قصة قصيرة (الجزء الثالث)
الساق الخشبية ورحلة الضياع

أوراق الأ شجار التي كانت تتساقط عليها لم تفلح
أخيراً تم العثور على صاحبة الساق الخشبية أمام أحد المحلات التجارية في المدينة المجاورة، وكانت قد افترشت لصغيرتها قطعة كرتونية كانت ملقاة في منعطف الطريق ، وانزوت بجانبها فشعرت الصغيرة بالامان ، وغطت في نوم عميق بعد أن داعبت نسمات الهواء العليل جسدها الهزيل ، فشعرت بالراحة وتناست تماماً ذلك الضجيج الناتج عن حركة السيارات أو أصوات المارة وهي تعلو تارة وتنخفض أخرى ، بل حتى أوراق الأ شجار التي كانت تتساقط عليها لم تفلح ايضاً في ايقاظها من سباتها ، لقد غطت تماماً في نوم عميق ، ربما لأنها قد صارت معتادة عليها فغدت بالنسبة لها أمراً طبيعياً ، وبينما كانت على تلك الحال إذ اقتربت منها إحداهن ربما كانت جارتها أو إحدى معارفها ، وبدت وقد انشرحت نفسها لها وطابت وإذا بها وقد انكبت عليها تقبلها وتذرف الدمع شوقاً لرؤيتها ، ربما قد كانت تنتظرها منذ زمن بعيد ، وضلت الطريق اليها ، ولم تمر سوى لحظات محدودة حتى احتملت الطفلة عائدة الى منزلها الذي هجرته منذ زمن بعيد ،اسابيع او اشهر عديدة ، إذ لم تعد تتذكر حينما تاهت في شوارع المدينة الغريبة عنها ، وشعر الجميع بالارتياح لعودتها سالمةً ودخلت الى منزلها ... الغبار يملأ المكان وحتى المواد الغذائية التي جمعها لها الأهالي قبل وفاة زوج أختها قد تلفت عقب مغادرتها بفعل الحشرات والفئران التي وجدت فرصتها ولم تغادر شيئاً إلا أتت عليه ...ألقت بجميع المخلفات ومن ضمنها قطعة الحصيرة التي كانت تنام عليها فقد تهلهلت ، وأعادت تنظيف غرفتها وترتيبها ، وعندما حل المساء وأسدل الليل أستاره وطغى الظلام الدامس على المكان ، وخيم السكون وعم الهدوء التام ،جميع الأرجاء ، وخفتت أصوات أطفال الجيران ، افترشت الارض بساطاً وألقت بجسدها المنهك الهزيل ، عله ينعم بالراحة ويهنأ بنوم آمن بلا كوابيس أو منغصات....
وبدا النعاس يداعب عينيها كان الفرق شاسعاً بين النوم في منزلها والنوم في المنعطات إو على قارعة الطرقات ، وها قد شعرت بالراحة التي افتقرت اليها منذ زمن طويل، وفجأة وبينما هي على تلك الحال سمعت حركة غريبة ، فشعرت بالريبة ، قالت في نفسها لعلها وقع اقدام للحيوانات ،وظنت أنها القطط تطارد الفئران ، لكن الخطوات كانت تقترب أكثر فأكثر ، فتسارعت نبضات قلبها ، أمسكت الفانوس ورفعته الى أعلى ، وضمت طفلتها إليها ، فقد شعرت بالخوف ، نظراتها كانت مصوبة نحو الباب ، فلقد جاء من يعكر السكون ، وينزع عنها راحت البال التي ما صدقت ان وجدتها.
اقترب الشبح من الباب ، وقد سولت له نفسه انها قد غدت فريسة سهلة ، لكل من أراد العبث ، إذ انها وحيدة ولن تجد من يأبه لها او يهتم لشأنها ، لكنها تمالكت شجاعتها واثبتت قدرتها في الدفاع عن نفسها وطفلتها ، ووجهت درساً قاسياً لكل من اراد استغلال ضعفها ووحدتها ، والتقطت سكيناً كانت قد اعتادت رفقتها وتضعها الى جوارها للدفاع بها عن نفسها وطفلتها ، وصرخت بأعلى صوتها مستنجدة ومستغيثة بمن حولها ، ومعها تعالت صرخات طفلتها الصغيرة .
وفي الخارج من ظنها تهذي في منامها ، او ربما حالات من صرع تعتريها او لعلها رأت فأراً ، او قفز عليها قطاً او..
لكنها الصرخات تتعالى اكثر فأكثر...
خاف الشبح ودب الرعب في قلبه واسرع نحو الباب للهرب ، لكن قدماه تعثرتا عند ارتطامها بشيء ما فهوى على الارض ، فجرحت ساقه ونزفت ومع ذلك تمكن من النهوض ، وفي دقائق معدودة كان قد غادر المكان واختفى قبل وصولهم اليه.. هرب وبقيت الدماء في مكانها شاهدة عيان ومؤكدة لهم انها لم تكن واهمة او تعاني صرعاً كما ظن بعضهم ، بل ان احد جيرانها الذي هرع للمكان مصطحباً طفلته التي افاقت هي الاخرى من نومها مذعورة وهي تسمع صرخات صديقتها الجديدة في جوف الليل ، واكد الجار انه قد لمح شبح الهارب المذعور لكنه لم يستطع التعرف عليه لشدة الظلام ووضعه للثام ، عندها اقبل بقية الجيران لاستطلاع الامر فوجدوها على حالها المؤسفة تحتصن طفلتها منزوية وتبكي بحرقة وقد بلغ بها الخوف والذعر مبلغه ، ولم تعرف طعماً للراحة فالنوم الآمن والراحة التي كانت تودهما كما يبدو لن تجدهما في منزلها كما ظنت ومن المؤكد ان النوم سيهجرها اياماًً وليال طويلة ، قبل ان تعود الطمأنينة الى نفسها مجدداً ، وربما كان الشارع وضجيجه أكثر أماناً بالنسبة لها من أي مكان آخر ولو كان منزلها الذي لا تعلم ما الذي يخفيه.
عفاف سالم