضلة. وفي هذا الصدد استطعنا أن نوفر مبانٍ أفضل لمحكمتي الأموال العامة والمرور والريدة وقصيعر من خلال استئجار مبانٍ أفضل، ويمثل ذلك خطوة أولى إلى حين القيام ببناء مجمعات قضائية للمحاكم والنيابات المستأجرة، وفي هذا الجانب استطعنا الحصول على تفويض بالبحث عن التمويل المناسب لبناء محاكم جديدة، ونحن في إطار تحقيق ذلك، كما أنَّنا سعينا لدى السلطة المحلية وبالتنسيق مع مجلس القضاء لتشطيب أحد أدوار المبنى الموجود داخل المجمع القضائي بالمكلا، والمكون من ثلاثة أدوار، وقد وعد الأخ المحافظ مبخوت بن ماضي بالتشطيب، وبالفعل العمل جارٍ الآن وعلى وشك الانتهاء من تشطيب أحد هذه الأدوار، وقد تمَّ تخصيص المبنى ليكون مقرًّا لمحكمة شرق المكلا التي هي حاليًا بدون مقرّ، وتمارس أعمالها في بعض غرف محكمة الاستئناف. كما أنَّنا نطمح إلى تشطيب المبنى الآخر المقام من قبل النائب العام داخل المجمع القضائي ليصير مقرًا للنيابات، ومن الممكن التنسيق لتخصيص أحد الأدوار لأحد المحاكم، كما عثرنا على وثائق أراضي باسم إدارة العدل، وهو المسمى القديم لمقرّات المحاكم، وبصدد متابعة الجهة المعنية لتسليمنا مواقع تلك الوثائق للاستفادة منها في بناء مقرّات أو مساكن للقضاة. 

هل هناك تعاون مع السلطة المحلية لدعم مشاريع البنية التحتية القضائية؟ 

نعم هناك تعاون كبير مع السلطة المحلية في مجال البنى التحتية، إذ كما شرحت لكم فإنَّها قد قامت ببناء دورين عظم داخل المجمع القضائي، وعلى أساس أنَّ دورها ينتهي عند هذا إلَّا أنَّه وبسبب التعثر في التشطيب تكرم السيد المحافظ بتشطيب أحد هذه الأدوار، وهو مكون من سبع غرف إحداها ممكن أن تستخدم قاعةً، والعمل الآن مستمر، فضلًا عن تقبل المحافظ مبخوت بن ماضي طلب تشطيب الدور الثاني بعد الانتهاء من الدور الأول، كذلك وعد بتشطيب مبنى النيابة وأرسل المهندسين والمختصّين لمعاينة المبنى تمهيدًا للقيام بتشطيبه. كلُّ هذه الجهود هي محل تقدير من قبل قيادة السلطة القضائية، ممثلة برئيس المجلس القاضي محسن طالب وبقية قيادات السلطة القضائية، وهي أيضًا محل تقدير وامتنان من قبلنا للأخ المحافظ. 

المحور الرابع: الكادر القضائي والإداري 

كيف تقيّمون وضع الكادر القضائي في حضرموت من حيث العدد والكفاءة؟ 

الكادر الإداري يبذل جهودًا كبيرةً لإنجاز المهام المنوطة به في جميع المحاكم بمحافظة حضرموت، ولنكون واضحين في هذا الجانب، فإنَّ المحاكم تفتقر إلى الكادر المؤهل كثير ولاسيما بعد أن انتقل كثيرٌ من الإداريين، ممن لهم خبرات واسعة ومؤهلات علمية، انتقلوا إلى العمل في سلك القضاء، كما أنَّ كثيرًا من التعيينات الإدارية الأخيرة كانت لا تعتمد في المجمل على النوع بقدر ما اعتمدت على الكم، إذ تحصلت محكمة استئناف حضرموت في مدّة سابقة على الكثير من الخانات الوظيفية إلَّا أنَّها لم تراعِ الجانب النوعي كثيرًا، ولهذا فإنَّ كثيرًا من الموظفين لا يحملون الشهادة الجامعية بتخصّص قانون أو تخصّصات إدارية بل إنَّ بعضهم يحمل شهادة ثانوية أو أقل، وهذا الحال تكرّر أيضًا عندما أرفدت السلطة المحلية عددًا كبيرًا من المتعاقدين معها إلى السلطة القضائية، على الموال نفسه وأشدّ، فضلًا عن إشكالية توزيع تلك الخانات إذ تمّ توزيعها في المدن الكبيرة، وتمّ إهمال المديريات البعيدة، ممّا شكل معضلة غريبة، وهي زيادة الكادر الإداري في العاصمة مع الخلل في التخصّصات ونقص الكادر الإداري في المحاكم البعيدة حتى من الكادر المتوسط، إلَّا أنَّ الموجودين من إداريين قدامى وجدد يبذلون جهودًا كبيرةً في تنفيذ المهام والاختصاصات المسندة إليهم ونستطيع القول بأنَّهم قد نجحوا إلى حد ما. 

ما تقييمكم لمستوى الانضباط الوظيفي داخل المحاكم، وكيف يتمُّ متابعته؟ 

إنَّ الغالبية العظمى من الموظفين منضبطون في أعمالهم حضورًا وانصرافًا، بل إنَّ بعض الموظفين يستمرون في الدوام إلى ما بعد الساعة الثانية بعد الظهر ولاسيما أمناء السرّ طالما وأنَّ القاضي مستمر في نظر القضايا، وهذا ما يثلج صدورنا. ونحن لدينا ساعة إلكترونية تضبط عبر البصمة وقت حضور الموظفين وانصرافهم لدى محكمة الاستئناف ومحكمتي شرق المكلا وغربها، ومتابعون مستوى الانضباط الوظيفي بواسطة حوافظ الدوام اليومية وعبر الإدارة المعنية، كما أنَّنا قد قمنا بصرف حوافز مالية للموظفين الذين ينجزون أكثر من الأعمال الموكلة إليهم فضلًا عن تكريم المبرزين منهم دوريًّا، وهذا ما يقوم به أيضًا بعض رؤساء المحاكم. 

المحور الخامس: تسريع إجراءات التقاضي 

هل هناك إجراءات اتخذتموها لتسريع الفصل في القضايا؟ 

مثل ما قلت في البداية أن التغلب على مشكلة تأخير الفصل في القضايا كان من أولويات اهتماماتنا عند استلامنا للعمل، وقد وضعنا نصب أعيننا محاولة حلّ هذا الإشكال، وعليه عقدنا عدّة اجتماعات مع رؤساء الهيئات القضائية في المحاكم والنيابات، إضافة إلى رؤساء المحاكم ووكلاء النيابات؛ لعمل الحلول لتخطي هذه المشكلة وغيرها من الإشكالات، فضلًا عن حثّ القضاة في كل لقاءاتنا الفردية بهم على سرعة الإنجاز بل عملنا إخطارات كتابية لكل من كان إنجازه ضعيفًا من القضاة.

كما أنَّنا أصدرنا تعميمًا إلى جميع المحاكم بسرعة إرسال ملفات القضايا المستأنفة، بما فيها الجنائية، وقرّرنا إرسالها مباشرة إلى الشعبة المختصّة بمحكمة الاستئناف مع قيام المحكمة الابتدائية بتحديد موعد الجلسة الأولى أمام الشعبة المختصّة حتى لا تتأخر ملفات القضايا المستأنفة لدى المحاكم الابتدائية أو لدى النيابة، وكذا ربط الأطراف بموعد محدد للحضور أمام الشعبة الاستئنافية، كما أنَّنا شكلنا فريق عمل دائم يتولى تحصيل الأحكام الصادرة من الشعب الاستئنافية لدينا وحددنا حوافز نقدية لكل من يتجاوز الربط المحدد، وقد نجحنا إلى حد كبير في سرعة تجهيز الأحكام، وما زلنا نتلقى المقترحات المتعلقة بتسريع الإنجاز باهتمام كبير. 

كيف ترون دور التقنية الحديثة في اختصار الإجراءات وتحسين كفاءة الأداء؟ وماهي الاحتياجات المطلوبة من أجل التحول الرقمي أو الأرشفة الإلكترونية للملفات القضائية؟ 

للتقنية الحديثة دور كبير في تسريع إنجاز القضايا وتحسين كفاءة الأداء، وهي بالضرورة تحتاج إلى أجهزة تقنية من كمبيوترات وأدوات إدخال وإخراج إلكترونية، وقد وجدنا الكثير من هذه الأجهزة لدى المحكمة، وفّرت جزءًا منها الوزارة والجزء الآخر رؤساء محكمة الاستئناف السابقين، كلّ من القاضي محمد سبيتي والقاضي هاشم الجفري والسلطة المحلية، ولكن هذه الأجهزة لا تكفي لمكننة القضاء بشكل كامل في محكمة الاستئناف وبقية المحاكم فضلًا عمَّا تتطلبه هذه الأجهزة من أدوات مساعدة كالأحبار والأوراق وقطع الغيار.. وقد حاولنا أن نبدأ بالمكننة في إحدى المحاكم الابتدائي، وهي محكمة شرق المكلا، وشكّلنا فريق عمل بالتنسيق مع رئيس المحكمة ومديرها وبدورهم تواصلوا مع الجهة المعنية في الوزارة إلَّا أنَّ إدخال هذه التقنية تحتاج إلى برامج خاصة، وقد قمنا بعرض إنجاز هذه البرامج لأحد المكاتب المتخصّصة إلّا أنّنا اصطدمنا بكلفة هذه البرامج من الناحية المالية، وعليه فإنَّنا من خلال هذا اللقاء نناشد الإخوة في الوزارة بتبني هذه الفكرة، ونحن على استعداد لتحمل جزء من الكلفة، ورغم ذلك استطعنا أن ننجح في جزء من برنامجنا، وهذا هو الجزء المتعلق بتحصيل ملخص النزاع للقضايا المحكومة بمحكمة الاستئناف ومحكمتي شرق المكلا وغربها، وعند استمرارية النجاح سنعممه على بقية المحاكم. 

المحور السادس: العلاقة مع الجهات العدلية والمجتمعية 

ما طبيعة العلاقة بين محكمة الاستئناف ونيابة الاستئناف في المحافظة؟ 

علاقتنا بالنيابة العامة ممتازة إذ أنّنا في تواصل دائم ولقاءات أكثر من أسبوعية مع الأخ رئيس النيابة العامة بالمحافظة القاضي محمد عوض بن علي الحاج، وكذا في تواصل دائم مع رئيس نيابة الأموال العامة القاضي عبدالله اليزيدي، ورئيس النيابة الجزائية المتخصّصة القاضي فهمي الشدادي، ولا توجد أيّ تباينات فيما بيننا فضلًا عن عدم وجود اختلافات. وهنا أودُّ أن أسجل شكري للأخ القاضي محمد بن علي الحاج على تجاوبه السريع معنا في كلّ ما نطلبه أو نقترحه في سبيل سرعة إنجاز القضايا. 

وكيف تصفون التعاون القائم بينكم وبين نقابة المحامين والجهات الأمنية في إنفاذ الأحكام؟ 

علاقتنا بنقابة المحامين أيضًا ممتازة، وقد زارني نقيب المحامين الأخ الأستاذ نجيب سعيد خنبش كثيرًا واستمعنا إلى ما تعانيه النقابة من هموم، وتبادلنا معه كثيرًا من الأفكار لتطوير علاقة القضاء بنقابة المحامين.. كما أنَّ علاقتنا بإدارة الأمن بالمحافظة والمديريات طيبة لما لمسناه منهم من تنفيذ أوامر القضاء وعدم وجود أيّ شكاوى أو ملاحظات من المحاكم الابتدائية، وفي هذا الجانب فإنّنا نقدر ما تعانيه إدارة الأمن من نقص في الأفراد فضلًا عمَّا تعانيه من إشكاليات أخرى، ممَّا أدَّى إلى تعثرها في إنجاز بعض المهام من بينها مشكلة عدم إحضار المساجين في بعض الأحيان من مصلحة التأهيل (السجون) إلى المحاكم لحضور الجلسات، كما أنَّنا نشكر لها إرفاد السلطة القضائية بعدد من الضباط والأفراد للعمل كشرطة قضائية وحراسات خاصة. 

ما دور المجتمع المحلي والإعلام في دعم جهود السلطة القضائية أو تحسين صورتها لدى المواطنين؟ 

كما سبق وأن أشرت بأنَّ المجتمع الحضرمي مجتمع في الغالب متحضر، ويتوق إلى المدينة، وملتزم بالقيم الأصيلة والأعراف السليمة، وهو أمر معلوم لدى الكلّ لهذا نجد الاحترام لقدسية القضاء والامتثال لقراراته وأحكامه واعتماد الناس في حلّ مشاكلهم بالطرق الودية سواء كان عبر التصالح أو التحكيم ثم التقاضي، والأغلبية ملتزمون بأحكام القضاء وقراراته، وهذه نعمة من الله أنعم بها على حضرموت بالرغم ما تمرُّ به البلاد بشكل عام من ظروف غير مساعدة على قيام القضاء بدوره الكامل.. كما أنَّ الإعلام الرسمي في المحافظة يُعَدُّ عاملًا مساعدًا للقضاء، ونادرًا ما ينشر أيّ إساءة للقضاء بل إنَّه في أغلب مخرجاته نراه يشيد بالقضاء والقضاة. وبالمناسبة كان معي مؤخرًا لقاء إذاعي، وقد قالها أحد المذيعين المخضرمين: إنَّ القضاة في حضرموت فضلاء، وهذه إشادة نفتخر بها، مع الإشارة إلى أنَّ الإعلام المحلي من إذاعة أو تلفزيون قد خصّص في خططه المنجزّة الكثير من البرامج القانونية التي تسهم في نشر الوعي القانوني. 

المحور السابع: التحديات والآفاق المستقبلية

 ما أبرز التحديات التي ما زالت تواجه القضاء في حضرموت حتى اليوم؟ 

 إنَّ أبرز التحديات التي تواجه القضاء في محافظة حضرموت هي قلّة عدد القضاة، وعدم توافر المباني الكافية، هذه تحديات أساسية، ومتى ما تمّ تجاوزها من الممكن إنجاز الكثير من الأعمال، ثم يأتي بعد ذلك تأهيل الكادر الموجود، وتوفير الإمكانات المادية واللوجستية. 

ما تطلعاتكم من مجلس القضاء الأعلى ووزارة العدل لتجاوز هذه التحديات؟ 

 نتطلع إلى مجلس القضاء بأن يعطي أولوية خاصة لحضرموت كونها بيئة مناسبة جدًّا لإظهار الوجه المشرق للقضاء، ويجب عليه توفير كلّ الإمكانات المادية والمعنوية لتحقيق الهدف الأساس من إنشاء المحاكم، وهو تحقيق العدالة المثلى، ومن أهم هذه الاحتياجات وفق ما ذكرت، هو توفير الحياة الكريمة للقضاة، ونتمنى من قيادات السلطة القضائية من رئيس مجلس القضاء الأعلى ووزير العدل والنائب العام ورئيس هيئة التفتيش القضائي أن يقوموا بالنزول إلى حضرموت وزيارة المحاكم والنيابات، والاستماع المباشر إلى هموم القضاة العاملين ومطالبهم في حضرموت وكذا الإداريين، كما أتمنى على مجلس القضاء أنّ لا يصدر أيّ قرار متعلق بحضرموت إلّا بعد الاستماع إلى رؤساء الاستئناف، وكذا تلبية مطالبهم في إجراء أي تنقلات أو تعيينات. 

وأخيرًا، ما رسالتكم للقضاة والعاملين في المحاكم ولأبناء محافظة حضرموت في ختام هذا اللقاء؟ 

 رسالتي إلى القضاة بأن يبذلوا المزيد والمزيد من الجهد لسرعة الفصل في القضايا المعروضة عليهم، والعمل دون كلل أو ملل من أجل تحقيق العدالة للمواطن، والعمل على إظهار الوجه المشرق للقضاء، والترفع عن صغائر الأمور، والابتعاد عن كل ما يمكن أن يُعَدَّ تصرُّف سلبي عنهم، وأن يتحلوا بالصبر والثبات على الحقّ مهما كانت الصعوبات. كما أوجه كلمتي إلى أبناء محافظة حضرموت بأن يحافظوا على الأمن، وأكرر أن يحافظوا على الأمن، وعلى الاستقرار النسبي الذي تنعم به المحافظة، وأن يلتزموا بقواعد حلّ الخلافات بالطرق السلمية المتحضرّة، وأن يبذل كلّ من يستطيع منهم جهده لتحقيق التنمية الحقيقية للمحافظة، وأن لا يسعى أي طرف إلى عرقلة إنجازات طرف آخر، بل يجب مساعدة من يعمل على القيام بأي مشروع تنموي، كما أوجه كلمتي للجميع بأن القضاء في حضرموت في خير، وهو على استعداد للقيام بواجبه مع الحقّ مهما كان صاحبه وضد الباطل مهما كان مقترفه….. والسلام يختتم رئيس محكمة استئناف حضرموت حديثه بتأكيد التزام المؤسسة القضائية في المحافظة بمواصلة العمل بروح المسؤولية والشراكة مع مختلف الجهات العدلية والتنفيذية والمجتمعية، لضمان وصول العدالة لكل مواطن وتحقيق الأمن والاستقرار القانوني. وأشار إلى أنَّ ما تحقق خلال المدّة الماضية من إنجازات، هو ثمرة تعاون القضاة والنيابة العامة والسلطة المحلية، وأنَّ المرحلة المقبلة ستشهد _ بإذن الله _ خطوات نوعية في تحديث العمل القضائي، وتطوير البنية التحتية، وتعزيز استخدام التقنية الحديثة في إدارة القضايا. واختتم القاضي الهدار بالتعبير عن فخره بما يتميّز به القضاة والعاملون في حضرموت من انضباط ومسؤولية، داعيًا الجميع إلى مواصلة العطاء خدمةً للعدالة وصونًا لحقوق المواطنين، حتى تظل حضرموت نموذجًا مشرفًا للقضاء المستقل والكفؤ في عموم البلاد.